راين فوجل علي الرغم من حالة الشد والجذب التي سادت الأجواء السياسية بين موسكووواشنطن، وازدياد التوتر بينهما مع تبني الكرملين لهجة قوية ضد الأخيرة علي خلفية تورط أحد دبلوماسييها بالتجسس والحصول علي معلومات استخباراتية حول مفجري ماراثون بوسطن المنحدرين من شمال القوقاز الروسي، رغم تعهدات أجهزة الأمن الروسية بالتعاون مع التحقيقات الأمريكية، إلا أن روسياوالولاياتالمتحدة تحاولان احتواء الأزمة وتجنب التصعيد، والعمل سوياً للتوصل إلي وفاق بشأن الملفات المعقدة وأهمها الملف السوري، خاصة أن حرب الجواسيس بين الدب الروسي والعم سام لا تزال دائرة.. فهناك تاريخ طويل بينهما. تضاعف شكوك واشنطن في دوافع منفذي تفجيرات بوسطن بعد عدم تعاون موسكو معها
قبل أيام، أعلن مسؤولون بدوائر مكافحة التجسس التابعة لهيئة الأمن الفيدرالية الروسية عن إلقاء القبض علي "راين فوجل" أحد رجال وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "CIA" لدي محاولته تجنيد موظف في الأمن الروسي ومحاولة الحصول علي معلومات استخباراتية حول مفجري ماراثون بوسطن المنحدرين من شمال القوقاز الروسي، رغم تعهدات أجهزة الأمن الروسية بالتعاون مع التحقيقات الأمريكية. وجاء اعتقال فوجل، الذي يعمل سرا تحت غطاء وظيفته سكرتيرا ثالثا في السفارة الأمريكية في موسكو، ليطرح علامات استفهام واختلف الخبراء علي تحليل الموقف الروسي والأمريكي، فمنهم من رأي أن شكوك واشنطن تضاعفت في دوافع منفذي التفجيرين واحتمال وجود جهة قد تكون شجعتهما علي ارتكاب عمليات بوسطن، خاصة في أسباب عدم تعاون موسكو مع التحقيق الأمريكي. وحتي لو لم يكن المحققون يرتابون في دور روسي ما إلا أنهم باتوا متأكدين أن هناك سرا يحاول الروس إخفاءه، لذلك قد اضطر المحققون الأمريكيون للبحث في ملفات أخري لا تتعلق بالضرورة بالإرهاب مباشرة وإنما بأنشطة استخباراتية متبادلة. فرغم تكتم البلدين علي التفاصيل وسعيهما إلي الحد من انعكاسات الفضيحة إلا أن خبراء مكافحة الإرهاب حاولوا تفسير الأمر علي أن العميل الأمريكي كان علي الأرجح يحاول جمع معلومات عن الأخوين تيمورلنك وجوهر تسارناييف المتهمين بتفجيري ماراثون بوسطن في أبريل الماضي. ومن المعروف أن بعد مقتل أحد الأخوين تيمورلنك، طلبت مصادر أمنية أمريكية المزيد من المعلومات عن "تسارناييف" إلا أن موسكو لم تستجب. لذلك زار وفد أمني أمريكي داغستان حيث توجد عائلته للتدقيق فيما إذا كان أحد المتهمين أقام علاقة مع جماعة إسلامية محلية. وبحسب صحيفة "كومرسانت" الروسية فإن الأمريكيين حصلوا في داغستان علي أرقام هواتف لعملاء في جهاز الأمن الروسي يعتقد أنهم كما يقول خبراء مكافحة الإرهاب علي علاقة بملف تيمورلنك تسارناييف. ورغم تحول القضية الآن إلي فضيحة تجسس إلا أن من شأنها أن تضاعف شكوك واشنطن في دوافع منفذي التفجيرين واحتمال وجود جهة قد تكون شجعتهما علي ارتكاب عمليات بوسطن، خاصة في أسباب عدم تعاون موسكو مع التحقيق الأمريكي. جاء اعتقال فوجل بعد أسبوع من زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلي موسكو، وبدا أنه سيتوصل إلي إنجاز دبلوماسي كبير مع مبادرة أمريكية- روسية تسعي إلي إنهاء الأزمة السورية بالجلوس إلي طاولة المفاوضات، مما جعل وصفه بعض المحللين بالفرصة الجيدة من أجل إنهاء الحرب الباردة بينهم وتصفية الخلافات خاصة أن بوتين، اتهم البيت الأبيض بتأجيج التظاهرات ضده ووصف الانتخابات التي أعادته إلي الكرملين مجدداً عام 2011 بغير النزيهة. بينما يري آخرون أن عملية الاعتقال هذه أعادت إلي الأذهان ذكريات الحرب الباردة، وبحسب الخبراء السياسيين فإن هذه ليست حادثة بل إنها فخ أعدته أجهزة الاستخبارات الروسية، لإيقاع العميل الأمريكي ومحاولة استخدامه بعد ذلك كورقة ضغط لتحقيق أي مصلحة في المستقبل القريب خاصة فيما يتعلق بالملف السوري. يقول بول بيلر، محلل في برنامج الدراسات الأمنية في "جورج تاون" إن ما فعله الروس مجرد محاولة منهم ليؤكدوا للرئيس السوري بشار الأسد أنهم أقوياء ولديهم ما