وكيلة الشيوخ تطالب بإزالة عقبات تطبيق النسب الدستورية في موازنة التعليم العالي    أكاديمية الشرطة تنظم ورشة عمل مشتركة مع الشرطة الإيطالية لتدريب الكوادر الأفريقية على مكافحة الهجرة غير الشرعية    الوادي الجديد تبدأ تنفيذ برنامج "الجيوماتكس" بمشاركة طلاب آداب جامعة حلوان    هيئة تمويل العلوم تُعلن عن فتح باب التقدم لمنحة سفر شباب الباحثين    وزير التموين: توريد 900 ألف طن قمح محلي حتى الآن    إسكان النواب توافق على موازنة الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي    «إكسترا نيوز» تبرز ملف «الوطن» بشأن افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية    «معلومات الوزراء»: ألمانيا والصين الأكثر إصدارا للسندات الخضراء    توافق سعودي أمريكي حول ضرورة وقف إطلاق النار في غزة    الرئيس السيسي يستقبل رئيس البوسنة والهرسك في قصر الاتحادية    بسبب حرب غزة| طلاب الجامعات في واشنطن ينادون بتغييرات في العلاقات مع إسرائيل    فانتازي يلا كورة.. دي بروين على رأس 5 لاعبين ارتفعت أسعارهم    الزمالك: الفوز على الأهلي ببطولتين.. ومكافأة إضافية للاعبين بعد التأهل لنهائي الكونفدرالية    مباراتان في الدوري وتأجيل مثلهما.. ماذا ينتظر الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية؟    عامر حسين: لماذا الناس تعايرنا بسبب الدوري؟.. وانظروا إلى البريميرليج    ضبط خريج شريعة وقانون يمارس مهنة طبيب أسنان في المنوفية    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم على طريق جمصة بالدقهلية    جامعة كفر الشيخ تنظم حملة للتوعية الأسرية والمجتمعية    الضحية أقوى من الجلاد.. أبو الغيط يهنئ الفلسطيني باسم الخندقي على فوزه بالبوكر    جهود مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لحديثي الولادة    دراسة تكشف العلاقة بين زيادة الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم    التعاون الاقتصادي وحرب غزة يتصدران مباحثات السيسي ورئيس البوسنة والهرسك بالاتحادية    المشاط: تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري يدعم النمو الشامل والتنمية المستدامة    9 مايو أخر موعد لتلقي طلبات استثناء المطاعم السياحية من تطبيق الحد الأدنى للأجور    عبد الواحد السيد يكشف سبب احتفال مصطفى شلبي ضد دريمز    برشلونة أبرزها.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    تطور عاجل في مفاوضات تجديد عقد علي معلول مع الأهلي    البحوث الإسلامية يعقد ندوة مجلة الأزهر حول تفعيل صيغ الاستثمار الإنتاجي في الواقع المعاصر    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    إصابة عامل بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    موعد إعلان أرقام جلوس الصف الثالث الثانوي 2023 -2024 والجدول    احالة 373 محضرًا حررتها الرقابة على المخابز والأسواق للنيابة العامة بالدقهلية    أمن القاهرة يضبط عاطلان لقيامهما بسرقة متعلقات المواطنين بأسلوب "الخطف"    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    محافظ المنوفية يستقبل رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    منهم فنانة عربية .. ننشر أسماء لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى فى دورته ال77    «ماستر كلاس» محمد حفظي بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. اليوم    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    بحضور وزير الخارجية الأسبق.. إعلام شبين الكوم يحتفل ب عيد تحرير سيناء    «الرعاية الصحية» تشارك بمؤتمر هيمس 2024 في دبي    خلي بالك.. جمال شعبان يحذر أصحاب الأمراض المزمنة من تناول الفسيخ    اتحاد الكرة: قررنا دفع الشرط الجزائي لفيتوريا.. والشيبي طلبه مرفوض    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    خسائر جديدة في عيار 21 الآن.. تراجع سعر الذهب اليوم الإثنين 29-4-2024 محليًا وعالميًا    تعرف على الجناح المصري في معرض أبو ظبي للكتاب    أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على طلاقها من أحمد العوضي    من هي هدى الناظر زوجة مصطفى شعبان؟.. جندي مجهول في حياة عمرو دياب لمدة 11 سنة    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    مصرع عامل وإصابة آخرين في انهيار جدار بسوهاج    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    "استمتع بالطعم الرائع: طريقة تحضير أيس كريم الفانيليا في المنزل"    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    بايدن: إسرائيل غير قادرة على إخلاء مليون فلسطيني من رفح بأمان    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف العدد
الأقصر فوق السحاب جولة في مدينة الشمس
نشر في آخر ساعة يوم 29 - 05 - 2013

لا يكفي أن تزور معبد الأقصر دون أن تعرف قصة أبي الحجاج، وحكاية الرسوم المسيحية علي الجدران الجنوبية للمعبد. ورغم انبهارك بمعبد الكرنك كأكبر دار عبادة في كل زمان ومكان إلا أن القصص الملقاة بين صروحه وعلي حافة بحيرته المقدسة تظل أكثر إبهارا من أعمدته الشاهقة وطريق كباشه الطويل. ستتعب من دخول مقابر وادي الملوك في البر الغربي إلي أعماق عالم الأسرار، لكنك ستتحدي الإرهاق وتصعد الجبل لتلقي نظرة علي الوادي من أعلي، وستأخذك أقدامك رغم حرارة الجو إلي القمة حيث ستري النيل والمدينة خلفه، وحيث ستفاجأ بأنك تقف علي سقف معبد حتشبسوت في الناحية الأخري. لكن كل هذا لن يكون كافيا، لذلك فإنك ستركب أول بالون في الصباح الباكر لتشاهد الشروق علي طبيعته فوق مدينة قدست الشمس يوما، وستري من أعلي كل شيء دفعة واحدة. مدينة فوق السحاب تسبح فيها المعابد معلقة بالنيل ويرفرف بساطها الأخضر المشدود من الجانبين بالصحراء. رحلة لا تفوتك.
جولة في مدينة الشمس
بين الحرمين
الشمالي والجنوبي
آخر ساعة في قدس أقداس الإنسانية
تبدو الأقصر كرحلة حتمية يجب أن تقوم بها ولو مرة في حياتك. هكذا قالت لي إحدي السائحات في معبد الكرنك. كأن معاينتها فرض عين معرفي علي كل مؤمن بالحضارة. لذلك يضعها الكثيرون في قائمة أولوياتهم. لا يخص الأمر المصريين باعتبار تاريخهم، إنما نتحدث عن الجنس البشري بأسره. شيء ما ينقص تجربتك الإنسانية إن لم تزرها. وهي تبدو كرحلة تقليدية كلاسيكية حتي إنها قد تختصر في كلمات. زرت الأقصر وشاهدت المعابد. لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فهي ليست أكبر مستودع آثار ومتحف للحضارة علي الكوكب وفي كل العصور فحسب. ولكن ربما لأنه في هذا المكان، أصل كل شيء نعرفه. يدرك ذلك المهتمون بالتاريخ. ويستشعره من يمرون بالأحجار وينبهرون بالصروح والرسوم والألوان دون أن يجيدوا قراءتها. ففي الوعي الإنساني يعرف الجميع أن هنا تبدأ الحكايات.
تدخل إلي الأقصر عبر محطة القطار. والسفر بالقطار يستغرق وقتا طويلا يتعدي العشر ساعات. تمر خلالها بمدن وقري الصعيد وتتوغل رويدا في عالمه. ومن شوارعها الداخلية إلي شارعها الرئيسي المطل علي النيل. يشقها إلي نصفين في الشرق حيث المدينة ومعبد الأقصر وطريق الكباش الموازي للنيل والذي يربطه معبدها بمعبد الكرنك وبحيرته المقدسة. وامام معبد الكرنك وعلي الجانب الآخر في البر الغربي يقع معبد حتشبسوت الشهير والفريد في معماره كفرادة صاحبته التي بنت أكبر عدد من الصروح كملكة مصرية عظيمة وقديرة.
نعود إلي معبد الأقصر الذي يقف علي قارعة الطريق لا يفصله عن النيل سوي أمتار، وتحيطه الأبنية ويجلس علي كتفه مسجد العارف بالله أبو الحجاج بمئذنته المميزة ليشكل تلك الخلطة المصرية العجيبة لكن الاندهاش يزول عندما تدخل إلي المعبد وتكتشف كنيسة أقيمت في إحدي مقصوراته وما زالت رسومها المسيحية علي جزء من الجدار المقشر الكاشف عن نقوش فرعونية تحت الجص في توليفة مصرية أيضا، فالمكان الذي عبد فيه آمون أقيمت فيه قداسات يسوع وقرئت فيه أوراد الصوفية. إنها أرض الأديان باقتدار ليس فقط بسبب التنوع ولكن لأنك ما بين السطور ستعثر علي الروابط بين كل شيء وستعرف من أين تبدأ الحكاية. الحكاية الواحدة التي تعددت صورها ورموزها وأشكالها. الحكاية التي يمتلئ العالم بتفاصيلها ويرفع صلواتها ومن هنا نبتت أصولها.
