رغم أن الجريدة الرسمية تعد من أكثر الصحف التي يجب أن يهتم بها المواطن العادي، كونها المعنية بإصدار المراسيم والقرارات الحكومية والأحكام القضائية والإعلانات الرسمية، إلا أن المعروف عنها قليل، ونادراً ما تجد من يعرف عنها أي شيء، وبعض من سمع عنها لديه عنها معلومات مشوهة، فيما يخلط البعض بينها وبين الجرائد القومية، وهي كلها عوامل جعلت من "الجريدة الرسمية" لسان حال الدولة المصرية رسمياً في عداد المجهول، فلا معرفة بمكانها ولا بتاريخ طبعها ولا كيفية الحصول عليها. "الجريدة الرسمية" ما إن تدخل الأضواء مع إصدار قرار رئاسي أو الموافقة علي قانون مهم يشار في آخره بالجملة الشهيرة "وينشر في الجريدة الرسمية"، حتي تعود إلي الظل، فأي جولة عند باعة الصحف في القاهرة والجيزة والمدن الكبري بالمحافظات بحثاً عن أعداد "الجريدة الرسمية" ستنتهي بالفشل، علي الرغم أنها تضم بين صفحاتها قوانين وقرارات تمس صميم الحياة اليومية. وتعد الجريدة الرسمية امتداداً لجريدة الوقائع المصرية التي تعد أول جريدة مصرية والثانية عربيا التي تصدر باللغة العربية كما صدرت أيضاً باللغة التركية، وهي أقدم الصحف العربية التي لاتزال تصدر حتي الآن، ويبلغ عمرها 179عاماً، والتي أسسها حاكم مصر القوي-آنذاك- محمد علي باشا في القاهرة عام 1828م، وصدر العدد الأول في 3 ديسمبر عام 1828م وكانت توزع علي موظفي الدولة وضباط الجيش وطلاب البعثات. وفي العام 1842م، قام رفاعة الطهطاوي بتطوير الجريدة من حيث الشكل والمضمون والأسلوب، لدرجة أثارت حفيظة رجال الدولة وخشيتهم، مما كان سبباً في نفي رفاعة الطهطاوي إلي السودان، وجعل رفاعة الأخبار المصرية المادة الأساسية بدلاً من التركية، وهو أول من أحيا المقال السياسي عبر افتتاحيته في جريدة الوقائع، وفي عهده أصبح للجريدة محررون من الكتاب. وفي عهد الخديو سعيد باشا توقفت الصحيفة طوال عهده أي بين عامي 1854 و1863م، في إطار سياسته لتصفية مؤسسات الدولة. ومع بدء الاحتلال البريطاني لمصر ابتداء من سنة 1882م تحولَّت الوقائع المصرية من صحيفة حكومية إلي صحيفة شعبية يومية علي يد الشيخ محمد عبده، فقد عهد إليه رياض باشا في عام 1880م مهمة إصلاح جريدة الوقائع المصرية، ومكث في هذا العمل نحو ثمانية عشر شهرًا، نجح أثناءها في أن يجعل من الجريدة منبراً للدعوة للإصلاح، والعناية بالتعليم. ظلت الوقائع المصرية الجريدة الرسمية المعبرة عن الحكومة، إلي أن أصدر الزعيم جمال عبد الناصر قراراً في عام 1967م بإنشاء الجريدة الرسمية التي تصدر الخميس من كل أسبوع ويجوز في الحالات العاجلة إصدار أعداد غير عادية بالمواد التي تنشر بها القوانين والقرارات الجمهورية بقوانين وقرارات رئيس الجمهورية وقرارات رئيس مجلس الوزراء المفوض بها من رئيس الجمهورية وقرارات لجنة شئون الأحزاب السياسية، وأحكام المحكمة الدستورية العليا وبيانات منح الأوسمة والنياشين. أما الوقائع المصرية فقد أصبحت ملحقاً للجريدة الرسمية تصدر يومياً ما عدا أيام الجمع والعطلات الرسمية، واختصت بنشر قرارات رئيس مجلس الوزراء، والقرارات الوزارية، وقرارات المحافظين، وقرارات إشهار الأندية وتشكيل مجالس إدارتها، وملخصات تأسيس الجمعيات بجميع أنواعها، وإعلانات الحجوزات والمناقصات والمزايدات وإعلانات المصالح الحكومية وفقد الشيكات. الجريدة الرسمية اكتسبت سمعة سيئة منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي اتبع سياسة التعتيم علي "الجريدة الرسمية" لإصدار قوانين الظل، قوانين تصدر بليل لا يعلم عنها الشعب شيئاً تفاجئه بالكثير من القوانين الموجودة منذ أيام وأحياناً أشهر والحجة جاهزة فقد صدرت منذ أيام في الجريدة الرسمية، كما ينص القانون، وهي حجة جاهزة ووسيلة ناجزة لتمرير القوانين. الدكتور عبد المنعم الجميعي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة المنوفية، قال ل"آخر ساعة"، إن جريدة الوقائع المصرية تزامنت نشأتها مع ظهور مطبعة بولاق "المطبعة الأميرية"، وهي أول مطبعة للحكومة المصرية في عصر محمد علي، في إطار مواكبة حركة التحديث التي بدأها عقب وصوله إلي الحكم سنة 1805 ثم انفراده بالحكم عقب مذبحة المماليك سنة 1811، بعدها بدأت حركة التعمير الضخمة التي بدأها محمد علي والتي احتيج إلي أداة لنشر الأوامر الأميرية علي جميع الموظفين فظهرت الوقائع المصرية لتلعب هذ الدور منذ سنة 1828، فكانت توزع علي كبار رجال الدولة وقناصل الدول الأجنبية والتلاميذ في المدارس (الكليات) الحديثة بل وفي قصر الباشا، وكانت تصدر باللغتين العربية والتركية. وأشار الجميعي إلي أن الوقائع المصرية لم تقتصر أخبارها علي الأوامر الرسمية بل لعبت دوراً في نشأة الصحافة بمفهومها الواسع إذ كانت تنشر بعض الأخبار الخفيفة التي تتعلق بالمسائل المالية والعلمية والجنائية والاجتماعية بعيداً عن القرارات الرسمية، وأضاف: "التطوير الحقيقي للوقائع تم علي يد رفاعة رافع الطهطاوي الذي حول الجريدة إلي صحيفة تعني بالشأن المصري كله بشقيه الرسمي والشعبي، ما جعل الوقائع في عهده تحظي بشعبية كبيرة بين جمهور المتعلمين". ويلتقط طرف الحديث بهاء محمد، الباحث في تاريخ مصر المعاصر، مؤكداً أن "الوقائع المصرية" تضم في أعدادها ثروة أرشيفية هائلة تتضمن مكاتبات وأوامر وتقارير وقرارات الدولة المصرية الحديثة فيما يقارب القرنين من الزمن، وهي ثروة تحتاج إلي إعادة نظر للاستفادة منها في مجال البحوث التاريخية، وأشار إلي أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر رأي أن يعيد تنظيم الوقائع المصرية فخصها بالأوامر الصادرة من الوزارات والهيئات الحكومية، فيما فصل مكاتبات وقرارات رئيس الجمهورية وجعلها تصدر في الجريدة الرسمية التي ظهرت إلي الوجود في العام 1967، ولا تزال تصدر منذ ذلك الحين وتضم بين صفحاتها كل ما يتعلق من قرارات وقوانين يؤشر عليها رئيس الجمهورية.