تسليم أوراق امتحانات الثانوية والقراءات بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    شعبة السيارات: التجار أكثر ناس تضررت من ارتفاع الأسعار..المبيعات تراجعت 90%    14 مليار دولار في طريقها إلى مصر بسبب رأس الحكمة    حزب الله اللبناني يقصف إسرائيل بالصواريخ الموجهة    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    روسيا: مصير زيلينسكي محدد سلفا بوضوح    السفير الروسي: انضمام مصر للبريكس مهم جدا للمنظمة    الدوري الإنجليزي.. تشيلسي يحول تأخره بهدفين أمام أستون فيلا لتعادل 2-2    روما × نابولي.. مواعيد مباريات اليوم الأحد 28- 4- 2024 في الدوري الإيطالي    عاجل| مفاجأة كبرى في أزمة حسام حسن وصلاح.. والده رفض الصلح    غدا.. محاكمة عاطل متهم بإنهاء حياة عامل في الحوامدية    مصرع شاب صدمه قطار أثناء عبوره مزلقان بقليوب    رحلة صد رد للإسكندرية.. السكة الحديد تطلق قطارًا للاحتفال بشم النسيم    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل عن 65 عاما    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الأحد 28 إبريل 2024 بالصاغة    فكري صالح: الزمالك قادر على تخطي دريمز والتأهل لنهائي الكونفدرالية    أمطار رعدية على هذه المناطق.. بيان عاجل من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم (لا تنخدعوا)    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    حسام البدري: أنا أفضل من كولر وموسيماني.. ولم أحصل على فرصتي مع منتخب مصر    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    بعد التراجع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 28 أبريل 2024 بالأسواق    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    لأول مرة بالمهرجانات المصرية.. "الإسكندرية للفيلم القصير" يعرض أفلام سينما المكفوفين    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    ملف يلا كورة.. أزمة صلاح وكلوب.. رسالة محمد عبدالمنعم.. واستبعاد شيكابالا    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    العالم الهولندي يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة ويكشف عن مكانه    حزب الله يعلن استهداف إسرائيل بمسيرات انقضاضية وصواريخ موجهة ردا على قصف منازل مدنية    الإثنين.. وزير الخارجية الأمريكي يزور السعودية لمناقشة وقف إطلاق النار بغزة    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    أول تعليق من الأزهر على جريمة طفل شبرا    «مينفعش نكون بنستورد لحوم ونصدر!».. شعبة القصابين تطالب بوقف التصدير للدول العربية    وفاة الفنان العراقي عامر جهاد    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    «الأزهر للفتاوى الإلكترونية»: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة حرام    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    ضبط وتحرير 10 محاضر تموينية خلال حملات مكبرة بالعريش    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    رئيس جامعة أسيوط يشارك اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم    شرايين الحياة إلى سيناء    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دار الإفتاء.. تفتح صفحة جديدة
نشر في آخر ساعة يوم 19 - 02 - 2013

تدخل دار الإفتاء مرحلة جديدة من تاريخها الطويل مع اختيار المفتي الجديد بطريقة الانتخاب ليكون الشيخ شوقي عبدالكريم علام أول مفت منتخب في تاريخ المؤسسة الدينية الرسمية، التي تمتد بتاريخها إلي بدايات الإسلام لارتباط الإفتاء بحاجات المسلمين اليومية.
وتفتح (آخر ساعة) في هذا الملف تاريخ تلك المؤسسة العريقة وأبرز الفتاوي التي خرجت من هذه المؤسسة، فضلا عن طريقة انتخاب أول مرجعية دينية في مصر وأهم مواقف المفتي السابق علي جمعة.
مهنة من عمر الإسلام
يعد الإفتاء والفتيا من أخص المهن المرتبطة بالإسلام ففي ظلاله ظهرت وطوال تاريخه استمرت، فالفتوي ترتبط بالمسلمين أينما كانوا، فطالما ظهرت لهم حاجات متجددة تولد قضايا وأسئلة دينية تستوجب نظرة جديدة في الدين لاستنباط ما يتوافق مع مستجدات الحياة، لذلك تعد وظيفة المفتي الأكثر التصاقا بالمواطن البسيط وطبيعة حياته اليومية.
والإفتاء وظيفة جليلة القدر ارتبطت في الإسلام بالقضاء فكانا صنوين لا يفترقان منذ عهد رسول الله([)، ويكفي الإفتاء قدرا أن أول من مارسها في الإسلام هو الرسول نفسه، فكان يفتي عن الله بوحيه الأمين، فكانت فتاواه "جوامع الأحكام، ومشتملة علي فصل الخطاب، وهي في وجوب اتباعها وتحكيمها والتحاكم إليها ثانية الكتاب، وليس لأحد من المسلمين العدول عنها ما وجد إليها سبيلا" كما يقول ابن قيم الجوزية.