علي مدخل المعبد توجد مسلة علي الجانب الأيسر أما توأمتها اليمني فتوجد في باريس حيث أهداها محمد علي لفرنسا وتقف شامخة في ميدان الكونكورد من فضل أجدادنا.
معبد الأقصر يرجع إلي أقل قليلا من 1500 عاما قبل الميلاد وقد أنشئ لعبادة الثالوث الطيبي المقدس آمون رع وزوجته موت وابنهما خونسو وقد انشئ في عهد الأسرة الثامنة عشرة واستكملته الأسرة التاسعة عشرة. أنشأه أمنحوتب الثالث ومن بعده رمسيس الثاني صاحب المسلتين وساهم في بنائه كل من حتشبسوت وتوت عنخ آمون وتحتمس الثالث.
لكن هناك قصة شيقة تجسد العلاقة الآثمة القديمة بين الدين والسياسة واستخدام الدين للوصول لأهداف سياسية. وهذه اللعبة الأزلية التي ما زالت تلعب هنا وعلي مستوي العالم. فالمعبد أنشئ في الحقيقة كتجسيد لكذبة دينية لكهنة آمون رع، لإعطاء أمنحوتب الثالث الأحقية في الحكم. ولمنحه الشرعية. ورغم ضخامة المعبد وتعدد مقصوراته وحجراته وطرقه وضخامة أعمدته إلا أن السر كله يكمن في حجرة صغيرة تسمي حجرة الولادة التي يصور علي جدرانها ميلاد الملك. كانت مشكلة هذا الفرعون أن أمه سورية وزوجته من عامة الشعب حيث كانت ابنة المسئول عن اسطبلات الملك، رآها طفلا وأحبها وتزوجها. وهنا يفقد شرطين ضروريين لحكم مصر، فأمه ليست مصرية وزوجته لا تسري في عروقها الدماء الملكية. وكالعادة يقوم رجال الدين بدورهم التاريخي ويمنحون الشرعية اللازمة للحاكم. تلك الشرعية التي تتمثل في كذبة أن أم الملك قد حملت بالملك من الإله آمون شخصيا. وبالتالي فلا يجرؤ أحد من الشعب علي الاعتراض علي ابن الرب. وهكذا قرر الكهنة أنها الحقيقة وجسدوها علي جدران غرفة الولادة فصارت لا تقبل التكذيب ومنح الملك المشروعية. إنه الدين المصري القديم الذي استمر لأكثر من ثلاثة آلاف عام وآمن به الجميع وجسد أفكارا مثالية وحكما كونية. وبالطبع كان موضوعا للقداسة. ويسمي المعبد إيبت ريست وتعني الحرم الجنوبي تمييزا له عن الحرم الشمالي في الكرنك والذي يبعد بحوالي 2700 متر ويصلهما طريق الكباش. وقد بني المعبد علي المحور الشمالي الجنوبي موازيا للنيل علي غير العادة.
محمد موسي مفتش آثار في معبد الأقصر قام بشرح مبسط للمعبد الذي بني في عهد الدولة الحديثة وبالتحديد الأسرة 18 التي استمرت 600 سنة ومن ملوكها العظام رمسيس الثاني والثالث وتحتمس الثالث وتوت عنخ آمون وكذلك إخناتون. مساحة المعبد 250مترا في 55 متراً هناك تمثالان لرمسيس الثاني ومسلتان لرمسيس إحداهما في الكونكورد منذ عام 1836 حيث أهداها محمد علي للفرنسيين. في الفناء الأول المفتوح يوجد 74 عمودا.
علي الجزء الشمالي الشرقي من المعبد يقع جامع أبو الحجاج. ويرجع إلي الصوفي أبو الحجاج الأقصري هو يوسف بن عبد الرحيم بن عيسي الزاهد. وهو مدفون بداخله. وقد ذكره ابن بطوطة عرضا في كتابه تحفة النظار في غرائب الأسفار وعجائب الأمصار. وقد أنشئ في العصر الأيوبي. ولجامع أبو الحجاج مئذنة تشبه مآذن العصر الفاطمي بالصعيد ومنها مئذنة قوص وأخري بإسنا وتشبه مئذنة الجيوشي بالقاهرة. وهي مبنية بالطوب اللبن. غير أن هناك مئذنة أخري كما أن المسجد أعيد بناؤه في القرن التاسع عشر.
كان المسجد قد تعرض لحريق عام 2007 وانتهت عملية ترميمه عام 2009 وقد كشفت عمليات الترميم عن جدران المعبد التي كانت مطلية وظهرت كتابات ونقوش فرعونية ترجع إلي عهد رمسيس الثاني.
ومن الحرم الجنوبي إلي الحرم الشمالي. اسمه معبد الكرنك لكنه في الحقيقة مجموعة معابد وهو في الواقع سجل تباري الملوك العظام في تدوين صفحاته ليكون شاهدا علي عظمة المعمار ودقة الفن وتطور العبادة. ويعتبر أكبر مكان مسور للعبادة علي كوكب الأرض وعبر التاريخ حيث يزيد علي الستين فدانا وقد بني حوله سور من الطوب اللبن عرضه 12 مترا وطوله 550 مترا وعرضه 480 مترا وارتفاعه 20 مترا.
يمتد بناء معالمه لألف عام من الدولة الوسطي وحتي البطالمة. وقد تهدم منه الكثير واستعمل بعض ما تهدم كحشو لأبنية أخري بالمعبد وهو ما كشف عنه شيفريه الذي استطاع إعادة بناء معبد صغير كان لسنوسرت الأول من قطع الحشو. كما عثرت البعثة المصرية الفرنسية أثناء ترميم الصرح التاسع بالمعبد علي أحجار التلاتات التي استعملت كحشو وترجع إلي معبد بناه إخناتون لعبادة آتون. حيث لم يقتصر الكرنك علي عبادة آمون رع، ولكنه اشتمل أيضا علي معابد لآلهة أخري مثل خونسو وبتاح.
في قدس أقداس الكرنك وقفت وتخيلت أعظم الفراعنة وهو يدخل بمفرده المكان الذي كان محرما حتي علي كبار الكهنة. تخيلت القداسة التي كان الناس يشعرون بها. إنه دين المصريين صانعي الحضارة الذي ظل قائما ومعمولا به لأكثر من ثلاثة آلاف عام. استحضرت كل هذه القداسة حيث يدخل الفرعون وحده لا رفيق له إلي قدس الأقداس ليكون في معية الإله آمون رع يتلقي منه الوحي. ثم نظرت إلي السائحين وقد دخلوا إلي قدس الأقداس الذي أصبح في أحسن الأحوال أثرا حجريا علي جدرانه بقايا نقوش من أزمنة غابرة. هنا استطاع الإبداع الإنساني العيش لنشاهده بينما تحللت العقيدة التي كانت يوما ما وراء كل هذه الإنجازات. شيء يدعو للتأمل. في نهاية المحور الشرقي الغربي تقع البحيرة المقدسة، والتي تتصل بالنيل عبر أنابيب، وخلفها يقع السور الشرقي للمعبد وتظهر أجزاء منه من اللبن.
قمت بجولة بصحبة مفتش آثار الكرنك بيتر فادي. والذي تحدث معي عن الصبغة الدينية للشعب المصري منذ القدم. وقد كان معبد الكرنك مخصصا لعبادة آمون وبذلت الجهود لاستعادة عبادته بعد إخناتون. وقد استطاع كهنة آمون هنا إعادته. وكل ملك كان يحب أن يكسب رضا الكهنة أضاف للكرنك. حتي أصبح أكبر معابد العالم. بني علي عدة مراحل فيه بدايات من عصور ما قبل التاريخ والدولة القديمة والوسطي والحديثة وحتي اليوناني الروماني. بني كإهداء للإله. المعبد علي محورين وليس محورا واحدا لرغبة الملوك في الإضافة له وتزاحم الصروح. المحور الأول غرب شرق وهو المحور الرئيسي المتعامد مع النيل، والثاني شمال جنوب موازيا للنيل ومتصلا بطريق الكباش. ويضيف بيتر فادي: المصري القديم كان منظما ولديه فرق عمل. تصقل الحجارة ثم تقوم بالنقش وهكذا. الصرح الأول من عصر الأسرة 30 وهي آخر الأسر الفرعونية. هناك طوب لبن خلف الصرح الأول وهو منحدر لرفع الأحجار. كانت تستخدم مواد لزجة لتنزلق في الصعود. أهم الصروح في المكان الصرح الثاني الذي وجد داخله أحجار حشو، وكان هناك بعض الملوك علي سبيل الاستسهال يهدم ما بناه ملك قبله، ويستخدم أحجاره كحشو. مثلا هذه مقصورة بنتها حتشبسوت واستخدمت كحشو. رمسيس الثاني نسب آثارا كثيرة لنفسه وكشفت. لكن أكبر مشيدة من العدم كانت حتشبسوت. البعض كان يقوم بترميم صروح ويضع اسمه. بعد الصرح الأول نجد علي الشمال ثلاثة مقصورات للإله آمون والإله خونسو والثالث للإلهة موت. الكرنك مجموعة معابد. هنا معبد رمسيس الثالث صرح ففناء مفتوح به أعمدة. صالة الأعمدة الكبري الأكبر في العالم علي 134عمودا. تنتهي بزهرة البردي المفتوحة والمغلقة. بعضها كان معرضا للانهيار.
