نتائج مخيبة فى تصويت الجولة الأولى لغز محير يصعب علي أعتي فقهاء السياسة فك طلاسمه ذلك الذي أوقعتنا فيه أصوات الملايين من المصريين، أسئلة يصعب الإجابة عليها، ونتائج لم تكن متوقعة وسيناريوهات كان تنفيذها ضرباً من ضروب الخيال، لكنها في النهاية إرادة الأغلبية، وأصوات الصناديق التي يجب علينا جميعاً احترامها. وصل الدكتور محمد مرسي المرشح (الاحتياطي) لجماعة الإخوان المسلمين ممثلاً لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة، مع الفريق أحمد شفيق (أخر رئيس وزراء في عهد مبارك)، وكلاهما يمثل تيارا سياسيا لا يرضي طموح أحد من ثوار مصر، فالأول لا علاقة له من قريب أو بعيد بالثورة، ولم يكن ينوي الترشح للانتخابات إلا بعد أن دفع به مجلس شوري الجماعة كمرشح احتياطي لخيرت الشاطر، أما الثاني فوقعت في عهد رئاسته لمجلس الوزراء موقعة الجمل الشهيرة التي استهدفت ثوار 25 يناير، ويمثل لدي الكثيرين أحد أبرز بقايا النظام البائد. اختفي مرشحو الثورة، وخسروا الرهان علي الشعب، البعض اعتبر خسارتهم بسبب الأخطاء التكتيكية في إدارة العملية الانتخابية، نتيجة عدم توحدهم وتفتيت أصواتهم بين أكثر من مرشح، ويري مؤيدو هذا الرأي أن إجمالي الأصوات التي حصلا عليها معاً حمدين صباحي والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح كانت كفيلة بوصول أحدهما لجولة الإعادة، وإذا أضيفت إليها أصوات باقي المرشحين الثوريين أمثال خالد علي وأبوالعز الحريري لنجح من الجولة الأولي وبلا إعادة، وهناك من يري أن الشعب المصري نفسه هو من أقصي الثوار وليس أخطائهم التكتيكية في لعبة الانتخابات، بعد أن نجحت حالة الانفلات الأمني، وتردي الوضع الاقتصادي، ونقص السلع الأساسية، وتوقف النشاط السياحي، وارتفاع معدلات المظاهرات والمطالب الفئوية التي استهدفت المصالح العامة ، في تأجيج مشاعر الكثير من المواطنين ضد الثورة، وكل من يمثلها. لم تكن البداية في انتخابات الرئاسة مثل النهاية، ولم يتوقع أحد الأسماء التي سوف تصل للإعادة، بعد أن شهدت مفاجآت عديدة، وبدا المسرح أقرب إلي حالة من الارتجال الذي يصنع أبطالاً لم يكونوا موجودين، بينما يختفي أبطال آخرون كان البعض يتوقع أن يستمروا حتي نهاية العرض. الدكتور محمد نور فرحات الفقيه الدستوري رسم لنا ملامح ما بعد جولة الإعادة، فتوقع أنه في حالة فوز أي من محمد مرسي، أو أحمد شفيق، ستكون مصر عليها أن تختار ما بين الاستبداد الديني مع الأول، أوالاستبداد العسكري مع الثاني، كما توقع أن يحدث صراع لأن هناك حالة إحباط عام في المجتمع، وأكد علي أن هذه الخيارات لم تقم من أجلها ثورة 25 يناير، واصفاً اختيار أي منهما بالاختيار المر. العهد الأعظم طلب فرحات بتوقيع ما أسماه "العهد الأعظم" حتي تزول هواجس الاستبداد التي تحيط بكلا المرشحين سواء مرشح الإخوان المسلمين أو مرشح النظام السابق أحمد شفيق، وطلب من المرشحين كتابة تعاقد للشعب المصري، يلتزم فيه باحترام مدنية الدولة، واحترام الحقوق والحريات العامة، واحترام مبدأ تداول السلطة، والالتزام بأهداف ومطالب ثورة 25يناير، وأن يقروا فيه بحق الشعب المصري في الثورة، وأن يكون عليهم إذا أخلوا ببنود هذا العقد أن يتركوا السلطة بلا رجعة. وأوضح أن هذا العهد ليس غريباً فهو موجود في الدستور الألماني، وينص علي إعطاء الشعب الحق في المقاومة في حالة انتهاك الحقوق والحريات العامة، ودعا كافة القوي السياسية أن تستكتب كلاً من المرشحين الذين سيخوضان جولة الإعادة في انتخابات رئاسة الجمهورية عهداً موقعاً عليه منهما يتضمن تلك المبادئ. وفي تفنيده لاحتمالات فوز المرشحين يري فرحات أنه في حالة فوز محمد مرسي فإننا سنكون مهددين بالإنزلاق إلي الدولة الشمولية، حيث يكون الرئيس والبرلمان والوزارة من نفس