يمكن أن يستخدموه لإذلال الولاياتالمتحدة وأنهم لن يدعموا الموقف الأمريكي ويضحوا به. فالعلاقات الأمريكية الروسية تتأرجح بين المصالح الاستراتيجية وسباق النفوذ علي العالم بمتغيراته التي طرأت خلال العامين الماضيين، من أجل تحقيق وضمان مصالحهما السياسية والاقتصادية والاستراتيجية في البلدان العربية خاصة وبلدان العالم عامة. ويري آخرون أن أجهزة الأمن الفيدرالية تسعي إلي الانتقام من حادثة عام 2010 عندما تم إلقاء القبض علي 10 عملاء روس في الولاياتالمتحدة، وأطلق سراحهم مقابل إفراج روسيا عن أربعة سجناء روس اتهموا بالتجسس لمصلحة الإدارة الأمريكية. ولم تكن هذه العملية الوحيدة للإيقاع بالجواسيس وتبادلهم، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعرف جيداً مناورة الإيقاع بالجاسوس في موسكو لأنه عمل في شبابه ضابط استخبارات خلال "حرب الجواسيس" في ثمانينيات القرن الماضي، عندما واجهت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جهاز الاستخبارات السوفيتي"KGB" في لعبة "الجاسوس مقابل الجاسوس"، التي ضمت الكثير من العملاء المزدوجين وافتضح أمر ما يقرب من 10 جواسيس أمريكيين داخل جهاز الاستخبارات والأمن السوفيتي، مثل ألدريتش آميز، ضابط مخابرات سابق في "CIA"اعتقل عام 1994 بعد أدانته بالتجسس لصالح روسيا، وأفضت عمليات التجسس التي قام بها آميز لصالح الاتحاد السوفيتي السابق خلال الثمانينات إلي إعدام 10 من الجواسيس الأمريكيين. ومن أخطر العملاء كان روبرت هانسن الذي وصف بأنه أسوأ كارثة استخباراتية في تاريخ أمريكا. فهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، تجسس لأكثر من عقدين لصالح أجهزة الاستخبارات الروسية ضد الولاياتالمتحدة، وتم اعتقاله في ولاية فيرجينيا عام2001. ويأتي بعدهما هارولد جيم نيكلسون، الضابط السابق في الاستخبارات الأمريكية تم إلقاء القبض عليه بتهمة التآمر لصالح حكومة أجنبية وغسل أموال، هذا بجانب الحنث بقسم حماية الأمن القومي الأمريكي. وفي عام 1977 أصدر قاض اتحادي في فرجينيا حكما بالسجن 23 عاما علي نيكلسون لإدانته بتهمة التجسس. وهناك كلام يتردد حول قيام ابن نيكلسون، ناتانيال 26 عاماً، بنقل رسائل عن أنشطة التجسس السابقة لوالده لرجال المخابرات الروسية بين عامي 2006 و2008 للحصول علي 47 ألف دولار من رجال مخابرات روس. وحكم علي ناتانيال بالخضوع خمس سنوات للمراقبة بعد أن أقر بأنه مذنب في أغسطس عام 2008. أما "إيل إدوين بيتس" فقامت زوجته بالإبلاغ عنه بعد أن ازدادت شكوكها عن عمل زوجها لصالح الاستخبارات الروسية. إدوين بيتس، الضابط السابق في الاستخبارات الأمريكية، بالفعل كان مكتب التحقيقات الفيدالي علي علم بنشاطه السري وتجسسه لصالح موسكو وبيعه معلومات هامة بين عام 1987 وحتي عام 1992 جمع خلالها أموالا طائلة، إلا انه تم القبض عليه عام 1997 وحكم عليه بالسجن لمدة 27 عاماً. وكان هناك أيضاً، بوريس يوزهين الذي قام الاتحاد السوفيتي بإرساله إلي سان فرانسسكو عام 1975 من أجل مراقبة أنشطة الطلاب التابعين للاستخبارات السوفيتية، إلا أنه بعد مرور 3سنوات تم تجنيده وعمل لصالح الولاياتالمتحدة، بعد أن قدم معلومات لمكتب التحقيقات الفيدرالي عن KGB برنامجهم في كاليفورنيا. ومن أشهر العملاء الروس الذين أوقعتهم الاستخبارات الأمريكية كانت الجاسوسة الروسية، "آنا تشابمان" 32 عاماً، التي اعتقلت مع تسعة آخرين في أمريكا بتهمة التجسس علي المهاجرين غير الشرعيين في يونيو عام 2010 وأعيدت إلي روسيا في إطار صفقة تبادل سرية هي الأكبر من نوعها منذ نهاية الحرب الباردة في يوليو من نفس العام. ومن أشهر جواسيس الخمسينات أثيل روزنبرج وزوجته جوليوس روزنبرج، أمريكيين شيوعيين، ألقي القبض عليهما عام 1953 بعد إدانتهما بالتآمر والتجسس ونقل المعلومات الهامة حول القنبلة الذرية لصالح الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية، حكم عليهما بالإعدام في العام نفسه وكانت أول عملية إعدام مدنية بتهمة التجسس في تاريخ الولاياتالمتحدة.