الأقصرهي عاصمة مصر منذ الأسرة الحادية عشرة وحتي نهاية زمن الفراعنة. طيبة التي دفن الملوك في برها الغربي. والذي خرج من جوفه كنوز عديدة أشهرها توت عنخ آمون.
جولة في مدينة الشمس
من طريق الكباش إلي أكبر دار عبادة في التاريخ
تدخل إلي الأقصر عبر محطة القطار. والسفر بالقطار يستغرق وقتا طويلا يتعدي العشر ساعات. تمر خلالها بمدن وقري الصعيد وتتوغل رويدا في عالمه. ومن شوارعها الداخلية إلي شارعها الرئيسي المطل علي النيل. يشقها إلي نصفين في الشرق حيث المدينة ومعبد الأقصر وطريق الكباش الموازي للنيل والذي يربطه معبدها بمعبد الكرنك وبحيرته المقدسة. وامام معبد الكرنك وعلي الجانب الآخر في البر الغربي يقع معبد حتشبسوت الشهير والفريد في معماره كفرادة صاحبته التي بنت أكبر عدد من الصروح كملكة مصرية عظيمة وقديرة.
نعود إلي معبد الأقصر الذي يقف علي قارعة الطريق لا يفصله عن النيل سوي أمتار، وتحيطه الأبنية ويجلس علي كتفه مسجد العارف بالله أبو الحجاج بمئذنته المميزة ليشكل تلك الخلطة المصرية العجيبة لكن الاندهاش يزول عندما تدخل إلي المعبد وتكتشف كنيسة أقيمت في إحدي مقصوراته وما زالت رسومها المسيحية علي جزء من الجدار المقشر الكاشف عن نقوش فرعونية تحت الجص في توليفة مصرية أيضا، فالمكان الذي عبد فيه آمون أقيمت فيه قداسات يسوع وقرئت فيه أوراد الصوفية. إنها أرض الأديان باقتدار ليس فقط بسبب التنوع ولكن لأنك ما بين السطور ستعثر علي الروابط بين كل شيء وستعرف من أين تبدأ الحكاية. الحكاية الواحدة التي تعددت صورها ورموزها وأشكالها. الحكاية التي يمتلئ العالم بتفاصيلها ويرفع صلواتها ومن هنا نبتت أصولها.
علي مدخل المعبد توجد مسلة علي الجانب الأيسر أما توأمتها اليمني فتوجد في باريس حيث أهداها محمد علي لفرنسا وتقف شامخة في ميدان الكونكورد من فضل أجدادنا.
معبد الأقصر يرجع إلي أقل قليلا من 1500 عاما قبل الميلاد وقد أنشئ لعبادة الثالوث الطيبي المقدس آمون رع وزوجته موت وابنهما خونسو وقد انشئ في عهد الأسرة الثامنة عشرة واستكملته الأسرة التاسعة عشرة. أنشأه أمنحوتب الثالث ومن بعده رمسيس الثاني صاحب المسلتين وساهم في بنائه كل من حتشبسوت وتوت عنخ آمون وتحتمس الثالث.
لكن هناك قصة شيقة تجسد العلاقة الآثمة القديمة بين الدين والسياسة واستخدام الدين للوصول لأهداف سياسية. وهذه اللعبة الأزلية التي ما زالت تلعب هنا وعلي مستوي العالم. فالمعبد أنشئ في الحقيقة كتجسيد لكذبة دينية لكهنة آمون رع، لإعطاء أمنحوتب الثالث الأحقية في الحكم. ولمنحه الشرعية. ورغم ضخامة المعبد وتعدد مقصوراته وحجراته وطرقه وضخامة أعمدته إلا أن السر كله يكمن في حجرة صغيرة تسمي حجرة الولادة التي يصور علي جدرانها ميلاد الملك. كانت مشكلة هذا الفرعون أن أمه سورية وزوجته من عامة الشعب حيث كانت ابنة المسئول عن اسطبلات الملك، رآها طفلا وأحبها وتزوجها. وهنا يفقد شرطين ضروريين لحكم مصر، فأمه ليست مصرية وزوجته لا تسري في عروقها الدماء الملكية. وكالعادة يقوم رجال الدين بدورهم التاريخي ويمنحون الشرعية اللازمة للحاكم. تلك الشرعية التي تتمثل في كذبة أن أم الملك قد حملت بالملك من الإله آمون شخصيا. وبالتالي فلا يجرؤ أحد من الشعب علي الاعتراض علي ابن الرب. وهكذا قرر الكهنة أنها الحقيقة وجسدوها علي جدران غرفة الولادة فصارت لا تقبل التكذيب ومنح الملك المشروعية. إنه الدين المصري القديم الذي استمر لأكثر من ثلاثة آلاف عام وآمن به الجميع وجسد أفكارا مثالية وحكما كونية. وبالطبع كان موضوعا للقداسة. ويسمي المعبد إيبت ريست وتعني الحرم الجنوبي تمييزا له عن الحرم الشمالي في الكرنك والذي يبعد بحوالي 2700 متر ويصلهما طريق الكباش. وقد بني المعبد علي المحور الشمالي الجنوبي موازيا للنيل علي غير العادة.
محمد موسي مفتش آثار في معبد الأقصر قام بشرح مبسط للمعبد الذي بني في عهد الدولة الحديثة وبالتحديد الأسرة 18 التي استمرت 600 سنة ومن ملوكها العظام رمسيس الثاني والثالث وتحتمس الثالث وتوت عنخ آمون وكذلك إخناتون. مساحة المعبد 250مترا في 55 متراً هناك تمثالان لرمسيس الثاني ومسلتان لرمسيس إحداهما في الكونكورد منذ عام 1836 حيث أهداها محمد علي للفرنسيين. في الفناء الأول المفتوح يوجد 74 عمودا.
علي الجزء الشمالي الشرقي من المعبد يقع جامع أبو الحجاج. ويرجع إلي الصوفي أبو الحجاج الأقصري هو يوسف بن عبد الرحيم بن عيسي الزاهد. وهو مدفون بداخله. وقد ذكره ابن بطوطة عرضا في كتابه تحفة النظار في غرائب الأسفار وعجائب الأمصار. وقد أنشئ في العصر الأيوبي. ولجامع أبو الحجاج مئذنة تشبه مآذن العصر الفاطمي بالصعيد ومنها مئذنة قوص وأخري بإسنا وتشبه مئذنة الجيوشي بالقاهرة. وهي مبنية بالطوب اللبن. غير أن هناك مئذنة أخري كما أن المسجد أعيد بناؤه في القرن التاسع عشر.
كان المسجد قد تعرض لحريق عام 2007 وانتهت عملية ترميمه عام 2009 وقد كشفت عمليات الترميم عن جدران المعبد التي كانت مطلية وظهرت كتابات ونقوش فرعونية ترجع إلي عهد رمسيس الثاني.
ومن الحرم الجنوبي إلي الحرم الشمالي. اسمه معبد الكرنك لكنه في الحقيقة مجموعة معابد وهو في الواقع سجل تباري الملوك العظام في تدوين صفحاته ليكون شاهدا علي عظمة المعمار ودقة الفن وتطور العبادة. ويعتبر أكبر مكان مسور للعبادة علي كوكب الأرض وعبر التاريخ حيث يزيد علي الستين فدانا وقد بني حوله سور من الطوب اللبن عرضه 12 مترا وطوله 550 مترا وعرضه 480 مترا وارتفاعه 20 مترا.
يمتد بناء معالمه لألف عام من الدولة الوسطي وحتي البطالمة. وقد تهدم منه الكثير واستعمل بعض ما تهدم كحشو لأبنية أخري بالمعبد وهو ما كشف عنه شيفريه الذي استطاع إعادة بناء معبد صغير كان لسنوسرت الأول من قطع الحشو. كما عثرت البعثة المصرية الفرنسية أثناء ترميم الصرح التاسع بالمعبد علي أحجار التلاتات التي استعملت كحشو وترجع إلي معبد بناه إخناتون لعبادة آتون. حيث لم يقتصر الكرنك علي عبادة آمون رع، ولكنه اشتمل أيضا علي معابد لآلهة أخري مثل خونسو وبتاح.