وتاريخ الإفتاء في مصر يسبق بكثير تأسيس دار الإفتاء سنة 1895م، فالإفتاء في مصر مرتبط بدخول الإسلام سنة 641 م، ويعد الصحابي الجليل عقبة بن عامر الجهنيّ أول من مارس الإفتاء في مصر،
وعقبة هذا صاحب الحادثة المشهورة في فتح مصر، فعندما أراد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب سحب الجيش الذي تقدم لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، أرسل عقبة هذا برسالة إلي عمرو مضمونها إن كان الجيش لم يدخل أرض مصر فعليه العودة، أما إذا دخل الجيش أرض مصر فليستمر في تقدمه، واستقبل عمرو رسالة عمر وهو لم يدخل مصر بعد فاصطحب معه عقبة بن عامر، وعندما دخل العريش فتح الرسالة وقال: أين نحن؟ فقال له الأدلاء: في أرض مصر، فقال عمرو: سيروا إذن علي بركة الله، واصطحب معه عقبة الذي شارك في أحداث فتح مصر.
استقر عقبة بن عامر في مصر بعد الفتح، ووصل إلي منصب قائم مقام الوالي في الفترة الحرجة التي شهدت مقتل الخليفة عثمان بن عفان، إلا أنه عاد وتولي إمارة مصر في عهد معاوية بن أبي سفيان، وكان فضلا عن اضطلاعه بأمور السياسة من رواة الحديث فقد روي عنه أهل مصر نحو مئة حديث، يقول عنه المؤرخ ابن يونس "كان عقبة قارئا عالما بالفرائض والفقه صحيح اللسان شاعرا كاتبا وهو آخر من جمع القرآن، ورأيت مصحفه بمصر علي غير تأليف مصحف عثمان، وفي آخره كتبه عقبة بن عامر بيده".
وكان عقبة مفتي مصر في عصره فكتب التاريخ تذكر لنا أن الصحابة في مصر كانوا يستفتونه في أمور دينهم، ويكفيه أن كل المفتين المصريين من جيل التابعين تتلمذوا علي يديه.
إلا أن السبب الرئيسي في تخليد ذكراه كأول المفتين في مصر الإسلامية فكان ولا شك فتواه بأن مصر فتحت صلحا وهي الفتوي التي علي أساسها تمت معاملة المصريين، والطريف أن قبر عقبة لا يزال موجودا في القرافة بسفح المقطم، وهو القبر الوحيد لصحابي من صحابة رسول الله ([) المدفونين في مصر، الذي نعرف موضعه يقينا.
ويذهب الدكتور عماد هلال في كتابه "الإفتاء المصري" إلي أن عملية الإفتاء ظلت حتي نهاية العصر الأيوبي فرض كفاية يقوم به المتطوع ممن حصل علي إجازات من شيوخه بالإفتاء، وقد تصدر للفتوي كبار العلماء والمجتهدين في العصرين الفاطمي والأيوبي، أما في العصر المملوكي فقد ظهرت مؤسسة "دار العدل" ووظيفة مفتي دار العدل ابتدأت من عصر السلطان المملوكي بيبرس البندقداري، وكانت مهمة مفتي دار العدل "الإفتاء فيما لعله يطرأ من الأحكام بدار العدل"، وكانت هذه هي المرة الأولي في تاريخ مصر الإسلامية التي نري فيها وظيفة رسمية ثابتة للإفتاء.
إلا أن الإفتاء تعرض للإهمال في نهاية العصر المملوكي مع الضعف الذي ضرب في أركان الدولة المملوكية، ومع بداية الدولة العثمانية غابت وظيفة المفتي مجددا، لكن غياب المسمي الوظيفي لا يعني أن العلماء المصريين لم يتصدروا للفتوي، ولم يقوموا بفرض الكفاية علي أكمل وجه، فقد ظهر عدد من الفقهاء الكبار الذين وصف كل واحد منهم بأنه "المعول عليه في الفتوي في زمانه"، أو "المشار إليه بالفتوي في وقته"، فهذه الألقاب لا تشير إلي وظائف رسمية، بل تشير فقط إلي مكانة سامية في الفتوي، استهل القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي، وقد تربع علي عرش الفتوي الإمامُ شمس الدين الرملي، ويبدو أن الدولة العثمانية كانت تحاول إيجاد مناصب رسمية للفتوي يتم تعيين شاغليها من "إسلامبول".
وفي القرن التاسع عشر تصدي للإفتاء الشيخ محمد المهدي العباسي صاحب الفتاوي المهدية، حفيد المهدي العباسي الكبير، ويروي مفتي الديار المصرية الحالي الدكتور علي جمعة قصته قائلا: "كان رحمه الله تعالي نصرانيا فمن الله عليه بالإسلام علي يد الشيخ الحفني شيخ الأزهر، في ذلك الوقت، وبلغ من المكانة العلمية والمحبة في قلوب الناس الشيء الكثير حتي إنه رُشِّح شيخا للأزهر (1227ه) إلا أن محمد علي آثر بها الشيخ الشنواني ولم يتولَّ المهدي العباسي الكبير مع إجماع العلماء عليه وعلي علمه وفضله وفكره وتقواه لم يتولَّ مشيخة الأزهر وإنما رشح لها، ولكن تولي ابنه محمد أمين المهدي الإفتاء (1247ه) كما يفيد ذلك أحمد باشا تيمور في بعض كتبه.
