يؤكد علماء التاريخ الإسلامي ان سيرة الإمام الراحل عبدالحليم محمود مليئة بالمواقف العظيمة التي يتوقف الإنسان أمامها طويلاً ولابد من الاستفادة منها. يقول الدكتور مجاهد الجندي المؤرخ الإسلامي المعروف ان من أبرز المواقف التي نتوقف أمامها طويلاً موقفه عندما أصدر الرئيس الراحل أنور السادات قراراً عقب تولي الإمام لمشيخة الأزهر بأربعة شهور فحسب يقضي بسحب الكثير من الاختصاصات المخولة له كشيخ للأزهر ويمنحها لوزير الأوقاف فما كان من الإمام الأكبر الا ان قدم استقالته لرئيس الجمهورية علي الفور معتبراً ان هذا القرار يحد من قدر المنصب الجليل ويعوقه عن أداء رسالته الروحية في مصر والعالم العربي. وفور تقدم الإمام الراحل باستقالته تلقي عشرات الاتصالات الهاتفية التي ترجته ان يتراجع ولكن الرجل أصر علي استقالته وامتنع عن الذهاب إلي مكتبه ورفض تناول راتبه وطلب تسوية معاشه وأحدثت هذه الاستقالة دوياً هائلاً في مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامي وتقدم أحد المحامين الغيورين برفع دعوي حسبة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف طالباً وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية وإزاء هذا الموقف الملتهب اضطر السادات إلي معاودة النظر في قراره وأصدر قراراً جاء فيه: شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية بالأزهر. ويضيف الدكتور الجندي: من مواقفه التي لا تنسي ايضاً انه عقب عودته من فرنسا كان يرتدي البدلة حتي سمع خطبة للرئيس يتهكم فيها علي الأزهر وعلماءه بمقولة "انهم يفتون الفتوي من أجل ديك يأكلونه" فغضب الشيخ وشعر بالمهانة التي لحقت بالأزهر وعلمائه فخلع البدلة وارتدي الزي الأزهري وطلب من زملائه أن يتمسكوا بالزي الأزهري رداً علي هذه الاهانة فاستجابوا له. وكان من أهم دعوات الشيخ رحمه الله دعوته إلي تطبيق الشريعة فكتب إلي كل من سيد مرعي رئيس مجلس الشعب وممدوح سالم رئيس الوزراء آنذاك يطالبهما بالإسراع في تطبيق الشريعة الإسلامية ويقول لهما: لقد آن الأوان لارواء الأشواق الظامئة في القلوب إلي وضع شريعة الله بيننا في موضعها الصحيح ليبدلنا الله بعسرنا يسرا وبخوفنا أمنا. كما خاض الشيخ عبدالحليم محمود أثناء توليه مشيخة الأزهر معركة كبيرة تصدي خلالها لقانون الأحوال الشخصية الذي حاولت الدكتورة عائشة راتب تمريره دون الرجوع للأزهر وحرصت علي إقراره من مجلس الشعب علي وجه السرعة وكان القانون قد تضمن قيوداً علي حقوق الزوج علي خلاف ما قررته الشريعة الإسلامية. ولما علم الإمام بذلك أصدر بياناً قوياً حذر فيه من الخروج علي تعاليم الإسلام وأرسله إلي جميع المسئولين واعضاء مجلس الشعب والصحف ولم ينتظر صدور القانون بل وقف في وجهه قبل ان يري النور ورغم ان بيان الشيخ حورب من قبل القوي العلمانية المؤيدة لاصدار القانون الا انه وجد صدي لدي الحكومة التي اجتمعت للنظر فيه ولم تجد مفراً من الإعلان عن انه ليس هناك تفكير علي الاطلاق في تعديل قوانين الأحوال الشخصية.