في قدس أقداس الكرنك وقفت وتخيلت أعظم الفراعنة وهو يدخل بمفرده المكان الذي كان محرما حتي علي كبار الكهنة. تخيلت القداسة التي كان الناس يشعرون بها. إنه دين المصريين صانعي الحضارة الذي ظل قائما ومعمولا به لأكثر من ثلاثة آلاف عام. استحضرت كل هذه القداسة حيث يدخل الفرعون وحده لا رفيق له إلي قدس الأقداس ليكون في معية الإله آمون رع يتلقي منه الوحي. ثم نظرت إلي السائحين وقد دخلوا إلي قدس الأقداس الذي أصبح في أحسن الأحوال أثرا حجريا علي جدرانه بقايا نقوش من أزمنة غابرة. هنا استطاع الإبداع الإنساني العيش لنشاهده بينما تحللت العقيدة التي كانت يوما ما وراء كل هذه الإنجازات. شيء يدعو للتأمل. في نهاية المحور الشرقي الغربي تقع البحيرة المقدسة، والتي تتصل بالنيل عبر أنابيب، وخلفها يقع السور الشرقي للمعبد وتظهر أجزاء منه من اللبن.
قمت بجولة بصحبة مفتش آثار الكرنك بيتر فادي. والذي تحدث معي عن الصبغة الدينية للشعب المصري منذ القدم. وقد كان معبد الكرنك مخصصا لعبادة آمون وبذلت الجهود لاستعادة عبادته بعد إخناتون. وقد استطاع كهنة آمون هنا إعادته. وكل ملك كان يحب أن يكسب رضا الكهنة أضاف للكرنك. حتي أصبح أكبر معابد العالم. بني علي عدة مراحل فيه بدايات من عصور ما قبل التاريخ والدولة القديمة والوسطي والحديثة وحتي اليوناني الروماني. بني كإهداء للإله. المعبد علي محورين وليس محورا واحدا لرغبة الملوك في الإضافة له وتزاحم الصروح. المحور الأول غرب شرق وهو المحور الرئيسي المتعامد مع النيل، والثاني شمال جنوب موازيا للنيل ومتصلا بطريق الكباش. ويضيف بيتر فادي: المصري القديم كان منظما ولديه فرق عمل. تصقل الحجارة ثم تقوم بالنقش وهكذا. الصرح الأول من عصر الأسرة 30 وهي آخر الأسر الفرعونية. هناك طوب لبن خلف الصرح الأول وهو منحدر لرفع الأحجار. كانت تستخدم مواد لزجة لتنزلق في الصعود. أهم الصروح في المكان الصرح الثاني الذي وجد داخله أحجار حشو، وكان هناك بعض الملوك علي سبيل الاستسهال يهدم ما بناه ملك قبله، ويستخدم أحجاره كحشو. مثلا هذه مقصورة بنتها حتشبسوت واستخدمت كحشو. رمسيس الثاني نسب آثارا كثيرة لنفسه وكشفت. لكن أكبر مشيدة من العدم كانت حتشبسوت. البعض كان يقوم بترميم صروح ويضع اسمه. بعد الصرح الأول نجد علي الشمال ثلاثة مقصورات للإله آمون والإله خونسو والثالث للإلهة موت. الكرنك مجموعة معابد. هنا معبد رمسيس الثالث صرح ففناء مفتوح به أعمدة. صالة الأعمدة الكبري الأكبر في العالم علي 134عمودا. تنتهي بزهرة البردي المفتوحة والمغلقة. بعضها كان معرضا للانهيار.
الأقصرهي عاصمة مصر منذ الأسرة الحادية عشرة وحتي نهاية زمن الفراعنة. طيبة التي دفن الملوك في برها الغربي. والذي خرج من جوفه كنوز عديدة أشهرها توت عنخ آمون.
الأقصر تسأل: متي تعود السياحة؟
الأقصر مدينة استثنائية في كل شيء. ما تضمه من كنوز فوق الخيال. هي جديرة بأكبر عدد سياح في العالم. أهلها اعتمدوا علي هذا النشاط سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. والحقيقة أن هناك أزمات كثيرة تسبب فيها نقص أعداد السائحين. مشكلات يعاني منها الجميع. ورغم كل الجهود المبذولة إلا أن الحالة العامة للبلاد تلقي بظلالها علي المدينة السياحية. أنشطة توقفت وأخري تعاني. أصحاب المحلات يشتكون. إيجارات متأخرة. أصحاب الفنادق العائمة التي تزيد علي المائتين. وآلاف العاملين بشكل مباشر في مجالات الفندقة والإرشاد وأصحاب البازارات والعاملون بها. حتي أصحاب الحناطير المرخصة الذين يزاحمهم الآن ضعف عددهم بدون ترخيص. ورغم الحملات المتكررة إلا أن الانفلات والفوضي الذي تعاني منه القاهرة في عليائها وشوارع وسط المدينة بجلالة قدرها تعاني الأقصر بعضا منه. لكن طبعا بما لا يقارن مع فوضي وانفلات المحروسة. لا تلتزم الحناطير بأماكن توقفها. وتدور في الشوارع بحثا عن زبائن بأي سعر لإطعام الأحصنة.
مشكلة أخري تعاني منها المدينة وهي الباعة الجائلين عند المناطق الأثرية. يحاول أفراد الأمن التعامل معهم طوال الوقت دون رادع. يتطفلون علي السائحين. ولكنهم أيضا يريدون أن يعيشوا. وفرت المحافظة لهم أماكن فرفضها معظمهم. قلة عدد السياح يدفعهم لأن يكونوا قريبين وملحين للحصول علي أي فرصة للبيع. شاهدت الكثير من المضايقات ولم أشاهد استجابة سائح واحد للشراء منهم ومع ذلك يصرون.
في السوق الذي يعتبر مكانا حضاريا للبيع للسائحين كانت الممرات خاوية والباعة جالسون. بعضهم لم يدفع الإيجارات من عدة شهور. والجميع ليس لديه سوي سؤال واحد. سؤال إجابته في القاهرة وليس في الأقصر: متي تعود السياحة؟
جولة في مدينة الشمس
فنون يدوية تقاوم الانقراض:
الحرف التقليدية كنوز تراثية علي مقصلة الكساد
كتبنا مرارا وتكرارا عن الحرف التقليدية وأهميتها التراثية والاقتصادية. هذه الكنوز التي تحسن دول العالم استغلالها. تصدر الهند منتجاتها بالمليارات كل عام، وتخصص لها تونس والمغرب وزارة. وتقوم عليها في تونس سياحة كاملة هي السياحة البيئية. حيث كل شيء صنع يدويا. يأتي السائح ليعيش في الفنادق البيئية، الأثاث والمنسوجات وكل شيء صنع يدويا وفقا لتراث المكان. ورغم الحالة الاقتصادية التي تعيشها مصر في عصر النهضة، إلا أن إنقاذ الحرف التراثية يحتاج إلي توفير اعتمادات بأية طريقة. حال الحرف التقليدية علي مستوي مصر كلها ينذر بالخطر. هذه الكنوز المعرضة للتشوه والانقراض، حيث لا يعلم أحد متي تنتهي بلوي الوطن، وهل سنجد من بعد زوالها شيئا مما كان. نقول ذلك لأن الأقصر واحدة من أكثر المحافظات اهتماما بالحرف. خصصت لها بيوتا ومجمعات ومراكز حضارية. وحرصت علي أن تجمع فيها حرفا متنوعة. لكن الكساد السياحي يجعل توفير أجور الفتيات العاملات في المجال أزمة. ونحيل الأمر برمته إلي المسئولين في وزارة التضامن الاجتماعي.
