ليس هناك موسم لعبادة يهز مشاعر المسلمين مثل موسم الحج. الحج هو العبادة الوحيدة المعبِّرة عن الوحدة الكاملة بين المسلمين من حيث الزمان ومن حيث المكان ومن حيث العمل» فالحج أشهر معلومات وهذا هو الزمان. والحج عرفة وهذا هو المكان. أما العمل فهو في التلبية التي يقوم بها المسلمون في وقت واحد وبصيغة واحدة. ويتابعهم المسلمون في كل مكان من أرض الله الواسعة بتجاوبهم معهم بالتلبية أيضاً مع أنهم يقيمون في أماكن بعيداً عن أرض الحج. والتلبية تعني إجابة بعد إجابة لله سبحانه وتعالي. وإعلان لتوحيده سبحانه والاعتراف بالحمد له والنعمة له والملك الشامل له. بلا شريك ولا منافس. وليست التلبية في هذا الوقت شأن الحجاج وحدهم. فالمسلمون في كل مكان يتجاوبون معهم بالتلبية مثلهم وكأنهم يؤدون معهم شعائر هذه العبادة العظيمة. ولو تأمل المسلمون ما في هذه العبادة من وحدة كاملة وشاملة لجعلوا للحج مصباحاً منيراً في حياتهم يهديهم سواء السبيل بما يعبر عنه من وحدة ليس لها مثيل ولا شبيه بالإضافة إلي أنه إجابة بعد إجابة لله تعالي في هذه العبادة الفريدة التي فرضها الله علي المستطيع مرة واحدة في العمر. ولكننا نلاحظ أن الشوق إلي تكرار هذه العبادة يدفع بكثير من المسلمين القادرين علي تكرار الحج مرة ومرات. فالحج شوق إلي المكان الجامع في عرفات وهو الذي تتوجه زيارة للمثوي العظيم الذي يرقد فيه جسد الرسول صلي الله عليه وسلم والذي يتنافس المسلمون بالذهاب مبكرين لزيارته والصلاة في مسجده صلي الله عليه وسلم والدعاء بين يدي غرفته الشريفة ليغفر الله لهم ويتوب عليهم داعين إياه أن يمن عليهم بتكرار هذه الزيارة ما استطاعوا إلي ذلك سبيلاً. وليست هناك عبادة يتشوق المؤمن إلي تكرارها مثل عبادة الحج مع أن الله تعالي فرضها علي المستطيع مرة واحدة في العمر. وذلك لما يشعر به المؤدي للحج مرة بعد مرة من راحة وطمأنينة ورجاء في مغفرة الله سبحانه وتعالي وقد حدثني ذات مرة صديق لا أشك في صدقه يتعجب في حديثه من ذهاب إحدي قريباته إلي الحج كل عام. وقد سألها عن سبب تكرارها للحج فقالت: إنها تشعر بالراحة والطمأنينة في الأماكن التي تتوزع فيها مراحل الأداء ويأتي في قمتها الوقوف بعرفات. هذا الوقوف الذي له في الإسلام شأن عظيم وأعظم مراحل هذا الشأن هو الشعور بالرحمة التي يشمل الله بها عباده الواقفين شعثاً غبراً يرفعون أيديهم إليه وحده ولا يطلبون شيئاً إلا منه وحده وهذه هي ظلال الرحمة والمغفرة التي يشمل الله بها عباده الواقفين علي عرفات حيث ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أعظم الناس ذنباً يوم القيامة من وقف بعرفة فظن أن الله لم يغفر له. وهذا كله يدعو المسلمين إلي الحج ما استطاعوا إلي ذلك سبيلاً ويدعو غير القادرين علي متابعة الحجاج في أعمالهم والتلبية معهم وبخاصة أن العلم الحديث يسر علي القاعدين في بلادهم متابعة الحجاج وهم يؤدون مناسكهم وبخاصة أثناء الوقوف بعرفة.. وقد أحسنت الإذاعات الإسلامية بنقلها منسك يوم عرفة إلي المسلمين وإلي العالم كله في شتي بقاع الأرض. فاللهم اجعل لنا نصيباً في الإقامة بهذا المكان المبارك ما استطعنا إلي ذلك سبيلاً.