الأيام المباركة يشرق نورها علي الأمة وهي تستقبل الثلث الأول من شهر ذي الحجة ذلك الشهر الكريم الذي جعله الله منسكاً لفريضة عالية القدر من فرائض الإسلام وهي الحج إلي بيت الله الحرام. هذه الفريضة تتحسن النفوس المؤمنة حيث يهفو أصحابها إلي فريضة العمر وأعظم مناسكها هو الوقوف بعرفات حيث يتجمع الزمان والمكان والعمل مع أداء المنسك الأكبر من مناسك الحج وهو الوقوف بعرفات هذا الوقوف الذي يحيل مجتمعات المسلمين إلي مجتمع واحد يتوحد فيه عملهم ونداؤهم إلي ربهم بالتلبية التي تعني الإجابة بعد الإجابة. وليس هناك موقف جامع للمسلمين مثل هذا الموقف سواء أكانوا يؤدون الفريضة إما يتابعون عملها من خلال أجهزة الإعلام الحديثة التي تعني بنقل المناسك إلي الناس في بيوتهم ونواديهم وأماكن تجمعاتهم. ومن حسنات الإعلام الحديث أنه ينقل منسك عرفات إلي الدنيا كلها من خلال الأجهزة الحديثة. وتباري المذيعون من مختلف بلاد العالم في نقل هذا المنسك إلي الناس وهم في أماكنهم يشهدون الصور المتحركة تتري أمامهم في النقل والبيان فتهفو نفوسهم إلي هذا الأداء العظيم. وليست هناك شعيرة تأخذ بمجامع النفوس وتهفو بها إلي هذا المكان الذي تنزل فيه الرحمات وتعم فيه مغفرة الله جميع الواقفين حتي أنه ورد في المأثورات الإسلامية عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أعظم الناس ذنباً يوم القيامة من وقف بعرفة فظن إن الله لم يغفر له إلي هذا المكان تهفو النفوس وتتعلق الأرواح وتطلب القلوب من ربها أن يشملها بواسع رحمته ويغفر لأصحابها ما اقترفوا من ذنوب وآثام في ساعة الغفلة عن مشاهد الإيمان العظيم. إن موقف عرفات هو المشهد الأعظم في مناسك الحج حيث يتجمع المسلمون في مكان واحد برداء واحد ونداء واحد هو الإجابة بعد الإجابة لنداء الله سبحانه وتعالي للناس بالحج. مصداقاً لقوله تعالي في الأمر لنبيه إبراهيم عليه السلام الذي ورد نصه في القرآن الكريم من قوله تعالي: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق" عندما أمر الله نبيه إبراهيم بالأذان بالحج قال: يارب وماذا يبلغ صوتي؟ فقال له ربه عليك الأذان وعلينا البلاغ وهاهو ذا البلاغ يعم أرجاء الدنيا فيقبلون من كل حدب وصوب ينادون ربهم طالبين مغفرته في القول المأثور: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك". فقال لهم تقبل من المؤدين للحج مناسكهم وأنعم علي الذين تهفو قلوبهم إلي أدائها في كل زمان مكان