التوجه السياسي، وهذا ما كان عليه الحال في عهد الحزب الوطني المنحل، وكأننا لم نقم بثورة، أما في حالة فوز أحمد شفيق فإن ذلك يمثل عودة لأحد أبرز رموز النظام السابق إلي موقع رئاسة الجمهورية، وهو ما يهدد طموحات الجماهير بالكشف عن ملفات الفساد والانحراف التي تدين النظام السابق، ويثير شكوكاً قوية حول التوجه الديمقراطي الحقيقي لنظام الحكم، مؤكداً أن وصوله للرئاسة سيقضي علي طموحات الجماهير في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. صفقة للتوحد فيما اعتبر الدكتور محمد حبيب النائب السابق لمرشد جماعة الإخوان المسلمين وصول الفريق أحمد شفيق لجولة الإعادة أمراً كان غير متوقع بالمرة، وذلك بسبب تصريحات شفيق التي توضح أنه عدو الثورة، و تدل علي أنه استهان بدم الشهداء، ورأي القيادي الإخواني المنشق أن المجلس العسكري والأقباط والصوفيين والفلول هم من وراء تقدم شفيق في السباق الرئاسي. وأكد حبيب أن مرسي دخل جولة الإعادة ليس لشخصه وإنما بسبب تنظيم جماعة الإخوان وقوتها وأنه لو كان هناك أي مرشح آخر ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين لبقيت النتيجة كما هي، وأشار القيادي الإخواني المنفصل إلي ضرورة أن تجتمع الجماعة مع القوي السياسية والاتفاق علي أن يكون هناك نائبان من خارج الجماعة، وتشكيل حكومة وطنية بقيادة رموز وطنية ليس لها علاقة بالإخوان، تشكيل التأسيسية من خارج البرلمان، وذلك كصفقة من أجل التوحد لدعم مرسي ضد شفيق. في المقابل يري الدكتور حازم حسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن العامة ينظرون لشفيق علي أنه من الشعب المصري، ويمثل فكرة الدولة المصرية القوية التي تنهار الآن، وتحتاج لمن ينقذها، وكذلك ارتباط الفريق أحمد شفيق بالخلفية العسكرية وبالجيش المصري الذي له مكانة خاصة عند المصريين، الذين يرفضون أي صدام معه، وكذلك يغفرون له أي أخطاء، كما حدث ذلك في هزيمة 1967 مشيراً إلي أن من أسباب صعود شفيق أيضاً خوف المصريين من استمرار تدهور الحالة الأمنية والوضع الاقتصادي الذي يراه العامة من المصريين يحتاج رجلاً ذا خلفية عسكرية حازمة لإعادته مرة أخري في أسرع وقت، ما دفعهم لاختيار شفيق، كما يتمتع شفيق بالقبول الشخصي مقارنة ببعض المرشحين المتعجرفين، حيث أسلوبه المهذب. وأشار حسني إلي أن سياسة شفيق الدعائية اعتمدت علي مخاطبة التكتلات الشعبية والعائلية وليس مخاطبة المواطن، ومنها عائلات الصعيد والجماعات الصوفية والعائلات المحافظة في القطاع الريفي، وهو أسلوب يعتمد علي العمق المجتمعي وليس عمق الأشخاص، وأكد حسني أن شفيق استفاد بشكل كبير، من رصيد كل من عمرو موسي والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، خاصة بعد المناظرة الشهيرة التي جرت بينهما، والتي ظهر فيها أبوالفتوح ممثلاً لعدد كبير من التيارات الليبرالية والإسلامية والثورية، وهو ما رآه المجتمع عدم وضوح في شخصية أبوالفتوح. عودة مبارك الدكتور عصام دربالة القيادي بالجماعة الإسلامية أكد أن وصول أحمد شفيق لكرسي الرئاسة يعني استعادة نظام الرئيس السابق مبارك، وذلك ليس في مصلحة مصر، مؤكداً أنه في ظل وجود شفيق لن تصل مصر إلي الاستقرار والتقدم المنشود لأنه يتبع في طريقته وإدارته نفس نهج النظام السابق، موضحاً أن شفيق نفسه أشار إلي ذلك كثيراً في فترة دعايته الانتخابية، فضلاً عن أن شفيق محل رفض من كافة القوي السياسية، الإسلامية والليبرالية واليسارية والحركات الاحتجاجية الثورية، ولذلك فمستقبل مصر مع شفيق سيكون الأسوأ. وأكد أن الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان، ستكون أمامه فرصة في إيجاد دفعه للأمام والتقدم والنهضة، إلا أن هناك شرطاً هاماً لتحقيق ذلك وهو أن جماعة الإخوان المسلمين