أعرف الأقصر جيدا، وأعرف أنها وضعت منذ سنوات البنية الأساسية للحرف التقليدية. وبالإضافة للتنوع الكبير للحرف هنا فقد حرصت علي وجود حرف من مناطق مجاورة. معتمدة علي إمكانيات التسويق الكبيرة للمدينة السياحية. لكن الكساد السياحي ألقي بظلاله علي كل شيء. في البداية ذهبت إلي المركز الحضاري للمرأة والذي يشتمل علي مجموعة من الحرف منها نسيج الفركة. كذلك يوجد في المركز الحضاري قسم للسجاد اليدوي ويقوم النول بإنجاز سجادة واحدة من الحرير كل ستة أشهر. كل 6 شهور وتتبع الفتيات رسوما بعينها. ويسوق الإنتاج من خلال معارض. لكن الحالة الاقتصادية النهضوية تلقي بظلالها علي كل شيء. كذلك يوجد قسم للنحاس يقوم بعمل منتجات فرعونية وإسلامية. بالقسم أربع بنات مقسمات علي فترتين بحيث تعمل كل اثنتين لمدة خمسة عشر يوما فقط تقشفا واقتصادا للنفقات. المكان يحتاج إلي نظرة من الشئون الاجتماعية. وفي الطابق الأعلي يوجد معرض لهيئة قصور الثقافة يضم أعمالا شديدة التميز من جميع أنحاء مصر من إنتاج قصور الثقافة وبأسعار أكثر من رائعة ويبيعون للمصريين بنصف سعر البيع للسياح، لكن أين الزبائن. يجب ان توضع اماكن تسويق الحرف التقليدية علي جدول الزيارات. داخل معرض الهيئة التقيت بالطاهر محمد الطاهر والذي عرض لي منتجات مميزة من فخار وخزف ونسيج وأثواب وغيرها. وفي الطابق الأسفل التقيت بشيرين خليل محمد إحدي المسئولات عن المكان والتي قالت لي إن المركز أنشئ 2008 ويتم تدريب البنات لمدة 3 شهور بمقابل تدريب يومي وتحصل علي شهادة ونساعدها في التسويق. المكان أنشأته المحافظة ويتابعه الشئون الاجتماعية. الميزانية فيها مشكلة. الحالة صعبة ولا ننتج كثيرا لوجود أزمة تسويق. نشترك في المعارض. ولكننا بحاجة لدعم عاجل.
وإلي البيت النوبي ذهبت والمكان أكثر من رائع وبه حديقة ويصلح لاستقبال السياح. والتراث النوبي معروف بعراقته وجماله وتميزه. ويشتمل علي فنون متعددة من التطريز والخرز وحتي صناعات الخوص المميزة والتي تقوم علي خوص الدوم وأعواد القمح بصبغاتها المميزة وحرفيتها الدقيقة. وقد فوجئت بعدم وجود الخوص النوبي وبدلا منه انواع أخري. عرفت أن ذلك في محاولة لإرضاء ذوق المصريين بعد كساد السياحة. وهو ما يؤكد أن الحرف التقليدية تتعرض لخطر حقيقي ولا يشعر بها أحد ضمن حقبة الأزمات التي نعيشها.
التقيت بالمهندسة إيمان عياد مدير المركز الحضاري النوبي والتي قالت إنه تم اختيار أفضل الفتيات للتدريب ويقوم المركز بعمل مشغولات النسيج والفخار والجلود والخوص. المنتجات الاصلية يقبل عليها السياح ونحاول التطوير لإرضاء ذوق المصريين. عندنا مشكلة في المرتبات ونتمني أن نجد من يتبني مرتبات البنات. لأننا نضطر إلي جعلهن يعملن نصف الشهر بنصف الأجر.
في سوق الأقصر التقيت بالحاج أحمد فتحي الذي يعمل في صقل الأحجار الكريمة والذي تحدث معي عن عشقه للأحجار بقوله: أعمل من 52 سنة في هذه الحرفة التي تعلمتها منذ طفولتي. هناك أحجار كريمة وأخري نصف كريمة. اللابس اليازلي والفيروز كريم والعقيق نصف كريم. أعمل في الصقل وتشكيل الأحجار ونحتها لجعارين وحلي وغيرها. أغلب شغلي فرعوني للسياح. البعض يطلب أحجارا تتوافق مع برجه. واحد سائح طلب مني ذات مرة هلالا ونجمة وعملته له. أي شيء يطلب أقوم به.
ترتقي بعض الحرف التقليدية ليصبح صاحبها فنانا تلقائيا. كما في حالة كريم الذي يصنع من الفخار تماثيل بديعة للشخصيات الشعبية متمثلة في الحرفيين والتجار. يعمل بدأب ويتفنن في النحت ويقوم بحرق أعماله وتلوينها بألوان زاهية شعبية تعطيها طابعا مصريا. كما يبرع في عمل الشخصيات النوبية بملابسها البيضاء وبشرتها السمراء. هو أيضا أحد المضارين من الكساد السياحي ويتطلع لاستقرار الأوضاع وعودة السياحة. كريم محب لتراث الأقصر وعلي دراية بتاريخها ويتمتع بطيبة أهلها، وكل هذا ينعكس في أعماله التي يعرضها داخل سوق الأقصر بطريقة تشعرك بأنه عالم حقيقي مصغر.
في البر الغربي تعمل أكثر من أربعين ورشة في صقل الألاباستر ونحت الاحجار. يصنعون الأعمال ذات الطابع الفرعوني التي يقبل عليها السياح. يتنوع المستوي والأسعار. لكن لا شيء ينافس أسعار السلع الصينية. لذلك نجدها تزاحم المنتجات المصرية خصوصا لدي نوعية من السياح غير المنفقين. وقد كتبنا منذ سنوات عن أنه لا يليق بنا أن نستورد من الصين المنتجات التي تعبر عن الحضارة المصرية، ومن المخجل أن يعود السائح إلي بلده بتمثال فرعوني مكتوبا عليه (صنع في الصين) إنه عار ما بعده عار. ولكن يبدو ان المستفيدين من الاستيراد أقوي من أن توقف تجارتهم. رغم أن بعض المنتجات المصرية وصلت إلي حد الإبهار في دقتها وجمالها. والأمر يحتاج إلي قرار من رئيس الدولة بوقف استيراد السلع ذات الطبيعة التاريخية والتراثية. بداية من التماثيل الفرعونية وانتهاء بفانوس رمضان. وهو ما سيرفع مبيعات المنتج المصري ويحافظ علي الحرفة، وفي نفس الوقت سيحمي سمعة مصر من الانتهاك اليومي في البازارات ولدي السياح العائدين إلي بلادهم بمنتجات صينية.
داخل إحدي الورش التقيت بعياد حسين طايع الذي يعمل في مجال الألاباستر منذ عشرين سنة. يجلبون قطع الأحجار من الجبل الذي يبعد حوالي ثلاثين كيلو محملة علي الحمير فيتسلمها عياد وزملاؤه ويقومون بالتعامل معها بالمطرقة والمبارد وآلة التجويف حتي يصنعون منها اواني الألاباستر. يتدرب الحرفي منذ طفولته علي العمل الذي غالبا ما يكون متوارثا في العائلة. ويومية العامل حوالي ثلاثين جنيها وغالبا ما يتم العمل في مجموعة من الأواني معا حيث يستغرق إنجاز خمس وعشرين فازة متوسطة الحجم حوالي أربعين يوما. هناك ورش تعمل في الجرانيت والبازلت. أما الألاباستر فمنه الأبيض والبني والأخضر.
حسان محمد محسب يعمل في تصنيع وبيع التحف والهدايا السياحية ويفخر بحصول متجره علي المركز الأول عامي 2003 و 2004 وعلي درع التفوق عام 2005 من وزارة السياحة. ويرجع ذلك إلي الإتقان والعمل منذ 48 سنة في الأحجار الأصلية. يستعيد ذكريات أيام مضت عندما كان الجيل الأول من فناني الألابستر والأحجار متمثلا في الشيخ عبد الرسول وكان يعمل مع كارتر ويصنع التحف المميزة. وحتي الآن يوجد من هم مميزون في فنون النحت الفرعوني ويذكر أهمهم وهو الحاج سيد المطعني. ويضيف: نعمل في الجرانيت بألوانه الأربعة. وننفرد به. ثم البازلت والألابستر وأحجار الأونيكس من باكستان وألوانها بني وأصفر وأسود.
أما الحاج علي محمد حسني. فيضيف: نعمل في المجال من عشرات السنين. أسعار القطع الجيدة تختلف من فنان إلي آخر وحسب الحجر. البازلت والجرانيت الوردي أغلي لأن شغلها أصعب. الحاج سيد المطعني فناننا المميز ومعه إخوانه. هناك العشرات يعملون في المجال لكن التميز دائما عملة نادرة.
جولة في مدينة الشمس
دكتوراه فخرية لابن القرنة..
سيد المطعني نحات
من زمن الفراعنة
التقيت به قبل سنوات في بيته بالقرنة بالبر الغربي. كنت منبهرا بإبداعاته الفنية من الفن الفرعوني، وبقدرته علي نسخ أعقد القطع الفنية من المنحوتات المصرية القديمة، ومعجبا بدقة كتاباته الهيروغليفية علي أقسي الأحجار. وقتها تحدث عن الإهمال الذي يتعرض له، وعن أمله في إنشاء مدرسة لتعليم أجيال جديدة فن الفراعنة، وعن الاحتفاء الدولي به في المعارض التي يشارك بها في الخارج، والجوائز التي يحصدها للفن المصري. هذه المرة أيضا التقيت به في نفس البيت، لكنه حصل علي مزيد من التكريم الخارجي، فقد منحته كلية كارلتون في استراليا درجة الدكتوراه الفخرية في الفنون الجميلة (النحت) وعلي قدر سعادته فما زال مستاء من تجاهله في مصر، ويشعر بإحباط بسبب الأوضاع السياسية.
