رغم عدم ظهوره الإعلامي إلا أنه يظل أهم أبطال ثورة 25 يناير فما فعله ذلك الشاب أظهر المعدن الأصيل للشباب المصري الطاهر الذي قام بثورته ومازال مستمرا فيها حتي يقتلع الفساد من جذوره إننا نتحدث عن الشاب الذي وقف أمام مدرعة الشرطة في يوم 25 يناير الماضي ليوقفها عن دهس وتفريق زملائه الذين خرجوا بحثا عن الحرية.. ولكن هناك شخصاً وثق لهذا الحدث وهو الصحفي مصطفي فتحي رئيس تحرير الموقع الإخباري لراديو كلمتنا ولولا الكاميرا الخاصة به ماشاهدنا هذا المشهد الذي ساهم بشكل كبير في إسقاط النظام وهو ماجعله يوثق هذا الفيديو في كتاب »أهلا بالمدرعة«. ويقول مصطفي فتحي: هذا المشهد لايعبر عن ثورة 25 يناير بقدر مايعبر عن الشخصية المصرية حتي تقرر الثأر من الذي ظلمها وأهانها ولكني وجدت صعوبة في الوصول إلي هذا الشاب والذي كان رافضا للظهور وقطعت رحلة طويلة بحثا عن البطل الحقيقي وبدأت الرحلة حينما كتبت مقالا علي موقع حريتنا أحكي فيه تجربتي مع الفيديو وأعلنت أنني أبحث عن ذلك الشاب ومستعد لأن أهديه الكاميرا التي صورته بها وجاءني العديد من الشباب وقالولي لي إنهم ذلك الشاب ولكني لم أصدقهم لأني شاهدت هذا البطل بعيني وروحي كما أن ملامحه محفورة في ذاكرتي ولن أنساها علي الإطلاق. حتي استطعت التوصل إليه بمساعدة أحد معدي قناة الجزيرة والذي قال لي إنه يعرف هذا الشاب ولكنه يرفض الظهور ولكني لم أصدقه حتي أرسل لي لينك في رسالة علي الفيس بوك وقال لي هذا هو البروفايل الخاص به وعندما نظرت إليه جيدا عرفته جيدا وحينها طرت من السعادة وأرسلت له رسالة وقلت له إنني من قمت بتصوير الفيديو وكان أول رد له أن طالبني بأن أعده أن تظل شخصيته سرا وعدم ظهورها إعلاميا وهو مازاد من احترامي له. وبعدها التقي مصطفي فتحي بذلك الشاب وحكي له تجربته مع المدرعة والتي بدأها بأن قرار نزوله إلي ميدان التحرير في يوم 25 يناير اتخذه عندما دعت صفحة كلنا خالد سعيد علي الفيس بوك المصريين للنزول إلي الشوارع والميادين لرفض القهر والظلم والفساد ويعيش الشاب في منطقة مصر الجديدة ويمتلك سيارة ويعيش في مستوي اجتماعي جيد وليس من أسباب نزوله معاناته بالفقر ولكنه كان يشعر بكل فقير وبكل إنسان يعاني. وأضاف أن صفحة كلنا خالد سعيد علي الفيس بوك أعلنت عن نقاط الالتقاء وكانت أقرب نقطة للمنطقة التي أعيش بها هي المطرية وتوجهت بسيارتي إلي هناك ولكني لم أجد أي تظاهرات فقررت التوجه إلي ميدان التحرير.. ويكمل: في صباح هذا اليوم ليس من عادتي مشاهدة الأفلام في الصبح ولكن في هذا اليوم تحديدا قررت مشاهدة فيلم أمريكي شهير وهو" في فولا فنديتا" وهو فيلم مفضل بالنسبة لي ودائما أتساءل كيف وافقت الرقابة المصرية علي دخول هذا الفيلم إلي مصر؟ فالفيلم ببساطة يحرض المصريين علي خلع مبارك ونظامه. وتابع: ولكني لم أكمل الفيلم وأوقفته في منتصفه وكانت الساعة الواحدة ظهرا وقررت النزول وأثناء نزولي كنت أحلم بأن أحتفل بعيد ميلادي القادم دون أن يكون مبارك هوالرئيس كما أن دراستي للهندسة في إحدي الجامعات المصرية جعلتني أتعلم التركيز في التفاصيل وتفاصيل مصر تدعو إلي للحزن فهذا البلد أصبح عجوزا حزينا يتألم ولايضمد جراحه أحد. هذا الشاب كان لديه نفس مشاكل أغلب الشباب