وعندما ذهب الخديو إلي تركيا أوصاه شيخ الإسلام هناك بأبناء الشيخ المهدي العباسي الكبير خيرًا فقد كان محبوبا لدي الجميع، وحينئذ كان الشيخ محمد العباسي المهدي بن محمد أمين مازال طالبا يدرس، وكان ابن عشرين عاما - وهو حفيد المهدي العباسي الكبير- فنصبوه مفتيا للديار المصرية، ولم يستكن محمد المهدي العباسي بل إنه درس وبذل الجهد وحرر الفتاوي واستعان بكبار العلماء حوله، وأصبح مفتيا للديار المصرية في عهد إسماعيل باشا، وكانت له مواقف، وهذه المواقف لم يكن يقف فيها مع الحكومة ولم يكن يقف فيها مع المعارضة بل كان يقف فيها مع ما رآه أنه الحق، ولذلك نراه لم يقف مع الثورة العرابية باعتبارها عنده ليست مناسبة، حتي إن الخديو توفيق ظن أنه بذلك يكون واقفا مع الحكومة، فارتضاه شيخا للأزهر لفترتين بجانب منصب مفتي الديار المصرية، ويظهر له بعد ذلك أن الشيخ محمد المهدي العباسي ما هو إلا رجل مستقل لا يقف مع الحكومة ولا يقف مع المعارضة بل يقف مع دين الله سبحانه وتعالي، ولذلك فقد أعفاه من منصب شيخ الأزهر (1298ه) ولكنه ظل مفتيا حتي توفي (1315ه) رحمه الله تعالي"، أي أنه ظل مفتيا لأكثر من 50 عاما.
وتولي الشيخ حسونة النواوي شيخ الأزهر الإفتاء نيابة عن الشيخ المهدي -وليس بالأصالة- سنة 1892م، فظل في هذا الأمر لمدة سنتين، ولما مات الشيخ محمد المهدي العباسي مفتي الديار المصرية عُين مكانه الشيخ محمد عبده سنة 1899م، فاجتمع له المنصبان فأصبح مفتيا للديار المصرية وأضيف له مفتي الحقانية، وهذا التاريخ الموثق مثبت في الوقائع المصرية و في السجلات الرسمية.
وتوالي علي منصب مفتي الديار المصرية 18 مفتيا علي مدار 110 أعوام، هم بالترتيب: محمد عبده، الشيخ بكر الصدفي، ثم الشيخ محمد بخيت المطيعي، ثم الشيخ البِرديسي، ثم الشيخ عبد الرحمن قُرَّاعة، ثم الشيخ عبدالمجيد سليم الذي أصبح بعد ذلك شيخا للأزهر، ثم الشيخ حسنين محمد مخلوف وحدثت فترة بعد الشيخ مخلوف، ثم أتي الشيخ علام نصار، ثم الشيخ حسن مأمون الذي أصبح بعد ذلك شيخا للأزهر، ثم الشيح محمد هريدي، ثم الشيخ محمد خاطر، ثم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق الذي أصبح بعد ذلك شيخا للأزهر، ثم الشيخ عبد اللطيف حمزة، ثم الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي الذي أصبح بعد ذلك شيخا للأزهر، ثم الدكتور نصر فريد واصل، ثم الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الحالي، ثم الأستاذ الدكتور علي جمعة، وأخيرا الأستاذ الدكتور شوقي عبدالكريم.
أما عن مقر دار الإفتاء فقد كانت في البداية في ظل فترة إفتاء الشيخ محمد المهدي العباسي تقع في الرواق العباسي، وكانوا يقسمونه إلي 3 غرف، وبعد ذلك لما تولي الشيخ محمد عبده، وقد اجتمع له مفتي الديار المصرية ومفتي الحقانية، فأصبحت وزارة الحقانية كأنها مسئولة إداريا وماليا عن دار الإفتاء المصرية التي كانت مؤسسة مستقلة لحالها، إلا أنه ظل المفتي يُعيَّن من قبل الحاكم سواء كان السلطان أو الملك أو رئيس الجمهورية، وظلت دار الإفتاء المصرية هناك في الرواق العباسي إلي سنة 1932م، ثم انتقلت إلي شارع في الحلمية يسمي "نور الظلام" في المحكمة الشرعية العليا، والمحكمة الشرعية العليا هذه كانت هي قصر رياض باشا رئيس وزراء مصر في عهد الخديو إسماعيل؛ ظلت الدار هناك إلي أن أصيب المبني بخلل من ناحية وألغيت المحاكم الشرعية سنة 1955م من ناحية ثانية؛ فمن سنة 1932 إلي سنة 1955 ظلت دار الإفتاء المصرية موجودة في قصر رياض باشا الذي شغلته المحكمة الشرعية العليا.
