مسحورا كنت أم مغيبا عن الوعي أم فاقد القدرة والإرادة أم تراني كنت أقرب لحالة من الجنون. لاأستطيع الآن أن أصنف حالتي تلك خلال الفترة القصيرة التي ارتبطت فيها بتلك الفتاة. شهور قليلة كانت أجمل مافي عمري فيها . شعرت بالندم أنني التقيت بها وأنا علي أعتاب الأربعين، والآن أشعر بندم أكثر أنني لم ألتق بها في منتصف العشرين فوقتها لم أكن أشعر بتلك الحالة من الاندفاع التي تداهم من هم في مثلي سني الآن وتجعلهم يتلهفون علي اقتناص فرصة ربما لاتتكرر كثيرا. لهفتي علي الارتباط تلك جعلتني فريسة سهلة لتلك الفتاة وأهلها. كما وقفت حاجزا بيني وبين نصائح والدي اللذين أبديا تحفظهما علي الفتاة وأهلها لكنني أغلقت عقلي عن تلك النصائح ومضيت في طريقي إلي نهايته المؤلمة . اشتريت لها شبكة تعدت قيمتها الثلاثين ألفا وأمطرتها بهدايا تخطت الألفين بخلاف آلاف أخري أنفقتها عندما كنا نلتقي معا في فنادق خمس نجوم . لم أكن وقتها أشعر أن ما أفعله مبالغ فيه . كان همي أن أسعدها وأشعرها بمدي حبي لها . لهذا الحد كنت متيما بها أم تراني كنت مسحورا فوقعت فريسة سهلة لعملية النصب التي دبرها أهلها وشاركتهم بالطبع فيها . بدأت فصولها عندما طلبت أمها مني مبلغا من المال علي سبيل الاقتراض بعدما كشفت لي عن ضائقة مالية تمر بها كانت ملامحها الطيبة المنكسرة تدفعني لتلبية طلبها دون أي شعور بالتردد والظنون. وبنفس الشعور استجبت لطلبها بمساعدة شقيق خطيبتي أربعون ألفا دفعتها بحسن نية وربما بسذاجة لم أشعر وقتها بالندم وإن كنت لم أجد في نفسي الشجاعة لإخبار والديّ خشية أن يزداد تخوفهما من خطيبتي وأهلها فيزداد نفورهما منها. لكني لم أفعل ولم أتردد في تقديم كل مايقربني من تلك الفتاة ويكسبني رضاها ورضا أهلها. كم كنت ساذجا موهوما لكني للأسف لم أدرك ذلك إلا بالصدفة التي كانت أسوأ من ألف ميعاد. تلك الصدفة التي قادتني إلي بيت خطيبتي عندما مررت به فصعدت لأفاجئها بزيارتي بغير سابق ميعاد كما اعتدت دائما لكنها هي من فاجأتني بالمشهد الصادم . وجدتها في كامل زينتها وكذلك أهلها وكأنهم في إنتظار ضيف مهم كشفت عن ذلك أيضا أطباق الحلوي والمائدة العامرة. في البداية لم ألتفت كثيرا لما يحدث غير أن التوتر الذي بدا واضحا في عيون الجميع أصابني بالشك وماهي إلا دقائق حتي تحول الشك إلي يقين مخجل. اكتشفت أن الضيف المهم ماهو إلا عريس آخر أو مغفل آخر دأب علي زيارتهم والخروج مع الفتاة التي أصبحت خطيبتي وخطيبته في آن واحد. وبالطبع كان عليه أن يدفع مثلما أفعل لندخل معا حلقة المزاد الوهمي التي أدمنتها هذه الأسرة الخادعة المحترفة لفنون النصب. أصابتني الصدمة بالعجز عن التفكير فأنا حائر لاأدري ماذا أفعل خاصة وأنا لاأجد في نفسي الشجاعة لطلب تدخل أهلي ؟ لصاحب هذه الرسالة أقول : أقدر تماما وقع هذه الصدمة عليك. وتبدو لي علي درجة من الطيبة وحسن النية في زمن انقرضت فيه هذه الصفات . ندرة معدنك تجعلني أمنع نفسي من إلقاء اللوم عليك لثقتي أن ضميرك تكفل بذلك فلا شك أنك ندمت كثيرا لعدم الاستجابة لنصائح والديك وأعترف أن كلا منا يمر بتلك الحالة من العناد التي يتصور فيها أن تفكيره وحكمه علي الأمور هما الأصوب إلا أن ذلك لايمنعنا من التراجع عندما نشعر بخطئنا خاصة عندما ندرك أن لاهم لوالدينا سوي مصلحتنا وسعادتنا . عموما لاوقت للندم والمهم الآن هو البحث عن حل عملي وفعال لمشكلتك لاسترداد كل ما أنفقته علي تلك الفتاة وأهلها وأعتقد أن الأمر يتطلب تدخل أهلك ليساعدوك علي الوقوف بحزم أمام تلك الأسرة التي وصفتها بالنصب . وأعتقد أن الأمر لن يكون صعبا إذا ما نجحت في إظهار قدر من الشجاعة والشدة في مطالبتك بحقك . ربما تكون التجربة قاسية لكن لا أحد يتقن دروس الحياة إلا بعد أن يتكبد الكثير . مهما كانت آلامك فثق أنها تزيدك نضجا وخبرة ليكون اختيارك القادم موفقا إن شاء الله .