أمريكا معرضة لخطر الإفلاس.. الحقيقة ليست أمريكا فقط هي المعرضة لهذا الخطر، فالمعروف أن اقتصادات عالمية كثيرة تعتمد بشكل كبير علي الاقتصاد الأمريكي، دول عديدة تربط أسعار عملتها بأسعار الدولار، دول عديدة تودع أموال عديدة في الاقتصاد الأمريكي. واليوم يواجه الاقتصاد الأمريكي أزمة كبيرة جداً بسبب ارتفاع حجم الدين العام إلي 52.41تريليون دولار وهو أعلي سقف تستطيع الإدارة الأمريكية اقتراضه من الخزانة العامة طبقاً لما حدده الكونجرس الأمريكي في الماضي. والآن يدخل الرئيس باراك أوباما في مفاوضات شرسة وصعبة مع الجمهوريين لرفع سقف الاقتراض من الحكومة إلي 7.61 تريليون دولار، لكن هذه المفاوضات مهددة بالفشل بسبب الخلافات السياسية بين الطرفين مما يعرض الاقتصاد العالمي للخطر. ربما يعود السبب في كل الأزمات الحالية التي تعيشها الإدارة الأمريكية الآن، الرئيس السابق جورج بوش الابن الذي تسلم دولة اقتصادها مزدهر بشدة وفي أفضل حالاته مع إدارة الديمقراطي بيل كلينتون الذي حول عجز الموازنة الذي تسلمه من إدارة جورج بوش الأب والذي كان يبلغ 003مليار دولار، إلي فائض بنفس الرقم وحدث في عهده تباطؤ شديد في الدين العام وكان من المتوقع أن ينتهي هذا الدين تماماً في خلال عشر سنوات علي الأكثر بعد رحيل كلينتون إي في تاريخ مقارب من العام الذي نعيشه الآن. ولكن ما حدث هو أن حكومة بوش الابن وخلال ولايتين تسببت في تلاشي الفائض وتحوله إلي عجز سنوي ضخم ومتتال نتيجة صرفها بكثافة علي الدفاع. وجاء أوباما ليستلم الرئاسة بعد بوش وأمريكا تعاني أزمة مالية واقتصادية هزت العالم أجمع وتهاوت معها أسواق المال العالمية فأنفق بسخاء لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من الكساد في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 8002 واستمرت لعنة عجز الميزانية وتسارع معها نمو الدين العام . ليصل إلي هذا الرقم المهول وهو 52.41تريليون دولار. المخرج لهذه المشكلة (في هذه المرحلة) هو الحصول علي موافقة من الكونجرس الأمريكي علي رفع سقف الاقتراض الحكومي لكي تستطيع الإدارة الأمريكية سداد فواتير ديونها المتأخرة، قبل الثاني من أغسطس القادم وهو آخر ميعاد لاتخاذ مثل هذا الإجراء، لكن بطبيعة الحال ولأن الكونجرس الأمريكي تحكمه أغلبية جمهورية معارضة، فإن المفاوضات لاتخاذ مثل هذا الإجراء صعبة وساخنة جداً، لدرجة أن الرئيس الأمريكي خرج أكثر من مرة بعد أكثر من اجتماع مع الجمهوريين في البيت الأبيض وجهه يبدو عليه الإحباط الشديد، ووجه للجمهوريين اتهامات غير مباشرة بتعمد تعطيل القرار للتأثير علي شعبيته وتحقيق مكاسب سياسية علي حساب المصلحة الاقتصادية الأمريكية. من ناحيته رفض رئيس مجلس الكونجرس الأمريكي الجمهوري جون بونر هذه الاتهامات وقال إن الجمهوريين كان موقفهم واضحا، أنهم مستعدون للموافقة علي الاقتراح الديمقراطي برفع سقف الدين إذا قدم الديمقراطيون حزمة من الإجراءات تضمن خفض مستوي الديون في المستقبل حتي لايضطر الكونجرس علي التصويت مرة أخري علي رفع سقف الدين من جديد. لكن أوباما من جهته يرفض تماماً اقتراح رفع سقف الدين لفترة مؤقتة مؤكداً أن هذا سيؤدي إلي تفشي حالة الذعر في أسواق المال العالمية وسيحدث انهيار مؤكد في أسعار الأسهم والسندات تبعا للسوق الأمريكي وبقية أسواق العالم. حيث ستهتز الثقة في سندات الدين الأمريكية وستفقد لدرجة التصنيف الائتمانية الحالية(AAA) لدرجة أقل بكثير. وهو ماسيتسبب في أضرار جسيمة وسيرفع التكلفة علي بطاقات الائتمان وسيضطر المواطن الأمريكي لدفع أموال أكثر للسكن والطعام والتنقل...بجانب ذلك سيؤدي انخفاض التصنيف الائتماني الأمريكي إلي تدافع المستثمرين علي التخلص من السندات الأمريكية لأنها ستكون بذلك سندات غير مرغوب فيها Junk Bonds . الحقيقة أن الإدارة الأمريكية في مأزق حقيقي، مأزق له أسبابه العديدة، والخروج منه لن يكون سهلا بسبب الانقسام السياسي الهائل الذي تعيشه أمريكا الآن، فالرئيس ديمقراطي والكونجرس أغلبيته جمهورية، وبالطبع وجد الجمهوريون فرصة في هذه الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية ومع ذلك، فلابد للجمهوريين من الحذر لأن الرأي العام الأمريكي يريد العبور من هذه الأزمة في الوقت الحالي وإذا بدا علي الجمهوريين أنهم هم سبب الأزمة التي قد تضرب أمريكا فبالتأكيد سيخسرون كثيراً، ومع ذلك فإن الجمهوريين لديهم بعض المنطق في الاقتراحات التي يقدمونها، فهم يرون في اقتراحات أوباما حلا مؤقتا وليس شاملا للأزمة ويقول زعيم الأغلبية السيناتور هاري ريد إن كل الأمريكيين لا بد أن يشاركوا في الحد من العجز، الفقراء والطبقة الوسطي والأطفال وكبار السن، ولابد من القيام بتضحيات لضبط الميزانية، وإصدار تشريع يؤكد التزام مجلس الشيوخ بدعوة الأثرياء للقيام بنصيبهم من التضحية . وأضاف ريد أن أي اتفاق لخفض العجز في الميزانية ينبغي أن يتضمن التزام الأثرياء الذي يكسبون أكثر من مليون دولار سنويا بأن يشاركوا بشكل أوضح في الحد من العجز.