كشفت قضية "طارق عبد الرازق" عن أن الطريق إلي عالم الجاسوسية قد يبدأ من (الإنترنت) الذي سهل الكثير علي رجال المخابرات من كل دول العالم ليستغلوا غفلة بعض الشباب وبراءة آخرين لاستدراجهم نحو شباك لا فكاك منها، فتجنيد العملاء عن طريق الفيس بوك والشات أصبحت وسائل معترفا بها بجوار الطرق القديمة التي ترسخت في الأذهان. وبعد ثورة الاتصالات خصوصا بعد انتشار الإنترنت والبريد الالكتروني تيسر الاتصال مع العملاء من دون خطورة علي حياتهم، ولم يعد من السهل الكشف عنهم وأغلقت صفحة الخطابات التي ترسل عن طريق البريد بالحبر السري فقد أصبحت مثل هذه الوسائل عتيقة مكانها أفلام الجاسوسية ومسلسلاتها. يري اللواء سامح سيف اليزل –الخبير الأمني- أن الاعتماد علي العنصر البشري سيظل قائما في عصر الثورة التكنولوجية بل سيتزايد لكن مهمته ستختلف بالتأكيد نتيجة لاختلاف شكل التجسس، فمهارات الجاسوس ستتضاعف، سيكون خبيرا في استخدام الكمبيوتر عارفا بوسائل الاتصالات الحديثة بالإضافة لمعرفته باللغات المختلفة، وستتركز مهمته في الأساس في استخلاص ما في نفوس البشر وما في عقولهم وهو ما تركز إسرائيل عليه حاليا، فهي تعترف بوجود أقمار اصطناعية تتجسس علي البلدان العربية لكن لا تستطيع أقمار التجسس أن تطلع علي ما في عقولنا وهنا يأتي دور العميل البشري الذي سيظل له دور بالغ الحساسية وسيتم التنسيق بين التجسس الالكتروني والتجسس البشري لانتزاع أكبر قدر مكن من المعلومات باستخدام كل الوسائل المتاحة. وأضاف سيف اليزل أن الجاسوس سيظل محور عمليات التجسس حتي في ظل تدفق المعلومات من الأقمار الصناعية والإنترنت، لأن هذه الوسائل لا يمكنها تحديد الأهداف والإتيان بالتفاصيل مثل الجاسوس البشري، فالأقمار الصناعية والإنترنت لا يكشفان عن النوايا والأغراض رغم كونهما من مصادر التجسس، فمنهجية التجسس واحدة لا تختلف في الحاضر عن الماضي، فالجاسوس في النهاية هو شخص يبحث عن شيء لا يعرف عنه أي شيء، والتجنيد يتم بطريقة كلاسيكية من خلال استغلال نقاط الضعف ضد الفرد المراد تجنيده كالبطالة أو الجنس أو غيرهما. من جانبه أكد د.منصور عبدالوهاب- أستاذ اللغة العبرية بجامعة عين شمس- أن حالة السلم هي أعظم فترة للعمل السري ومن ثم تكثف إسرائيل من نشاطها التجسسي بحكم أنها دولة بناها الجيش وتقوم بالأساس علي المعلومات. لذلك تركز إسرائيل نشاطها التجسسي علي مصر الذي تغيرت نوعيته فلم يعد يرتكز علي التجسس العسكري بل مهمته في الأساس هي معرفة التركيبة المزاجية للمجتمع المصري ودخائل نفسه برصد أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وأشار "عبد الوهاب" إلي أن اسرائيل تستخدم وسائل جديدة للتسلل إلي شبابنا عن طريق الفيس بوك ومواقع الدردشة والمنتديات، وهو ما قد يؤدي إلي وقوع البعض في بئر التجسس دون أن يشعر. وأشار اللواء عادل سليمان -مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية- إلي أن هناك خطأين شائعين حول أعمال التجسس أولهما هو أن أعمال التجسس مقتصرة علي النواحي الحربية واستعدادات الدولة العسكرية وهو وهم انتهي مع انتهاء الحرب الباردة وانكشف سوق السلاح الدولي وأصبحت الدول تعلن عن رغبتها في بيع السلاح علي صفحات الجرائد بل وهناك تقرير سنوي عن التوازن العسكري تصدره بريطانيا وآخر تصدره الولاياتالمتحدةالأمريكية فالتجسس العسكري لم تعد له الأولوية كما كان في السابق وهو أمر لابد من أن نعيه جيدا ونقوم بالتوعية فالأولوية الآن للمعلومات المتخصصة في جميع الأنشطة سواء كانت اقتصادية أو علمية أو زراعية فلكل معلومة ثمنها وقيمتها في إطار التنافس العلمي العالمي، وهو أمر يحتاج إلي المزيد من التوعية. يستكمل سليمان حديثه قائلا:"أما الخطأ الثاني فهو التصور بأن العلاقات الودية بين الدول يعني عدم التجسس علي بعضها البعض وهو تصور ساذج فكل الدول تسعي للحصول علي المعلومات لدعم تفوقها سواء كانت تلك المعلومات قادمة من الدول الصديقة أو العدوة فاليابان مثلا تعد واحدة من أكبر الدول التي تتجسس في مجال المعلومات الصناعية والعلمية لضمان تفوقها التكنولوجي، فجميع الدول تتجسس علي بعضها البعض حتي الدول الصديقة منها تبعا لرؤيتها الخاصة لأمنها القومي وعادة لا تثير عمليات التجسس أزمات دبلوماسية لأن أعمال التجسس تدخل تحت إطار الحرب الخفية بين أجهزة المخابرات التي لاتسبب عادة أي مشاكل سياسية بين الدول، فمثلا كشفت الدوائر الأمنية الأمريكية عدة شبكات تجسس إسرائيلية سابقا فهل يعني هذا تأزم العلاقات بين أمريكا وإسرائيل". وأضاف سليمان أن الكشف عن القضية الآن لا يعدو أن يكون أكثر من أن أوراق القضية قد اكتملت عند الدوائر الأمنية المصرية وبالتالي أعلنت عنها. وأكد د.عماد جاد - الخبير في العلوم الإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - أن قضية التجسس الأخيرة تكشف أن العنصر البشري مازال له الأولوية علي الرغم من دخول وسائل تكنولوجيا جديدة، فنظرة متأنية لتلك القضية نكتشف أن المخابرات الإسرائيلية تريد أن تجعل من مصر منطلقا لعمليات تجسس إقليمية وهو ما يعني أن المخابرات الإسرائيلية وغيرها من أجهزة المخابرات في العالم كله ما زالت تعتمد علي العنصر البشري في العمل المخابراتي، فالعامل البشري سيظل محور عمليات التجسس حتي مع ثورة المعلومات وانتشار التجسس الالكتروني، وأبسط مثال علي ذلك هو وثائق ويكليكيس فما كان للقائمين علي الموقع نشر هذا الكم من الوثائق لولا وجود متعاونين معهم داخل أجهزة الأمن البشري، فالعمل التجسسي التقليدي سيظل، طالما ظلت الأخطاء البشرية ونزواتها موجودة.