ويقول الدكتور جمعة :" لما انتهت المحكمة الشرعية العليا وأغلقت أبوابها بموجب القانون 1955 فانتقلت دار الإفتاء المصرية إلي قصر عابدين، وشغلت فيه غرفة أو بعض الغرف، ثم انتقلت من قصر عابدين إلي القضاء العالي، وظلت في القضاء العالي مدة شملت الشيخ محمد هريدي وشملت أيضا بدايات الشيخ محمد خاطر، ثم منذ 1975 ودار الإفتاء مترددة ما بين قصر عابدين والقضاء العالي، ذهبت إلي ثلاث شقق في العباسية في مجمع المحاكم تبع وزارة العدل، ومما ذُكر في الجرائد ابتداء عام 1932م أن وزارة العدل تريد مبني لدار الإفتاء يكون مستقلا علي النيل في الكيت كات، وهذا الذي رأيناه بعد ذلك محكمة الجيزة التي علي ناصية شارع السودان مع شارع الكورنيش بجوار مسجد خالد بن الوليد إلا أنه لم يتم هذا المشروع كما أشير في الجرائد قديما، وحدث أنها أصبحت في العباسية".. واستقر المقام في النهاية بدار الإفتاء بجوار مشيخة الازهر بالدراسة في نفس المربع الذي بُنيت فيه مشيخة الأزهر ومكتبتها، ونفس المربع الذي بُنيت فيه نقابة الأشراف، وهو نفس المربع الذي تريد وزارة الأوقاف أن تأخذ جانبا منه وتُبني فيه أيضا، وهذا فيه إشارة إلي أن المؤسسة الدينية وحدة واحدة، وانتقل المفتي فعليا إلي المبني الجديد في سنة 1992من العباسية إلي المبني الجديد الذي شيده فضيلة الإمام الأكبر حينما كان مفتيا الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي وهو المبني الذي ما زالت دار الإفتاء تمارس مهامها منه إلي اليوم.
عبد الكريم.. أول مفت منتخب في تاريخ المؤسسة الدينية
حسمت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الجدل حول منصب مفتي الديار المصرية، خلفا للمفتي الحالي الدكتور علي جمعة، باختيارها أستاذ ورئيس قسم الفقه بجامعة الأزهر فرع طنطا، الدكتور شوقي إبراهيم عبد الكريم علام، كمرشح لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف لتولي منصب الإفتاء، علي أن يقر الرئيس المصري محمد مرسي هذا الاختيار الذي تم بالانتخاب المباشر.
ويعد عبدالكريم أول مفت منتخب في تاريخ دار الإفتاء منذ مطلع القرن العشرين، بعد تعديلات قانون الأزهر في يناير 2012 ومن المقرر أن يتولي علام المنصب عقب انتهاء ولاية الدكتور علي جمعة المفتي الحالي مطلع مارس المقبل.
واجتمعت هيئة كبار العلماء بكاملها، الأسبوع الماضي لاختيار ثلاثة من بين المرشحين ال25 الذين تنطبق عليهم معايير الاختيار والصلاحية لشغل المنصب، استنادًا إلي معايير الكفاءة العلمية الشرعية، والانتماء للمنهج الأزهري الوسطي، من خلال إجراء انتخاب سري مباشر علي المرشحين الثلاثة، وبعد الاقتراع يصبح الفائز بأعلي الأصوات هو مرشح هيئة كبار العلماء لشغل منصب "المفتي"، والذي سيعرض علي رئيس الجمهورية لإصدار قرار التعيين وفقا لأعمال اختصاصه.
وتنص بنود اللائحة الداخلية لهيئة كبار العلماء علي أن يدعو شيخ الأزهر الهيئة للانعقاد قبل موعد انتهاء مدة تولي مفتي الجمهورية بشهرين علي الأقل، لاختيار المفتي الجديد، علي أن يتم إرسال اسمه إلي رئيس الجمهورية للتصديق علي قرار تعيينه، وتشترط اللائحة علي أن يكون المفتي أزهرياً تدرج أثناء دراسته في المعاهد الأزهرية وكليات جامعة الأزهر حتي حصوله علي درجة الدكتوراه، وأن تكون له بحوث ومؤلفات رصينة في العلوم الفقهية والشرعية، ومن ضمن الشروط التي يجب توافرها لدي اختيار مفتي الجمهورية أن يكون عالمًا بأصول الفقه وأصول الشريعة الإسلامية وقواعد اللغة العربية، وأن يكون مشهوراً بالتقوي والورع، وأن يتقن لغة أجنبية، ويشترط في المفتي الجديد ألا يكون قد وُقعت عليه عقوبة جنائية أو عقوبة تأديبية، أو ارتكب جريمة مخلة بالشرف أو النزاهة، وأن يكون ملتزمًا بمنهج الأزهر الوسطي المعتدل ومناهج أهل السنة والجماعة.
وتقدم ما يقارب ال25 مرشحا من علماء جامعة الأزهر بأوراقهم لنيل منصب المفتي المصري، وعلمت "آخر ساعة" أن معظم من تقدم لنيل المنصب لهم خلفية سلفية، ما جعل هيئة كبار العلماء ترفض أوراقهم مبكرا لاشتراطها أن يكون المرشح لا انتماءات سياسية له.
الانتماء السياسي أطاح بفرص عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع المنصورة، عبدالرحمن البر، كونه أحد أعضاء مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ومعروف بلقب "مفتي الإخوان"، كما أطاحت فتوي سابقة لأستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الدكتور سعد الدين الهلالي حول تحليل الخمر بفرصه.
وحصل الدكتور عبد الكريم علي أعلي الأصوات في تصويت "كبار العلماء" تلاه كل من أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة عطية فياض، وأستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون فرحات عبد العاطي سعد أبو وطفة.
من جانبه، أكد الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، وعضو هيئة كبار العلماء ، أن ما حدث بانتخاب هيئة كبار العلماء للمفتي الجديد في مصر هو فتح جديد لنظام ينبغي أن تعتمده كل المؤسسات الدينية، لأنها عملية ديمقراطية تحدث لأول مرة، معتبرا انتخاب المفتي الجديد "عرسا ديموقراطيا".
