بعد أن فقدت مصر عرضا ميسرا وبشروط وردية قليلة للإصلاح وبفائدة منخفضة بلغت 51٪ في يونيو 1102 عادت مصر مرغمة لأحضان صندوق النقد الدولي ، ولكن هذه المرة بشروط وعراقيل كثيرة ومجحفة وربما تزيد فيها نسبة الفائدة.. وذلك تحت وطأة حالة الاقتصاد المصري التي يرثي لها، والذي جعل الاقتراض بقيمة 3.2 مليار دولار بضرورة ملحة لتهدئة المخاوف بشأن مشكلات مصر الاقتصادية المتصاعدة وخاصة في ظل تدني الاحتياطي النقدي لمصر شهرا بعد شهر وتعدي الخطوط الحمراء بعد أن فقد02 مليار دولار في وقت قصير.. وفي الوقت الذي يؤكد فيه الجميع أن مصر في حاجة إلي 51 مليار دولار للتغلب علي أزمتها الاقتصادية! وبجانب شروط إصلاحات صندوق النقد الدولي للاقتصاد المصري مثل ترشيد الطاقة وتخفيض حجم المصروفات الحكومية ،وتحسين التحصيل الضريبي والمتأخرات الضريبية .. طالب صندوق النقد الحكومة المصرية بتخفيض قيمة الجنيه بحوالي 02٪ من قيمته الحالية بدعوي أن هناك تماسكا غير حقيقي للجنيه بسبب استمرار الحكومة في دعمه من خلال ضخ سيولة دولارية من الاحتياطي النقدي الأجنبي، ولكن الحكومة رفضت طلب الصندوق بتخفيض العملة المحلية.. حيث أكد البنك المركزي أنه سيستمر في دعم الجنيه مقابل الدولار، لأن ذلك من شأنه رفع الدولار إلي 01جنيهات مقارنة ب03.6 جنيه في الوقت الحالي. ورغم علم الإخوان بصعوبة الأوضاع التي يعاني منها الاقتصاد المصري ،وحاجته الملحة للاقتراض الخارجي بعد فقده أكثر من 02 مليار دولار من الاحتياطي النقدي الأجنبي، إلا إنهم يضعون العراقيل أمام حصول الحكومة علي القروض الخارجية من المؤسسات الدولية.. حيث تم الأسبوع الماضي تأجيل تنفيذ قرض الصندوق بسبب التضارب بين الحكومة والبرلمان وبالتحديد حزب الحرية والعدالة المنبثق من جماعة الإخوان المسلمين الذي يسيطر علي نصف مقاعد المجلس حاليا ويحاول الهيمنة علي أمور البلاد. لقد عادت مصر إلي مائدة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول علي قرض يبلغ 3.2 مليارات دولار في محاولة لتخفيف الأزمة الاقتصادية التي تمسك بخناق البلد وتهدد باندلاع المزيد من الاضطرابات وكانت التوقعات الاقتصادية في مصر قد تراجعت خلال الأشهر السبعة الماضية منذ رفض الحكومة المصرية عرض صندوق النقد الدولي في يونيه الماضي نتيجة للمخاوف العامة من أن شروط الصندوق لتقديم القرض قد تشكل مساسا بالسيادة المصرية. ولكن هذا القرار تم الرجوع عنه فيما بعد لأنه لم توجد وسيلة أخري لتمويل العجز في الميزانية في مصر وتعويض تناقص الاحتياطي الخارجي لدي مصر. ولكن بعض المحللين يؤكدون إن مصر ربما تكون قد فقدت فرصتها لتحقيق العرض الأصلي من صندوق النقد الدولي الذي كان يتضمن شروطا قليلة للإصلاح وفائدة منخفضة تبلغ حوالي 5.1٪. ويقول المسئولون في الحكومة المصرية إن الحالة الصعبة للاقتصاد المصري جعلت قبول القرض ضرورة حتي لو كان يتضمن طلب الصندوق إجراء إصلاح اقتصادي.. وكانت السياحة والاستثمارات الخارجية قد تلقتا ضربة كبيرة خلال العام الماضي وأدي نقص العملات الأجنبية إلي الضغط علي ميزان المدفوعات المصري مما دفع البنك المركزي المصري إلي التضحية بجانب كبير من احتياطيات العملة الأجنبية لدعم الجنيه المصري وانخفضت احتياطيات العملة