أجلس هذه المرة مع الدكتور سيد المطعني الذي لا تزيده السنون إلا صلابة وصقلا. يتحدث بنفس طريقته العفوية للحاج سيد ابن القرنة، لكنه وكعادته يحمل وعيا متجاوزا ومنفتحا حد الإدهاش. روح الفنان واحتكاكه بالخارج صنع رؤية مصرية منفتحة يفتقر لها معظم الساسة وكثير من المثقفين. الحديث معه ممتع رغم أنه لا يترك لك فرصة كبيرة لتوجيه الأسئلة. لديه ما يقوله دائما. وأمام تدفق أفكاره وصدق رؤاه لا تملك إلا أن تستمع. يحكي عن بداياته في القرنة عندما كان يلعب الكرة في المعابد مع أقرانه من الصبية، وعن حبه المبكر لفنون الفراعنة، وعن بيت كارتر الذي كان يعج بكبار الأثريين وعن لقائه بأحمد يوسف الذي قام بتركيب مركب الشمس وأحمد عثمان وشحاتة آدم ولبيب حبشي والتشجيع الذي لقيه من الجميع وهو ينحت أول قطعة من الفن الفرعوني. ويتذكر أول معرض دولي يشارك فيه وهو بازل الدولي. وكيف حصل علي المركز الأول بين متسابقين من 65 دولة وتستدعي ذاكرته أهم المعارض التي شارك فيها من ميونخ ونيس ومونتكارلو وتولوز وعن الجوائز والتقدير وعشق الفرنسيين بالذات لإبداعاته وللفن المصري. وعن قصة الرجلين الأستراليين اللذين أتيا وطلبا أن يجلسا معه وهو يعمل وكيف استضافهما دون أن يعلم أنهما لجنة جاءت لاختباره لمنحه الدكتوراه الفخرية. شاهدا نحته ومعالجته للأحجار بالنار وأخذا الأعمال وسافرا. وتم منحه الدكتوراه التي أرسلت له لعدم رغبته في الطيران الطويل. كما عرضوا عليه التدريس بالجامعة هناك ورفض. يقول: رفضت عروضا كثيرة بالإقامة في الخارج وتعليم الأجانب. كنت أتمني أن ألقي نفس الاهتمام في بلدي. كنت أتمني عمل مدرسة لتعليم الفن لأجيال جديدة. لكن الأمور تزداد سوءا. الآن أصبحت في الحضيض بعد توقف السياحة. الحكام الجدد أعطوا إشارات سيئة للعالم. وسمحوا بمهاترات كثيرة أعطت انطباعا بدخول مصر في عصر متشدد. وللأسف كل هذه الكوارث تحدث باسم الدين. ويضيف: مصر بلد متعدد ومنفتح وفيها مسيحيون وأديان مختلفة. أنا قلق علي البلد الآن وما يحدث علي المستوي السياسي لا يليق بمصر والسبب في انهيار السياحة هو ما تفعله وتصرح به التيارات الإسلامية. مصر لا يمكن احتكارها. البلد في فوضي وإضرابات علي كل شيء. ما يحدث يؤثر علي السياحة وعلي أكل عيش الناس. نحن شعب متحضر لكن صورتنا الآن سيئة بسبب ممارسات الساسة. كنت في إحدي البلدان وشاهدت السيارة التي تعطيك إنذارا إذا نمت أثناء القيادة وإذا لم تنتبه تتوقف علي جانب الطريق. أنظر فيم يفكر الناس وإلي ماذا وصلوا ونحن نتعارك علي تفاهات. نحن حضارة سبعة آلاف سنة. أنت تنادي بالإسلام فحافظ علي تراث البلد. يجب أن نفخر بتاريخنا. لماذا يأتون بوزير ثقافة ليس محل توافق المثقفين؟ من الذي يصنع كل هذه الأزمات؟ الناس تري كل شيء والاضطرابات تحتاج إلي حكمة. الفن ثروة وحضارة لا ينكرها إلا البدو من بلاد بلا حضارة ونحن من أبدعنا الفن لماذا لا نهتم بما لدينا. لكنهم يقولون حلال وحرام. من أنت لتحلل وتحرم. الموسيقي فن والرقص فن والغناء فن. أنا كرئيس جمهورية يجب أن أحتفي بالمطربين والراقصين والمقرئين. الشعب المصري يحب الجمال ولن يقبل هذه الأوضاع. نحن شعب نرسم وننحت من آلاف السنين. أنا قابلت كل رؤساء مصر وقابلت تاتشر وفولداهايم وملكة أسبانيا وآل جور. آلاف الوظائف ضاعت. الناس خائفة والصورة المصدرة عن مصر الآن لا تليق.
انتهي حديثه المتدفق الذي اجتهدت لنقله كما هو وانتقلت معه إلي المكان الذي يعمل فيه وبأدوات بسيطة. كما شاهدت القدر الكبير من التقدير الذي يتمتع به بين أبناء المنطقة والمتعاملين معه. وتأملت قطعا تشعرك بإعجاز فنه بعضها عمره يصل إلي ربع قرن. هذا الرجل يحتاج إلي اهتمام خاص. إلي مدرسة لتعليم فنون الفراعنة، وإلي متحف يخلد أعماله. أعماله التي يمنح معها شهادة لتمر من المطار لتشابهها الشديد مع القطع الأثرية.
جولة في مدينة الشمس
من هابو إلي وادي الملوك
البر الغربي عبور نحو الخلود
في الفنادق المطلة علي نيل الأقصر تتجه الأبصار إلي الشاطئ الآخر لمشاهدة الغروب، وعند خروجك من معبد الكرنك صوب النيل تستحضر تلك المواكب المقدسة التي ظلت تخرج لآلاف الأعوام من نفس المكان باتجاه معبد حتشبسوت علي الجانب الآخر. فالحياة في الأقصر والعين لا تكف عن النظر إلي البر الغربي حيث يرقد الفراعنة العظام والملكات المتوجات، وحيث تغيب الشمس في رحلتها الليلية المثيرة، وحيث عالم الموتي والمقابر وحياة الخلود وصحبة الآلهة والكتب الجنائزية. في هذا المكان مارس المصري القديم إيمانه بعقيدة البعث والخلود التي كان سباقا فيها ومنها صنع حضارته. لذلك فإن العبور إلي البر الغربي هو رحلة مثيرة ومحاطة بكثير من السحر.
بدأت الجولة بمدينة هابو والتي تشتمل علي معبد رمسيس الثالث الجنائزي وهو أعظم آثار الأسرة العشرين وتضم كذلك معابد أخري منها معبد لآمون. تتميز ببقاء النقوش والحفر بحالة جيدة وألوان بعض الأسقف ما زالت كما هي. زينت جدران المعبد بإنجازات رمسيس الثالث العسكرية وكذلك رسوم الاحتفالات بأعياد الآلهة..
أما المحطة الثانية في البر الغربي فكانت في معبد حتشبسوت المعروف بالدير البحري. المعبد بنته الملكة المصرية العظيمة حتشبسوت لتقيم الشعائر التي تقربها من الآلهة وتفيدها في العالم الآخر. وترجع تسمية الدير البحري إلي استخدامه كدير مسيحي في القرن السابع الميلادي. وهو مشيد علي ثلاثة مستويات يقسمها ممر للصعود.
ومن الدير البحري إلي وادي الملوك.
بدأت رحلتي داخل وادي الملوك مع مفتش الآثار طه حسين أحمد والذي حدثني عن المكان بوصفه من المدن الجنائزية ويضم مقابر الملوك ومقابر الأمراء وفيما بعد مقابر الكهنة. ويضيف: حتي الآن لدينا 64 مقبرة. منها عشر مفتوحة للزيارة وهناك مقبرتا سيتي الأول ورمسيس الأول مفتوحتان حاليا للزيارات الخاصة فقط. بتصريح من الوزير. وادي الملوك عبارة عن مدخل حوالي ثلاثة كيلومترات وبشكل متعرج يشبه أفعي الكوبري. كان الهدف أن يكون آمنا من اللصوص. بدأ الدفن فيه من الدولة الحديثة الأسرة 18 و19 و20.. أول من حفر هنا هو تحتمس الأول من الأسرة 18..