وأشار القرضاوي، في تصريحات صحفية عقب انتخاب المفتي، إلي أن أهم صفة تم التركيز عليها في الاختيار الالتزام بالمنهج الأزهري المعتدل وأن يكون ذا خلق حسن وعلي خلق الإسلام والقرآن الكريم وأن يكون قرآني الخلق محمدي الصفات وأن يؤدي الفتوي للشعب وللناس بما يرضي الله تعالي.
وقال الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء، إنه تم بحث السيرة الذاتية لكل المرشحين، بحيث يتم اختيار أفضلهم، مضيفا أنه تم إجراء حوارات معهم للتعرف علي شخصياتهم، وأهم ما تم التركيز عليه هو الالتزام بالمنهج الأزهري المعتدل، وتوجه بالدعاء إلي الله أن يوفق المفتي الجديد لما فيه الخير.
أما عن المفتي الجديد الدكتور شوقي إبراهيم عبد الكريم علام، رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر "فرع طنطا"، فيعد أول مفت منتخب بعد تعديلات قانون الأزهر وفقًا للدستور الجديد حيث يعد علام المفتي رقم 19 في تاريخ دار الإفتاء المصرية منذ إنشاؤها عام 1895م.
وولد الدكتور شوقي علام عام 1961وحصل علي ليسانس شريعة بكلية الشريعة والقانون بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، وحصل الدكتور عبد الكريم علام علي الدكتوراه من جامعة الأزهر عام 1996 تحت إشراف الدكتور محمود نجيب حسني عبد العزيز أستاذ الفقه الجنائي الإسلامي وكانت رسالة الدكتوراه للدكتور شوقي التي ناقشها بعنوان "إيقاف سير الدعوي الجنائية وإنهاؤها بدون حكم في الفقه الإسلامي".
وتدرج عبد الكريم، وظيفيا وعلميا بكلية الشريعة والقانون بطنطا، وأعير لسلطنة عمان كرئيس قسم الفقه بكلية العلوم الشرعية، ولديه أبحاث منها دور الدولة في الزكاة، وأحكام خيار المجلس دراسة مقارنة، والولاية في عقد النكاح دراسة مقارنة، والطلاق السني والبدعي حقيقة وحكما. وللمفتي الجديد عدة مؤلفات أبرزها علي الإطلاق "الحقوق السياسية للمرأة المسلمة"، و"تحديد الجنس وتغييره بين الحظر والمشروعية" و"التفريق القضائي بين الزوجين للعلل أو العيوب" و"الحكم القضائي وأثره في رفع الخلاف الفقهي".
جمعة.. وصفه خصومه بمفتي
نظام مبارك.. وفتاواه أثارت الجدل
يعد الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية المنقضية ولايته، أحد الشخصيات المثيرة للجدل، فمن فتاوي أثارت ما أثارت من ردود فعل غاضبة إلي اتهامات بانتمائه للنظام السابق. فجمعة المولود في بني سويف في 3 مارس 1952م، عرف خلال ولايته لوظيفة مفتي الديار المصرية علي مدار عشر سنوات كاملة بإثارته للجدل ودخوله في أزمات عنيفة هنا وهناك.
منذ بداية اختيار الرئيس السابق حسني مبارك لشخص جمعة في 28 سبتمبر 2003 كمفت للديار المصرية وهو يثير الجدل فالرجل لم يدرس بالأزهر منذ صغره بل كان خريجا لجامعة مدنية هي جامعة عين شمس وتحديدا من كلية التجارة بها، وتخرج فيها عام 1973، ثم التحق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر وتخرج فيها عام1979، وحصل علي الماجستير في أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون عام1985، ثم الدكتوراه في 1988م، ليصبح أستاذا لأصول الدين بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، لكن تهمة عدم نقاء جذوره الأزهرية ظلت تهمة تطارده، حتي قيل إن سبب عدم وصول جمعة إلي منصب شيخ الأزهر في 2010 خلفا للشيخ الراحل د. محمد سيد طنطاوي كان بسبب عدم أزهريته الخالصة، رغم ترشيح نظام الحزب الوطني الحاكم، وقتها، له.
وبدأ جمعة فتاواه المثيرة للجدل بحديثه عن أن الزوجة غير مكلفة شرعا بخدمة زوجها في البيت، وعلي الزوج أن يوفر لها خادمة، وفيما رحبت جمعيات ومنظمات نسائية بالفتوي إلا أن الكثير من رجال الدين خصوصا السلفيين منهم رفضوها واعتبروها فتوي تتعارض مع القوامة التي نص عليها القرآن الكريم.
وفاجأ جمعة الجميع بفتواه التي دشنته مثيرا للجدل، عندما أكد في كتابه " الدين والحياة- الفتاوي العصرية اليومية" أن صحابة رسول الله - صلي الله عليه وسلم- كانوا يتبركون بشرب بول النبي، واستند في ذلك إلي واقعة قيام أم أيمن بشرب بول النبي، فقال لها الرسول: "هذه بطن لا تجرجر في النار"، وهو ما دفع مجمع البحوث الإسلامية برئاسة شيخ الأزهر وقتها سيد طنطاوي، إلي عقد جلسات ساخنة لمواجهة "فتوي شرب البول" ما أجبر جمعة علي سحب كتابه من الأسواق.
