طالب البروفيسير "روبرت ويد" استاذ الاقتصاد السياسي بكلية العلوم الاقتصادية بلندن في مقال له في صحيفة "الهيرالد تريبيون"الامريكية الشهيرة العالم بأسره بوقف الاعتماد علي الدولار كعملة عالمية، ودعا المجتمع الدولي إلي سك عملة جديدة غير الدولار. وتقول صحيفة ال "فاينانشال تايمز" البريطانية ان "ويد" لم يقصد بدعوته معاقبة امريكا علي موقفها المشين تجاه دول العالم، خاصة الدول العربية، وإنما وصف امريكا بأنها تضحك علي العالم. والولاياتالمتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تري ان من حقها طبع ما تشاء من دولارات بدون رقابة ودون ان يكون لهذه الدولارات أي غطاء من الذهب أو العملات الصعبة الاخري، وهذا الحق أطلقه الرئيس الامريكي السابق "ريتشارد نيكسون" عام 1971 حتي تتمكن بلاده من طبع البنكنوت لتغطية تكاليف حرب فيتنام. وسجل حجم ما تم طبعه من أوراق البنكنوت الامريكية خلال الفترة بين عامي 1950 1970 ارتفاعا بنسبة 55%، بينما ارتفعت هذه النسبة إلي اكثر من 2005% في الفترة من 1971 حتي 2008. وهذه الكميات الضخمة من الدولارات تعد السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات التضخم في سائر انحاء العالم خلال الاعوام الماضية، ومن ثم اصبح "الدولار" عملة الاحتياطي الاولي في العالم. ويضيف "ويد" ان اكثر من 60% من احتياطيات العالم من النقد الاجنبي يجري الاحتفاظ بها في شكل اصول مقومة بالدولار الامريكي، بمعني ان البنوك المركزية في العالم كله تجعل اكثر من 60% من غطاء عملتها المحلية عبارة عن دولارات وأذون خزانة امريكية، بالاضافة إلي ان اكثر المعاملات التجارية العالمية تتم بالدولار الامريكي. ونتيجة لذلك اصبح الدولار إحدي آليات الهيمنة الامريكية علي العالم، ونتج عن تلك السياسة في زيادة حجم أوراق البنكنوت الدولارية إلي اكثر من 3000 مليار دولار عبارة عن دين لحاملها دون فوائد للخزانة الامريكية. ويؤكد وزراء امريكا الجدد ان القوة العسكرية هي أهم غطاء لعملتهم الوطنية إلا ان هذا الغطاء بدأ يتقلص مع توالي النكسات الامريكية الاخيرة في العراق ومن قبلها افغانستان، كما أصبحت امريكا اكبر مستهلك في العالم وصارت تستورد اكثر مما تصدر. واكدت دراسة امريكية حديثة ارتفاع معدلات التضخم في امريكا بسبب ارتفاع اسعار الغذاء، حيث ارتفعت اسعار المستهلك في امريكا خلال شهر مارس الماضي بنسبة 3.0%، وأشارت لذلك وزارة العمل الأمريكية حيث قال إن أسعار المستهلكين لم تتغير خلال شهري يناير وفبراير السابقين في حين ارتفع المؤشر الرئيسي للأسعار بنسبة "0.3%" مقابل "صفر%" خلال فبراير الماضي. وأدي ارتفاع اسعار الغذاء مع تراجع قيمة العقارات إلي تراجع كبير في الانفاق الاستهلاكي للامريكيين الذي يمثل نحو 70% من اجمالي الناتج المحلي. وذكر المكتب الاداري للمحاكم الامريكية ان عدد حالات افلاس الافراد والشركات في امريكا ارتفع خلال العام الماضي بنسبة 38%. واشار صندوق النقد الدولي إلي احتمال دخول الاقتصاد الامريكي مرحلة الركود خلال العام الحالي. ويكشف البروفيسور "ويد" عن البلدان التي تغطي أمريكا ماليا أي التي تمثل خط الدفاع للاقتصاد القومي والحفاظ علي أسعار صرف العملة فيقول إن الدول الآسيوية هي التي تقوم بتلك المهمة، فقد أظهرت بيانات نشرتها البنوك المركزية الآسيوية أوضحت أن قيمة احتياطيات آسيا من النقد الأجنبي وصلت إلي نحو "3" تريليونات دولار. ويوضح "ويد" أن هذه الاحتياطيات الضخمة تستغلها الدول الآسيوية خاصة الصين واليابان في شراء سندات خزانة أمريكية، وهذه الدول تشتري تلك السندات وهي تعلم جيدا أن الفائدة عليها ضئيلة لكنها تصر علي شرائها لأنها قد تستغلها علي المدي البعيد في تهديد الأمن القومي الأمريكي. ويقول "ويد": بفرض أن تلك الدول قررت بيع ما تمتلكه من سندات أمريكية مرة واحدة فماذا تفعل أمريكا؟ بالطبع ستعلن عجزها للوفاء باستحقاقات هذه السندات، ومن ثم ينهار الدولار وتنهار الأسهم الأمريكية، وتعلن أكبر قوة في العالم إفلاسها، وهذا الكابوس بالنسبة لأمريكا دفع الكونجرس الأمريكي إلي تحذير وزارة الخزانة الأمريكية من شراء الآسيويين هذه السندات. وتشير ال "فاينانشال تايمز" إلي أنه لم يتبق للدولار سوي داعم استراتيجي واحد هو البترول.. فالمبيعات البترولية في شتي انحاء العالم مقومة بالدولار وهذا يعني أن أي دولة في العالم تريد أن تشتري بترولا عليها أولا الحصول علي دولارات. ويشدد "ويد" علي ضرورة التفكير في سك عملة عالمية تحسب علي أساس الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للاقتصادات الكبري حسب التضخم، فالحكومات والشركات تصدر سندات مقومة بهذه العملة المقترحة وتحتفظ بها في احتياطياتها وبالتالي ستتعامل كل دولة عبر حدودها بعملتها الخاصة، ثم يتم تسوية تلك العملات داخل اتحاد مقاصة دولي باستخدام وحدة العملة الدولية كوحدة أساس أو كوحدة قياس.. علي أن يتم حساب أسعار الصرف محليا وطبقا للتغيرات في الاحتياطيات وخلال فترة زمنية منتظمة. ورغم أنه لا توجد حتي الآن أي تحركات تجاه سك عملة عالمية فإنه منذ سنوات عديدة ودول اتحاد جنوب شرق آسيا إضافة إلي اليابان والصين وكوريا الجنوبية تتطلع لعملة آسيوية موحدة تحسب بناء علي المتوسط المرجح لقيمة العملات الإقليمية الرئيسية، والهدف من توحيد العملة الآسيوية هو أن تكون مقياسا مستقلا عن الدولار الأمريكي. وينهي "ويد" حديثة قائلا إن العالم بذلك يستطيع الاستغناء بالكلية عن الولاياتالمتحدةالأمريكية.