وأكمل رحلتي داخل الوادي بصحبة محمد بعيبش مفتش آثار وادي الملوك والذي حدثني عن مقبرة رمسيس الرابع بقوله: هي الوحيدة شبه الكاملة والتابوت الحجري للملك من الجرانيت موجود. الملك نفسه لم يكن فرعونا قويا لكن مقبرته رائعة رغم الحالة الاقتصادية والسياسية في الأسرة العشرين. مرنبتاح الثاني أطول مقبرة في وادي الملوك طولها حوالي 165 مترا. مومياء مرنبتاح كان عثر عليها في وادي الملوك في خبيئة مقبرة 35 مقبرة أمنحوتب الثاني. أهم مقبرتين تحتمس الثالث وفيها قائمة بأسماء وصور الآلهة المصرية تضم 741 إلها وفيها كتب دينية كاملة منها كتاب إيمدواتو ويمثل رحلة الشمس خلال اثنتي عشرة ساعة الليلية. والمقبرة الثانية مقبرة رمسيس السادس وبدأها رمسيس الخامس الذي لم يمض في الحكم سوي سنتين وتوفي فأكملها ابنه رمسيس السادس ونسبها لنفسه. وهذه المقبرة تضم اغلب الكتب الدينية ما عدا كتاب صلوات رع. حوالي 12 كتابا.
آخر مقبرة تم اكتشافها عام 2012 بواسطة بعثة جامعة بازل السويسرية وكانت قد أعيد استخدامها مرة أخري حيث حفرت في عهد الأسرة 18 وعثر فيها علي تابوت من الخشب وفيه مومياء لمنشدة الإله آمون في معبد الأقصر. وترجع لعهد الأسرة 22 وطبعا معروف أن الدفن انتهي في وادي الملوك في الأسرة 20 ومن الغريب أن تكون هذه المنشدة تابعة للأسرة 22. لذلك هم يعتقدون أنها حفرت في عهد الأسرة 18 وأعيد استخدامها في عهد الأسرة 22..
المقبرة 14 (تاوسرت والملك ست نخت). وكانت آخر ملوك الأسرة 18 وأكملتها حتي غرفة الدفن. ولما توفت جاء ست نخت وأكملها وفقا لأحد الآراء ونسبها لنفسه وسنلاحظ أن خراطيش الملكة تم محوها ووضعت مكانها خراطيش الملك ست نخت وسنلاحظ ما يشبه حجرتين للدفن. الاغتصاب واضح. لأن الخلفية كانت باللون الأصفر والخلفية الجديدة بيضاء. لون الكتابة كان أحمر وأسود وأخضر وهنا أزرق. ونسي تاء التأنيث في النصوص الأخري. وفي بداية المقبرة الملكة مع الآلهة وليس ملكا. الكشط والتعديل واضح وهناك اعتقاد أنه اغتصب التابوت أيضا.
بعد خروجي من المقابر شاهدت مدقات تصعد الجبل ودهشت عندما عرفت أنها من العصر الفرعوني.. قررت الصعود إلي أعلي وتصوير الوادي وقادتني أقدامي إلي القمة حيث فوجئت بأنني أري النيل من الناحية الأخري ومدينة الأقصر وأخذت أتعرف علي بعض المعالم من معبد الأقصر ومعابد الكرنك. كما شاهدت في البر الغربي مدينة هابو ومعبد الرمسيوم، لكن المفاجاة الكبيرة كانت اكتشافي أنني أقف علي سقف معبد حتشبسوت أعلي الجبل.
جولة في مدينة الشمس
الأقصر بعين طائر
رحلة بالبالون فوق الحقول والمعابد
المدن كالنساء، والأقصر بينهن فادحة الغواية تمنح نفسها علي مراحل تبهرك في كل مرة، وعندما تظن أنك وصلت تكتشف بأنه ما زال أمامك الكثير لتكتشفه. لذلك فقد كانت عيني منذ البداية علي التحليق عاليا لأري المدينة بحرية كما تراها الطيور. كنت في اليوم السابق قد صعدت إلي قمة الجبل بين وادي الملوك ومعبد حتشبسوت، وكانت الصور بعيدة. لكنني اليوم وفي الصباح الباكر كنت أنتظر إعداد البالون للطيران. أوقن بأن الحادث الذي وقع منذ فترة ليس سوي حادث عارض. وكانت المغامرة تستحق.
كان لابد ان أستيقظ في الثالثة قبل الفجر لأن موعد الإقلاع من البر الغربي في الخامسة والنصف صباحا. في الأحوال العادية عندما يكون هناك كثافة سياحية يكون هناك ثلاثة مواعيد للطيران آخرها في السابعة والنصف. أما الآن فموعد واحد وبالمصادفة هناك بالون آخر يطير في نفس الوقت.
المطار عبارة عن مساحة واسعة من الأرض في البر الغربي، منها نحلق لكن لا نعرف أين سنهبط، فلا يمكن التحكم في البالون إلا صعودا وهبوطا فقط أما الاتجاهات فمتروكة لأمر الريح وتيارات الهواء. هذا أيضا يشعرك بالمغامرة. وصلت بصحبة مسئول العلاقات العامة بمحافظة الأقصر مصطفي حجاجي والذي كان متعاونا للغاية لإنجاح رحلتي. في نفس التوقيت وصلت السيارة التي تحمل صندوق البالون. بدأت عملية نفخ البالون من خلال مراوح هواء قوية ثم قاموا بإشعال الشعلة التي تقوم بتسخين الهواء حيث بدأ البالون يأخذ شكله. كان حتي ذلك الوقت مربوطا في السيارة وتم ربطه بالصندوق الذي سنركب فيه. قام الطيار باختبار بالون الهليوم لمعرفة اتجاهات الريح في طبقات الهواء المختلفة ثم بدأنا التحليق. يصعد البالون كلما شغل الطيار الشعلة محدثة صوتا ولهيبا وتشاهد لسان النار مندفعا داخل البالون. نظرية الطفو العادية حيث يتمدد الهواء وتقل كثافته فيطفو البالون. كنا ستة أشخاص بين مصريين وأجانب. بدأنا نحلق والطيار يعمل أيضا كمرشد يخبرنا كل دقيقتين بارتفاعنا الذي وصل إلي 1500 متر ويخبرنا بالمواقع الأثرية التي نراها من أعلي. كان لمشاهدة الشروق وقع السحر علي الجميع حيث جاء فوق انحناءة النيل الشهيرة شمال الأقصر. بدأ النيل يلمع مع الشمس. ظهرت في البداية مدينة هابو من أعلي ثم معبد الرمسيوم وظهر معبد الدير البحري واستطعنا رؤية الكرنك بصعوبة لأنه كان في اتجاه الشمس.
كان الطيار علي اتصال دائم بفريق عمل كبير يستقلون سيارة نقل وفريق في سيارة ميكروباص يعطون إرشادات للطيار ويتلقون معلومات. وكان البالون يغير اتجاهه بين حين وآخر. يدور ويتجه شرقا لكنه علي العموم كان يحلق نحو الشمال. مررنا فوق حقول وبيوت في البر الغربي. وبعد حوالي ثلاثة أرباع الساعة بدأ الاستعداد للهبوط. كان يهبط علي مهل مستغلا وجود أرض زراعية قريبة وكانت المفاجاة وصول فريق البالون الأرضي قبلنا. علي حافة أرض غير مزروعة ألقي الطيار محمود بدوي كابتن البالون الحبل وبدأ التحكم بالهبوط. اتبعنا تعليمات السلامة بالجلوس في الصندوق والأمساك جيدا. لكن الهبوط كان سلسا للغاية. كنا قد التقطنا صورا رائعة من أعلي بعين طائر.
جولة في مدينة الآلهة
محافظ الأقصر في حوار مع آخر ساعة:
قطار فائق السرعة يربط الغردقة بالأقصر قريبا
الحديث الصحفي مع شخصية دبلوماسية ليست بالمهمة السهلة. لكن السفير عزت سعد محافظ الأقصر فاجأني بإجاباته المحددة والصريحة حول العديد من الموضوعات والقضايا التي تخص الأقصر. وإذا كان الجانب الدبلوماسي يظهر في تعاملاته مع مرؤوسيه وزملائه وينعكس في أجواء عمل ودية، فإنه أيضاً قد أجاب بوضوح عن أسئلة تتعلق بأزمات عامة وخاصة حول تعثر السياحة والمشكلات المترتبة عليها، وحول الوضع الأمني ومشكلة التعويضات والمشروعات المستقبلية وتأثرها بالأزمة الاقتصادية، والأهم أنه بدا متفائلا رغم كل الظروف.
في لقاء بمكتبه كان هذا الحوار.