كما أثارت فتوي جمعة بأن من يغرق من الشباب في رحلة السفر إلي أوروبا في مراكب للبحث عن عمل ليسوا شهداء، لأنهم من الطامعين، وهو ما أثار وقتها موجة من الجدل والرفض السياسي، حتي أن جبهة علماء الأزهر أصدرت بيانا للرد علي فتوي جمعة أثبتت من خلاله أن من مات غرقا شهيد بالأدلة الشرعية.
وحصل جمعة علي لقب "مفتي مبارك" بعد أن خرج في أحد اللقاءات التلفزيونية عقب وفاة حفيد مبارك، وقال إن مبارك سيدخل الجنة، كما عارض المظاهرات في الأيام الأولي من ثورة 25 يناير 2011 بقوله إن غالبية الشعب مع الرئيس مبارك وأن الحزب الوطني حزب الأغلبية، قبل أن يعود ويؤيد الثورة، فضلا عن مهاجمته الرئيس محمد مرسي أثناء فترة الانتخابات الرئاسية وصراعه مع منافسه الفريق أحمد شفيق، عندما ألمح إلي أن شفيق أفضل عند الله من مرسي.
وشن جمعة أعنف هجوم بعد صعود نجم السلفيين وجماعة الإخوان المسلمين في كتابه "المتشددون" الذي أثار ضجة ضخمة كونه تضمن تفنيدا لجميع قواعد السلفية المعاصرة قائلا: إن "مصطلح السلفية أسيء فهمه واستخدامه واستغلاله، إذ يدعي بعض من ينتسب إلي هذا المصطلح أنه هو الوارث الوحيد للسلف، ومن ثم لا سلفي سواه، بل يصف هؤلاء علماء الأمة ودعاتها الصادقين بالمبتدعين"، مدعياً أنه لا صلة بين سلفي العصر الحالي والسلف الصالح.
ووصف جمعة، فكر السلفية ب»الصدامي المتشدد« الذي يجب علي الجميع الآن أن يقاوموه، وأن يعملوا بكل وسيلة علي إخراج أولئك من عزلتهم، لأنهم لم يعودوا ضارين لأنفسهم فقط، لكن ضررهم قد تعدي إلي من حولهم وإلي شباب الأمة ومستقبلها وإلي المجتمع بأسره"، متهما السلفيين بالكبر والعجب الذي يحتقر معه كل رأي سواه. واعتبر أن السلفية هم سبب إعاقة أي إصلاح في المجتمعات المسلمة بزعم أن كل جديد بدعة، وابتعادهم عن جوهر الموضوع واهتمامهم بالشكليات.
وعاب الرجل الثاني في المؤسسة الدينية المصرية، علي السلفية تعظيمهم غير العلماء، والحط من شأن علماء الأزهر والتهجم عليهم، مضيفا أن هؤلاء المتشددين (أي السلفية) وفكرهم عائق حقيقي لتقدم المسلمين ولتجديد خطابهم الديني وللتنمية الشاملة التي يحتاجها العالم الإسلامي عامة، ومصر خاصة، مؤكدا أن "التوجه المتعصب أصبح تربة صالحة للفكر المتطرف، وأصلا للمشرب الذي يدعو إلي تشرذم المجتمع".
وشدد جمعة في كتابه علي أنه قد آن الأوان لأن تكون هناك مقاومة لهذا الفكر الذي وصفه ب"المتنطع" ورد المفتي علي 17 مسألة من مسائل السلفية التي تمثل فكرهم وفندها، خصوصا فيما يختص بانتقاص السلفية للإمام الأشعري، والتهجم علي أتباع المذاهب الفقهية، وتهكم علي تمسكهم بالظاهر وتعبدهم بالثياب، واصفا أي رجل يرتدي جلبابا قصيرا بالمتشدد وأي امرأة ترتدي النقاب بأنها متشددة.
وهو ما فجر صراعا بين جمعة وشيوخ السلفية علي رأسهم الشيخ أبو إسحاق الحويني، الذي هاجم مفتي مصر بعنف، ما جعل جمعة يلجأ إلي القضاء لما رأي فيه من سب وقذف في حقه من قبل الحويني، وهو ما كاد يفجر أزمة عنيفة لولا أن تدخل شيخ الأزهر د. أحمد الطيب ونجح في تصفية الأجواء ظاهريا ودفع جمعة لسحب دعواه القضائية.
فتاوي غريبة أشعلت الجدل
فتاوي غريبة أشعلت الجدل .. أثارت الفتنة في المجتمع .. خاصة في الأعوام الأخيرة بسبب مايحدث في المجتمع من تظاهرات واحتجاجات فئوية في كل موقع.. وانعكست حالة الاستقطاب في المجتمع في موجة من الفتاوي العجيبة الغريبة تبرز حالة الانقسام والاستقطاب وطال الحلال والحرام كل شيء حتي الانتخابات والاستفتاءات كل حسب مصلحته والاتجاه الذي يريده.. ظهرت فتاوي أيضا تخص المرأة .. وفتاوي أخري تخص المجتمع بشكل عام بل إن هناك فتاوي وظفت لأحداث سياسية.
"آخر ساعة" ترصد في هذا التحقيق أبرز الفتاوي الغريبة التي شهدها المجتمع ثم ناقشت المختصين لمعرفة آرائهم.