الأجنبية إلي حوالي 51 مليار دولار بحيث لم يصبح لدي البلد سوي ما يكفي لتغطية قيمة الواردات لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر. وارتفعت في نفس الوقت تكاليف الاقتراض الداخلي بحيث وصلت أسعار فائدة السندات التي مدتها 7 سنوات إلي 61٪ وبالتالي فإن قبول قرض الصندوق سيملأ فجوة العجز في الميزانية ويعكس مسار تراجع الثقة من جانب المستثمرين والمقرضين وهي الثقة التي تراجعت في جانب منها نتيجة لرفض الحكومة العرض السابق من البنك بالقرض. ونقلت وول ستريت جورنال عن د.جودة عبدالخالق وزير التموين والتجارة الداخلية انه كان يعارض القرض الأول من الصندوق في الماضي لكنه غير رأيه نتيجة تراجع الظروف الاقتصادية وقال أنه واثق من عودة السياحة والاستثمارات الخارجية خلال العام الحالي مما سيمنع تخفيض قيمة الجنيه المصري الذي قد يؤدي إلي زيادة كبيرة في التضخم وقال إن قرار الحكومة المصرية بإجراء خفض في الميزانية بنسبة 3٪ تقريبا سوف يسهل عملية التفاوض مع الصندوق وأن الحكومة تنوي تطبيق إجراءات تقشف . لقد فقدت مصر بالفعل فرصتها لتأمين العرض الأصلي للصندوق والذي رافقه عدد قليل من الشروط التي تتطلب الإصلاحات وبمعدل فائدة مناسب بحوالي 5.1٪ وأرجعوا ذلك للحالة الاقتصادية التي أصبحت من سيئ لأسوأ. . وكانت الحكومة مؤخرا قد بدأت في إجراء بعض المعايير التي تضمن موافقة صندوق النقد الدولي علي إقراض مصر ومنها مراجعة بعض التعريفات الجمركية وإضافة ضريبة علي التبغ والسجائر وإلغاء دعم الطاقة علي الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة والتزام المستوي المستهدف من عجز الموازنة وهو 6.8٪ من الناتج الإجمالي أي حوالي 341 مليار جنيه. في الوقت نفسه أكد المتحدث باسم صندوق النقد (جيري رايس) إنه ليس لديه إطار زمني محدد لإتمام المحادثات مع مصر بشأن برنامج إقراض. مؤكداً أن أي اتفاق للتمويل يجب أن يحظي بدعم واسع من جميع الأحزاب السياسية في البلد، ويحتاج الاتفاق إلي دعم حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، والذي يسيطر علي نحو نصف مقاعد البرلمان..في حين قد كشفت فايزة أبو النجا وزير التعاون الدولي أن الحكومة اتفقت مع الصندوق علي توقيع اتفاق نوايا بشأن القرض في يونيو المقبل. كما حذر د. ممتاز السعيد، وزير المالية، من استمرار المظاهرات والمطالب والشعارات الرافضة للقرض، مما قد يسهم في تأجيل الحصول علي القرض من جانب الصندوق إلي ديسمبر المقبل، معرباً عن أمله في اتخاذ قرار بشأنه قبل منتصف مايو علي أن يتم توقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي بخصوص القرض قبل نهاية أبريل الجاري. وقالت د. أمنية حلمي، أستاذة الاقتصاد بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية إن هناك تضارباً بين الحكومة والبرلمان حول إتمام قرض الصندوق وهو ما يعطي مؤشرات حول الاتجاه لتأجيل إتمام الاتفاق..وأن البدائل المطروحة غير عملية واقعيا، حيث إن مصادر التمويل الأخري المتاحة تواجه عقبات، كما أن طرح سندات وأذون خزانة يساهم في تغطية عجز الموازنة، لكنها تؤدي إلي زيادة أعباء خدمة الدين التي تستحوذ علي نحو ثلث الموازنة العامة حاليا، خاصة مع ارتفاع سعر الفائدة عليها إلي نحو 61٪.