أصبح أطباء الفضائيات يمثلون خطرا علي حياة المرضي، بعد أن احتلوا القنوات الفضائية للإعلان عن تخصصاتهم وعناوين عياداتهم، بالإضافة إلي أنهم يشخصون الحالات المرضية علي الهواء مباشرة ويصفون للمرضي الأدوية، دون توقيع الكشف الطبي المباشر، ما جعل وزارة الصحة تدخل معهم في صدام أكثر من مرة، ولكن دون جدوي. في البداية بدأت القنوات الفضائية في السماح لبعض الأشخاص بترويج مستحضرات طبية أو طرق علاجية غير معتمدة كالعلاج بالإبر الصينية، ومستحضرات طبية تخص أمراض بعينها يعاني منها أغلبية المصريين كالضغط والسكر، حتي تطور الأمر وأصبحت هناك فوضي علي معظم القنوات الفضائية، حتي بدأ الأطباء أنفسهم يخوضون هذه التجربة للتربح وتحقيق الشهرة، فيظهر الأطباء علي الشاشات ينصحون المرضي باتباع علاج أو تعاطي دواء معين، كما أن معظمهم يحتالون علي المرضي ويصفون لهم علاجاً لبعض الحالات التي تخرج عن دائرة تخصصاتهم. هذا ما أكده د.صابر غنيم وكيل وزارة الصحة لشئون العلاج الحر، لافتاً إلي أن معظم الذين يظهرون علي القنوات الفضائية مدعون وليسوا أطباء، ما يمثل خطرا بالغاً علي صحة المرضي الذين يثقون بهم ويأخذون بنصائحهم، مضيفاً: القنوات الفضائية تسعي إلي هذه النوعية من البرامج والإعلانات لتحقيق الربح المادي، والآن معظم القنوات لا تخلو من البرامج الطبية التي أصبحت مادة إعلانية تذاع كل ساعة تقريباً. يتابع: الفقرات الطبية علي القنوات الفضائية أصبحت موضة، وأضحي الأطباء يضاربون بعضهم بهذه البرامج ومنهم من يدفع للظهور علي الشاشة لتحقيق الشهرة والترويج لنفسه، لكن يجب ألا ننساق وراء ذلك حتي نتجنب الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها المرضي فكل طبيب له طرقه في تشخيص الحالة ولو اتبع المريض الأطباء علي أكثر من قناة لوقع في خطر تضارب التشخيص والعلاج . مشيراً إلي أن وزارة الصحة دخلت في صراع أكثر من مرة مع هذه القنوات وكان علي رأسها قنوات الحافظ والصحة والجمال والطب النبوي وخاطبت وزارة الإعلام بوقف بث هذه القنوات أو وقف البرامج التي تبث عليها، وتعلن عن الأدوية وتعطي مساحة للأطباء بتشخيص الحالات مباشرة مع المرضي وإعطاء العلاج لهم وهو ما لا يحدث في أي دولة أخري، مؤكداً أنه في جميع الحالات يجب الرجوع إلي وزارة الصحة وإخطارها قبل بث الإعلانات أو البرامج الطبية. من جانبها تقول د.عبير عبدالله استشارية أمراض النساء، إن البرامج الطبية علي القنوات الفضائية لابد أن تقوم علي هدف، وهو تقديم المعلومة العلمية الصحيحة للمرضي وتثقيفهم طبياً وليس العكس، إلا أن معظم البرامج أصبحت تستهدف الربح والتجارة، وأعتقد أن غالبية البرامج تعتمد بشكل كبير علي الأطباء المبتدئين، خاصة في الفقرات ذات الطابع الإعلاني، فالكثير من البرامج لا تعتمد علي أطباء لديهم رسالة واضحة لشفاء المرضي. تتابع: ما يحدث فوضي فكيف يمكن تشخيص حالة مريض بمجرد الكلام ودون توقيع الكشف عليه، خاصة أن حالات المرضي واستجابتها للدواء دائماَ مختلفة، كما أن هناك بعض الأدوية التي لا تتناسب مع بعض المرضي الذين قد يعانون من أمراض أخري، ومن الوارد أن ينسي المريض ذكرها أثناء حديثه مع الطبيب خلال البرنامج، فيتم وصف دواء خاطئ له، ما قد يعرض حياة المريض للخطر. تضيف: هناك اعتقاد لدي بعض الأطباء أن ظهوره علي شاشات الفضائيات بكثرة سيجعل كثيرا من المرضي يترددون علي عيادته، لأن معظمهم أصبح يثق به، لظهوره في البرامج بالقنوات الفضائية، لكن ذلك غير صحيح، لأن التعامل مع الطبيب من خلال شاشات الفضائيات غير التعامل معه في الواقع، فالمريض يثق بالطبيب عندما تتحسن حالته علي الدواء الذي يصفه له، والدواء لكي يتم وصفه لابد أن يكون الطبيب علي علم بعدة أمور، وهناك بعض الحالات التي تتطلب إجراء تحاليل معينة قبل وصف الدواء. علي النقيض، يري مجدي نزيه استشاري التغذية العلاجية، أن لجوء بعض الأطباء للإعلان عن