شهدت السنوات الأخيرة العديد من الفتاوي الغريبة التي عملت علي إحداث البلبلة والتشويش في المجتمع.. لعل أبرزها كانت البداية من ظهور فتوي إرضاع الكبير مرورا بأحداث ثورة يناير وحتي الآن بكل مايدور في المجتمع من حراك سياسي وأحداث متعددة ومتلاحقة.
احتلت الفتاوي السياسية الجانب الأكبر خلال العام كانعكاس للحالة السياسية التي يشهدها المجتمع منذ ثورة يناير 2011 ومن الفتاوي التي أثارت الجدل في مصر مع مرحلة الانتخابات التشريعية فتوي محمود عامر القيادي بالتيار السلفي والتي حرم فيها التصويت في الانتخابات البرلمانية بشكل عام، معتبراً أن من يصوت لصالح أحد المرشحين آثم وخائن للأمانة.
وسبق لعامر إطلاق فتوي تجيز توريث الحكم لنجل الرئيس السابق، وأطلق هو نفسه فتوي إهدار دم الدكتور محمد البرادعي بدعوي شق عصا الطاعة والخروج علي الحاكم الشرعي الرئيس حسني مبارك.
بدوره أفتي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين أحمدي قاسم وكان أحد المرشحين في الفيوم، خلال لقاء انتخابي بأن الانضمام لحزب الحرية والعدالة ما هو إلا صورة من صور العبادة والتقرب إلي الله في خدمة الشعب المصري.
وفي الجهة المقابلة أفتي الشيخ ياسر برهامي وهو نائب رئيس الدعوة السلفية وأحد مرجعيات حزب النور بعدم جواز التصويت لصالح التحالف الديمقراطي من أجل مصر والذي يتزعمه حزب الحرية والعدالة في الانتخابات البرلمانية معللا ذلك بأن التحالف الديمقراطي لم يأت لنصرة الدين والشريعة وإحقاق الحق ونصرة المظلوم.
الزواج من الفلول
ومن الفتاوي الغريبة التي أثارت جدلاً واسعاً في مصر فتوي رئيس لجنة الدعوة الإسلامية في الأزهر (عمر سطوحي) بعدم جواز زواج المسلمات من فلول النظام المصري السابق ومن أي عضو من أعضاء الحزب الوطني والسبب بحسب رأيه أنهم مضيعون للأمانة، فإذا كانوا قد ضيّعوا أمانة الشعب كله وأفسدوا الحياة في مصر التي أكلوا من ترابها وعاشوا علي أرضها وشربوا من مائها واستظلوا بسمائها.. فمن السهل عليهم أن يضيعوا أمانة الأسرة والزوجة
هدم الأهرامات
وأثارت دعوة أو فتوي القيادي الجهادي الشيخ مرجان الجوهري بهدم الأهرامات وأبو الهول الكثير من الجدل وعلقت شخصات عامة حينها بأنه لا يجب أن نتناولها بالسخرية فهناك من يتأثر بالفعل لمثل هذه الدعوات وما حدث في الحديقة اليابانية بحلوان وهدم تماثيل بها خير دليل علي ذلك.. داعين لمواجهة هذا الفكر بالحجة للتصدي لمثل هذه الأفكار الهدامة المستوردة من الملا محمد عمر بأفغانستان .
مضاجعة الوداع
وشغلت فتوي جماع الوداع الجانب الأكبر من الجدل خلال العام لغرابتها أولا ثم لتوقيتها حيث يعاني الإسلام هجمة غربية شرسة تستغل مثل هذه الفتاوي للإساءة للإسلام والتهوين من أحكامه.. وجاءت هذه الفتوي من الشيخ المغربي عبد الباري الزمزمي المتخصص في فقه النوازل والذي أفتي بأنه يجوز للرجل معاشرة زوجته بعد وفاتها لمدة ست ساعات من الوفاة وهي تسمي بمضاجعة الوداع.. وهذه الفتوي أثارت جدلا بين علماء الدين والنفس والاجتماع حيث أنكرها الجميع لأن جسم الميت يختلف عن الحي وكان الرأي الغالب أن جسد الزوجة يحرم علي الزوج بمجرد موتها.. ناهيك عن الآثار النفسية السيئة التي يكون عليها الزوج عند وفاة زوجته والذي يجعل مثل هذا الأمر من قبيل المستحيل. وكذلك أفتي الزمزمي بجواز شرب الخمر للمرأة إذا كانت حاملا حتي لا تتعرض هي وطفلها للضرر.
أمهات صغيرات
ولم تختلف فتوي زواج الصغيرات عن سابقتها من حيث الغرابة وإثارة الجدل حيث أفتي سلفيون بجواز زواج البنات في سن التاسعة من العمر اقتداء بالسيدة عائشة رضي الله عنها بل وحاول البعض إدراج مثل هذا النص في مشروع الدستور المصري الجديد لكنها قوبلت برفض مجتمعي شامل ما جعل الجمعية التأسيسية تستبعد هذا النص تماما.. ورد العلماء علي هذه الفتوي الغريبة بأن هناك اعتبارات بيئية ومجتمعية حيث البيئة الآن تختلف تماما عن البيئة التي عاشت فيها السيدة عائشة.. بالإضافة إلي اختلاف نوعية الطعام والشراب وكذلك اختلاف تكوين جسد الفتاة من عصر لآخر..بجانب اختلاف علماء الدين حول السن الحقيقية التي تزوجت فيها السيدة عائشة فهناك من قال إنها كانت في حدود السادسة عشرة من عمرها أو أكثر.. وأفاد أطباء مختصون بأن هذا الوقت لا يلائم الزواج المبكر علي الإطلاق حيث تكون الأجهزة الأنثوية لم تكتمل تماما وبالتالي يشق عليها الحمل والولادة وكذلك غياب النضح اللازم لتربية الصغار.