في مصر لايسمعه أي مسئول في هذا البلد لا أحد يعطيه الفرصة للتعبير وتحقيق الذات ولا أحد يصدق أنه وجيله قادر علي إحداث تغيير في المجتمع لكن هناك دائما شيئاً ما يقف أمام أحلامه ويعطلها ويمنعها من التقدم لأن تصبح حقيقة وكان لابد أن يواجه هذا الشيء وإلا لن يتخطاه أبدا. ويكمل الشاب حكايته مع المدرعة قائلا: بعد أن وصلت إلي شارع قصر العيني أخذت أبحث عن مكان مناسب لأركن به سيارتي وعن يميني ويساري تقف عربات الأمن المركزي الضخمة وكأنها تقول لي: أين أنت ذاهب وماذا تعتقد أنك فاعل؟ لكني لم أعطها أي اهتمام وهنا ظهر في شارع قصر العيني مئات الشباب قادمين من ناحية ميدان التحرير يقتربون من مقر مجلس الوزراء وأعلنت التحدي. وتابع: هنا ظهرت مدرعة في الأفق تدفع المياه القوية من خرطوم ضخم أمامها لتفرقها وحين اقتربت المدرعة قررت إيقاف تقدمها لوهلة أصابت الجميع بالصدمة سواء من الأمن المركزي أو من الشباب المحتجين أنفسهم وسمعت صوتا يصرخ من بعيد "راجل.. راجل" "جدع.. جدع". وأضاف "طأنا ماكنتش رايح أقف قدام المدرعة ولكني كنت رايح أوقف المدرعة وكنت أعرف أنني ألقي بنفسي إلي التهلكة فتلك المدرعة قادرة علي سحقي ووقوفي أمام المدرعة أعاد للشباب المحتج شعوره بالقوة مجددا بعضهم كان خائفا علي وسمعتهم يصرخون ابعد عن هنا وبعضهم تشجع وجاء بجانبي بينما حمل البعض الآخر بعض الأحجار وأخذ يقذفها علي رجال الأمن المركزي وهو الأمر الذي لم يعجبني قط وظهر شخص ما جذبني من ذراعي وسحبني بعيدا عن المدرعة طالبا مني أن أحتمي وراء الشجرة من بطش الشرطة. ويحكي مصطفي فتحي قصته مع هذا الفيديو والذي بدأ بنزوله إلي ميدان التحرير يوم 25 يناير حيث قام بالتقاط العديد من الصور والفيديوها حتي إن اقتربت البطارية الخاصة بالكاميرا علي الانتهاء فقرر الذهاب إلي مقر عمله براديو حريتنا بشارع قصر العيني لكي يعيد شحنها والنزول مرة أخري . وقال كنت أرغب في أن يعلم الجميع أن الثورة بدأت حتي لو كان ذلك بأعداد بشرية قليلة وبعد أن نشرت خبرا مرفقا بالفيديو جاء أحد الزملاء من ميدان التحرير وكان معه أخبار سارة وهو أن أعداد المتظاهرين تتزايد بشكل كبير بميدان التحرير فأمسكت كاميرا من دولاب راديو حريتنا وذهبت ناحية النافذة وكنت أسمع الأصوات عالية فتصورت أنني سأستطيع من هذا المكان أن التقط فيديوهات عامة ننشرها سريعا. حيث كان عساكر الأمن المركزي تضرب المتظاهرين وتبعدهم عن مقر مجلس الوزراء حتي جاءوا أسفل نافذة حريتنا مباشرة وكان عساكر الأمن المركزي تدب بأرجلها علي الأرض وفي نفس الوقت هتافات الشباب تعلو حتي ظهرت في المشهد مدرعة عملاقة تقترب بتجبر وتزأر والشباب يجري أمامها وهي تقذفهم بالمياه. حتي ظهر واحد من حشود الشباب وكأنه ظهر من العدم وهو شاب في العشرينيات وقف أمام المدرعة الحديدية بكل ثقة وإيمان ووضع ذراعيه علي وسطه في تحد واضح ورفض التحرك هذا الشاب كان الملهم الذي أعطي الشباب الثقة فيما يطلبون والقوة فيما يواجهون. وقتها فشلت في الحفاظ علي حيادي الصحفي وجدت نفسي أصرخ " راجل.. راجل.. جدع" وكنت فعلا سعيدا بهذا الشاب وزادت سعادتي لأن القدر أعطاني الفرصة لأن أنفرد بتصويره ولحظتها فقط أدركت أنني أمام ثورة حقيقية وليست مجرد مظاهرة.