هناك نقص في أعداد السياح علي مستوي الجمهورية وهناك شكوي هنا لكنني وجدت أعدادا معقولة اليوم في الكرنك. ما الحكاية؟
بداية السياحة الشاطئية تستحوذ علي 85٪ من سياح العالم والسياحة الثقافية التي تنتمي لها الأقصر وأسوان والقاهرة 15٪. يأتي لنا السياح بطريقين إما عن طريق رحلات الشارتر التي تأتي خصيصا للأقصر ويقيمون ويحدثون رواجا في المدينة ويقيمون أسبوعا أو أسبوعين. والرافد الثاني هو سياح اليوم الواحد ويأتون من الغردقة والبحر الأحمر، وهم لا ينقطعون ويأتون يوميا وتكون كثافتهم كبيرة من الأحد للخميس من 120 إلي 150 أتوبيسا يوميا. وهم يعودون في نفس اليوم. أصحاب الفنادق ووكلاء السياحة والسفر لا يستفيدون ويريدون أن يبيتوا ولو ليلة. لكن أصحاب الشركات لا يريدون ترك سرير السائح فارغا في الغردقة. طبعا نسب الإشغال حوالي 25٪ مع ملاحظة أن الموسم انتهي في 30 أبريل ويأتي لنا في أعياد القيامة أعداد لا بأس بها. للأسف بعض الشركات أو من ليس مهنتهم السياحة دخلوا في هذه اللعبة وعلي طريقة ميدان رمسيس وفي ميكروباص أو أي شيء ويأتون بهم إلي الأقصر. وطبعا تحدث حوادث من قبل هؤلاء الهواة الذين دخلوا سوق السياحة وأساءوا لسمعة مصر وعندما كنت سفيرا في روسيا كانت هناك مظاهرات شبه أسبوعية بسبب حوادث الطرق في مصر وهذا ما جعلنا نفكر في قطار فائق السرعة بين الغردقة والأقصر.
هل هي فكرة أم مشروع؟
كانت فكرة سلمناها لهيئة الاستثمار قبل أن تصبح مشروعا وتقدمنا به لرئيس الوزراء وتمت الموافقة مؤخرا باستثمارات 25 مليار جنيه وفي يوليو القادم سيطرح المشروع.
ماذا عن الأنشطة الاقتصادية الأخري؟
بعد أن جئت في أغسطس 2011 لم أجد سوي مصنع أرمنت للسكر، لكن ربنا وفقنا وانتهينا من منطقتين صناعيتين في طيبة الجديدة، وخلص منها حوالي 90٪ وأخري بمنطقة البغدادي حوالي مائتين وعشرين فدانا لكن شيئا طيبا أن يكون لدينا عشرة مشروعات من مستثمرين مصريين أغلبها صناعات غذائية وهناك بعض المصانع التي تقوم علي الطوب الطفلي والزجاج. للأسف كانت هناك تعديات نقوم برفعها بالتعاون مع مديرية الأمن. هناك منطقة علي الحدود مع الوادي الجديد وهناك مستثمرون مهتمون بعمل مصانع أسمنت وهي في الغرب وبعيدة لكن منطقة البغدادي القريبة سنخصصها للصناعات الغذائية وصديقة البيئة. خلق وظائف جديدة مسألة تفرض نفسها خصوصا مع تراجع السياحة الذي قد يطول ونريد تنويع مصادر الدخل. لدينا قطاع زراعة جيد. كبار المزارعين ليس لديهم مشكلة ويصدرون من خلال المطار لكن الفئة الأضعف هي التي كانت محتاجة للمساعدة فمن خلال إحدي الجمعيات المهتمة بصغار المزارعين عملنا ندوات إرشادية وسنقوم بشراء إنتاجهم. لأن إنتاجهم قليل والفاقد كثير في بعض المحصولات وعملنا في منطقة الطود مصنعا للتعبئة وأعطيناهم 15 فدانا في المنطقة الصناعية وقد افتتحت المحطة ويأخذون المنتجات لبيعها في الأقصر والفنادق العائمة.
ما الوضع بالنسبة لخطة تطوير الأقصر الطموحة في ظل الأزمة الاقتصادية؟
بالنسبة للخطة الشاملة لتطوير المدينة أنجز منها قدر كبير ليس أقل من 70٪ طريق الكباش أنجز منه خمسة قطاعات من ثمانية وسنفتتحهما في أكتوبر القادم مع مجموعة من الاكتشافات الأثرية منها معبد خونسو في البر الشرقي ومقبرة مرنبتاح في الغرب. ودائما هناك اكتشافات أثرية جديدة لأن رؤساء البعثات الأثرية ال25 يقولون لم نكتشف سوي 15٪ من آثار الأقصر. هناك عشوائيات كثيرة مبنية فوق الآثار. نجع أبو عصبة فوق جزء من طريق الكباش. هذا الطريق الواصل بين معبد الأقصر ومعبد الكرنك الذي يواجه معبد حتشبسوت. الوضع المالي حاليا لوزارة الآثار لا يسمح بالتعويضات حاليا.
كان هناك مشكلة بالنسبة للتعويضات في مشاريع سابقة.
الحكومة تبذل أكثر ما في وسعها وفي الميزانية الحالية حولوا لنا 216 مليونا لتعويض الأهالي ومنذ حوالي أسبوعين وضعوا مائة مليون للميزانية القادمة ووعدوا بتدبير المزيد في حال الاحتياج. وتعويض الناس مسألة حتمية وإلا سنقوض كل الجهود التي بذلت. الأهالي يجب أن يشعروا بالرضا والبعض أعاد احتلال ما أخذ منه. وتم تشويه أماكن كثيرة. هناك بعض المشكلات لكننا نقوم بحلها.
وماذا عن مشكلتي الحناطير والباعة الجائلين التي تسيء للمدينة والسياحة؟
مشكلتا الحناطير والباعة جزء من حالة عدم الانضباط في أعقاب الثورة والفهم الخاطئ للديمقراطية والبعض استغلوا المناخ ويقومون بممارسات غير مقبولة والسياح لم يسلموا منهم وهناك مبادرات وبالتعاون مع الاتحاد الأوربي. بنينا أسواقا حديثة للباعة الجائلين ورفضوا الانتقال لها. عملنا هذا أيضا في أرمنت وإسنا. القليلون استجابوا وشرطة السياحة حددت أماكن ووضعنا لهم مناضد ولكن هناك خروقات دائمة كجزء مما في الشارع المصري. وبالنسبة للحناطير حددنا لها أماكن وللأسف تركوها ومصرون علي العشوائية. ودائما أطلب من شرطة السياحة بذل مزيد من الجهد ولكن ثلثي الحناطير من خارج الأقصر وبدون ترخيص. المرخص 340 والموجود حوالي ألف ويقولون نأكل عيش. في حملاتنا نحتاج غطاء أمنيا وأنا أتفهم الظروف الأمنية.
وبالنسبة لتنشيط السياحة أين المحافظة؟
عملنا من مهرجانات وفعاليات ما لم يفعله أحد، وعلي سبيل المثال عملنا ثلاثة مهرجانات سينما دولية في ظروف صعبة. مهرجان الأقصر الدولي للسينما الأفريقية والثاني هذا العام ومهرجان السينما الأوربية والملتقي الدولي للرسم والعشرات من الفعاليات الثقافية والسياحية منها الذكري التسعين لاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وحضرها حفيد كارتر مكتشف المقبرة وحفيد اللورد كارنفون ممول الاكتشاف. وهناك مساع كثيرة لتنشيط السياحة لكن كل جهودنا لها سقف مهما فعلنا ومهما فعل وزير السياحة إلي أن تستقر البلاد سياسيا وأمنيا. تجربتنا الجديدة وانتقالنا لمجتمع ديمقراطي ومع صعود الإسلام السياسي أصبحنا تحت المهجر وكل شيء يخضع للاهتمام والتحليل والمتابعة لكل ما يحدث ولدينا هنا جاليات أجنبية والأقصر هادئة بالنسبة للقاهرة. لكن ما يحدث في القاهرة يلقي بظلاله.
نريد تعريف القارئ بإمكانيات المحافظة خارج مدينة الأقصر؟
لدينا معبد إسنا والخان الذي أنفقنا مليون جنيه لتطويره، وعندنا الطود وأرمنت وكل أرجاء المحافظة مليئة بالخيرات وعندما تكون لدينا متاحف كافية ستكون هناك بعثات في المناطق الأخري. طبعا المنشآت السياحية متركزة في الأقصر. ونحن نحتاج إلي مزيد من الاستثمارات. الأقصر بحاجة إلي استثمارات في مجال السياحة الترفيهية. لأن السائح يشاهد الآثار الرائعة في الصباح ويبقي في الفندق بعد الظهر. نريد توفير مطاعم ومقاه وأماكن للترفيه. في الوقت الحالي لدينا تصور بالنسبة لإسنا بسبب وجود آثار والعائمات تقف عندها. ولدينا مشروعات تخص الأقصر سلمناها لهيئة الاستثمار التي أصبحت وزارة وبعضها تحتاج استثمارات ضخمة منها التليفريك والسيارة البرمائية التي تزور المعابد وتعبر النيل. هناك مشروعات وهناك مستثمرون تقدموا. أيضا سنطرح مناطق تجارية سياحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.