فتاوي وقضايا
وهناك فتاوي أثارت قضايا سياسية مثل فتوي الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي والتي تبيح تناول مشروبات تحوي كميات ضئيلة من الكحول والتي أحدثت جدلاً واسعاً فيما اعتبرها البعض مثيرة للبلبلة.. وقال الشيخ القرضاوي في حينها أن: "ذلك ناتج عن عدم فهم للفتوي"، موضحاً أن ما صدر عنه كان رداً علي استفسار في خصوص مشروب للطاقة موجود في السوق والناس تريد معرفة حكم الشرع فيه، لذلك عندما سئلت وجدت نفسي مجبراً علي توضيح الصورة للمسلمين حتي لا يضيقوا علي أنفسهم بغير وجه حق".
جاءت ظهور هذه السلسلة من الفتاوي بعد فتوي إرضاع الكبير لأستاذ الحديث بجامعة الأزهر د. عزت عطية التي استنكر الجميع أن تخرج منه مثل هذه الفتوي والتي تبيح للمرأة إرضاع زميلها في العمل حتي يصبح محرما عليها وتستطيع الخلوة معه وهي آمنة.. بعدها قامت الدنيا ولم تقعد.. كذلك ظهور فتوي شرب بول الإبل للتداوي.. والتي وجد الجميع أنها مخالفة لما تستسيغه النفس البشرية.. وكذلك فتوي تحريم نوم المرأة بجوار حائط لأن الحائط مذكر وهي أنثي فبالتالي تقع الحرمانية ..ثم توالت بعدها سلسلة من الفتاوي الغريبة التي أشعلت جدلا في المجتمع وخاصة الفتاوي السياسية في السنوات الأخيرة والتي رصدناها في البداية.. ناقشنا المختصين لمعرفة آرائهم.
يوضح الدكتور عمر الديب وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن دار الإفتاء ولجنة الفتوي بالأزهر ومجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء هي الجهات المؤهلة للفتوي الصحيحة.. كما شرعها الإسلام ولابد من توعية الناس أن يتجهوا إليها حين طلب الفتوي.. أما كل من هب ودب وكل من قرأ كتابا في الشريعة الإسلامية أو الفقه الإسلامي وقام بدور الإفتاء فلا نعير له اهتماما لأنه غير متخصص وفي هذه الحالة يكون مثل المهندس الذي يكشف علي المريض وينتحل صفته بغير علم .. وفي ذلك قال الرسول([): ((من تقوّل علي فليتبوأ مقعده من النار)).. أي يقول قال الله وقال الرسول([) ولم يقل الله ولا الرسول وإنما أراد أن يبث سمومه ويلبسها بلباس الإسلام حتي تصدقه الناس والإسلام بريء من كل ذلك.. وأن هؤلاء أعد الله لهم عذابا شديدا لأنه أضل الناس وأضل أي ضل هو وأضل غيره.
ويضيف د. الديب قائلا: إن جهات الإعلام لها دور كبير في ذلك فالقنوات الفضائية من أجل أن يقول شخص ما تعطيه المقابل وربما يقول آيات من القرآن أو حديث ولايفهمه وقد يوظفه توظيفا خطأ فتسمعه العامة من الناس ولا يعرفون الغث من السمين لأنه يرتدي لباس الدين فتصدقه الناس.. وقد يتناقلون ماسمعوه قائلين: رأينا الليلة علي القناة الفضائية شيخ يقول كذا وكذا ويأخذون ما يقوله علي أنه موثوق به حتي دون أن يفهموه أو يميزوه .
وتؤكد الدكتورة ليلي قطب الأستاذة بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر الشريف أن السبب في انتشار فوضي الفتاوي هو استخدام الحريات بشكل سيئ مع أن الحرية يجب أن تكون مقيدة.. وأن الفوضي الآن أصبحت في كل شيء وليست الفتاوي فقط.. هذا بخلاف الأمية الدينية والفوضي السياسية التي أدت لاستخدام الدين في تحقيق المصالح وتطويعه لخدمة الأحداث السياسية.. ويجب علي الناس ألا تسمع لأي شخص ولا تأخذ بأي فتوي ولكن تأخذ الفتوي من الأصل الموثوق به وهو الأزهر الشريف ولا يثقون في غالبية القنوات الفضائية التي تثير البلبلة والتشويش.. بل تقاطع القنوات التي تمثل هذا النهج وتلجأ إلي إذاعة القرآن الكريم أو القنوات المعتدلة وتأخذ الفتوي من العلماء الموثوق بهم.. خاصة أن مصر بلد الأزهر الذي يحترمه العالم كله.. لأنه يعطي الفتوي لوجه الله تعالي دون أي مصالح شخصية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.