عليها أن تقدم رؤية جامعة لأبناء الوطن جميعاً لكي تحقق الاستقرار والنهضة في مصر، وذلك يجب أن يظهر في مرحلة الدعاية الانتخابية لمرحلة الإعادة لتوضح خلالها رؤيتها للمرحلة القادمة لتتشاور مع جميع القوي السياسية والاتجاهات الأخري وعدم إهمالها، واصفاً مسقبل مصر مع مرسي بأنه الأفضل، وقال إن استراتيجية التوافق يجب أن تكون لدي الجميع خلال الأربع سنوات القادمة سواء الإخوان أو السلفيين وغيرهم من القوي السياسية المختلفة، مشدداً علي أن الثورة المضادة لا يجب أن تنجح. بينما يري حسين عبد الرازق القيادي بحزب التجمع، أنه في حال فوز الدكتور محمد مرسي بانتخابات رئاسة الجمهورية ستكون الحلقة بذلك اكتملت وهيمن حزب واحد وهو حزب الحرية والعدالة علي مؤسسة الرئاسة ومجلسي الشعب والشوري والحكومة، وذلك سيؤثر بالسلب علي اختيار اللجنة التأسيسية وعلي الدستور الجديد للبلاد، وبالتالي تدخل مصر في حقبة تبعد كثيراً عن شعارات الثورة، وهي تأسيس دولة مدنية ديمقراطية حديثة وتسير في اتجاه الدولة الدينية. وتوقع عبد الرازق أن يحدث صراع خلال السنوات الأربعة القادمة في حالة فوز مرسي بين القوي التي تريد دولة مدنية حديثة والقوي المهيمنة علي مؤسسات الدولة وتريد دولة دينية، مضيفاً أنه إذا تم صياغة الدستور بمنطق الأغلبية وليس التوافق فإن ذلك سيتطلب ثورة جديدة لإسقاط الدستور الجديد الذي سيضعه الإخوان، حيث سنكون أمام نفس مشكلة دستور 1971 الذي أسقطته الثورة. وعن حالة الدولة في حالة فوز شفيق، يري عبد الرازق أنه في هذه الحالة ستشهد مصر صراعاً بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة التشريعية التي يسيطر عليها حزب الحرية والعدالة، وذلك سيعيد إنتاج الصراع بين جماعة الإخوان المسلمين والحزب الوطني بشكل جديد، وسيكون صراع بين حزب الحرية والعدالة المهيمن علي المؤسسة التشريعية وبين بقايا النظام القديم المهيمن علي مؤسسة الرئاسة، وسيمتد إلي الصراع علي الحكومة.
مخيبة للآمال الدكتور خالد سعيد المتحدث الإعلامي باسم الجبهة السلفية، اعتبر النتائج النهائية التي ظهرت للجولة الأولي لانتخابات الرئاسة جاءت مخيبة للآمال، بسبب صعود الفريق أحمد شفيق، مشيراً إلي أن السبب في ذلك هو تفرقة التيار الإسلامي والقوي الوطنية، لافتاً إلي أن هناك عدداً كبيراً من الأصوات تفتت بين كل من الدكتور محمد مرسي، والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح. وقال سعيد: "لسنا في حالة تنازع بين الإسلاميين والليبراليين، إننا في حالة نزاع بين القوي الشعبية وقوي النظام السابق، والتوصيف الخاطئ للحالة الماضية علي أن هناك نزاعاً بين الإسلاميين والليبراليين استفاد منه الفريق أحمد شفيق". من جانبه قال الدكتور عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، إن مستقبل مصر مع الدكتور محمد مرسي، سيشهد حالة من عدم الاستقرار قصير المدي، أما مع أحمد شفيق في حال فوزه فإن البلاد ستشهد حالة عدم استقرار مستمرة، واصفاً فوز شفيق كأنه لم تقم ثورة من الأساس، مؤكداً أن مصر مع شفيق أو مرسي ستشهد صراعات مختلفة خاصة حول الجمعية التأسيسية وتشكيلها وحول صياغة الدستور، والتعاون مع مؤسسة الرئاسة، بالإضافة إلي كيفية حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. فيما اعتبر طارق الملط المتحدث الرسمي لحزب الوسط المعركة الحالية تدور بين الثورة ومؤيديها وبين الفلول والنظام السابق وأعوانه، مشدداً علي أنه ليس مع المطالبات الحالية بمقاطعة الانتخابات بعد تصدر الدكتور محمد مرسي ممثل الإخوان والفريق أحمد شفيق، وأنه مع ضرورة اختيار الدكتور مرسي في الرئاسة لأن الإخوان شركاء في الثورة، قائلاً: "في النهاية مهما كان الاختلاف السياسي مع الإخوان إلا أنهم شركاؤنا في الثورة".