أنفسهم ليس دليلا علي الفشل كما يظن البعض، ولا يضع هذا الأمر الطبيب في أي حرج، خاصة أن هناك بعض التخصصات التي يتنافس بها الأطباء وتمثل أغلبية الفقرات الطبية علي البرامج، كتخصصات علاج أمراض النساء والذكورة والعقم والحقن المجهري، وتخصص التغذية العلاجية وعلاج البدانة وأمراضها، ما جعل الأطباء يستخدمون جميع الوسائل للإعلان عن أنفسهم لاستقطاب المرضي. وأشار إلي أن كثرة البرامج والإعلانات الطبية جعلت المنافسة تزيد بين الأطباء ويتخذها كل طبيب وسيلة لجذب المرضي، فأصبح هناك أطباء يدفعون لظهورهم علي الشاشة مع كتابة أسمائهم وتخصصاتهم واسم العيادة أو المستشفي الخاص بهم، وبعد ذلك يعود عليه الأمر بالربح من خلال تردد كثير من المرضي عليه، وهناك برامج أخري تدفع للطبيب نظير الظهور معها للتحدث في موضوع طبي معين، وهو ما كان يحدث في البداية حيث يقدم عصارته شخصياً ومعظمها بالقنوات الأرضية ولا يتجاوز المبلغ ألف جنيه، لكن هذه البرامج تهدف إلي تثقيف المرضي صحياً وهو ما يجب أن تسير عليه البرامج، معتبراً أنها تقدم خدمة طبية وليس إعلاناً عن طبيب أو منتج. وهناك قنوات فضائية تستضيف الطبيب مقابل سداده مبلغ 5000 أو أكثر، لكن كما ذكرنا يجب أن نفرق بين الأطباء التي تظهر علي القنوات الفضائية لإعطاء المعلومة الطبية وإفادة المرضي وبين الأطباء الذين يعلنون عن أنفسهم فقط، مشيراً إلي أن ظهور الطبيب علي شاشات الفضائيات ليس بالأمر السهل فلابد أن يكون لديه حضور وقدرة علي جذب المريض، فبعض الأطباء ليس لديه القدرة علي التواصل مع المريض وذلك الطبيب في الغالب يخسر معظم مرضاه حتي إذا كان متميزا في تخصصه، لكن المريض دائماً يفضل الطبيب الذي يتواصل معه ويرتاح في الحديث معه وشرح كل ما يعانيه، لذلك فليس كل طبيب قادرا علي الظهور أمام قطاع كبير من الجمهور وهو ما يحسب له وليس ضده. فيما يري د.أحمد صقر أستاذ جراحة العظام أن إعلان الطبيب عن نفسه يقلل من قيمته العلمية التي يجب أن يلتفت لها ولأهميتها بدلاً من تكرار ظهوره في هذه البرامج أو الترويج عن نفسه، فقضاء الوقت في معالجة المرضي خير من التنقل بين القنوات أو دفع مبالغ كبيرة قد لا تعود عليه منفعتها بنفس القيمة التي دفعها، لافتا إلي أن إحدي القنوات تعرض علي الأطباء الظهور عليها والإعلان عن أنفسهم مقابل 25 ألف جنيه وهو مبلغ كبير قد يحتاج الطبيب شهوراً لتعويضه. وأوضح أن ظهور الأطباء علي القنوات الفضائية تحول من كونها خدمة طبية للمرضي إلي بيزنس يستفيد منه الطبيب أحياناً، وتستفيد منه القنوات ومعدو البرامج أحياناً أخري، مما جعل الموضوع هوسا للطرفين، وخاصة أطباء التغذية والسمنة الذين جعلوا التنافس بينهم متنفسا لهم يجذبون به المرضي وعلي إثر ذلك يقع المريض ضحية الطرفين . وعن طرق محاربة هذه الظاهرة تقول الدكتورة ليلي عبد المجيد عميدة كلية الإعلام سابقاً إنه في البداية يجب العلم أن ليس كل من يظهر علي تلك القنوات مؤهلا لذلك ولكن ظروفه هي التي تؤهله لذلك وليس تميزه في تخصصه ولكن أولاً وأخيراً المادة هي التي تحكم كل ذلك. موضحة أن هناك عدة أسس يجب احترامها وعدم تجاوزها للحد من هذه الظاهرة وتحجيم هذه القنوات فلابد من احترام المشاهد وتقديم المعلومة الصحيحة له من خلال أطباء بالفعل وليس مدعي الطب، والعلم أن هناك فرقا بين الإعلام والإعلان من خلال فرض الرقابة علي ذلك داخل القنوات لمراعاة الرسالة الإعلامية والحد من فوضي ظهور الأطباء، وفرض الرقابة علي الإعلانات الخاصة بالمستحضرات الطبية وعدم الإعلان عن المستحضرات أو حتي الأجهزة الطبية غير المعتمدة من وزارة الصحة. تضيف أنه يجب الاهتمام بالمعايير المهنية من داخل قطاع الإعلام نفسه، ومن ثم الرقابة من الجهات المعنية مع احترام القوانين ، لأن بعد الظهور علي الشاشة وخروجها للمشاهدين يصعب إقناعهم بأن بعض المحتوي الإعلامي مفيد لهم والبعض الآخر قد يمثل خطرا عليهم.