لا يتم في أي دولة صرف الدواء من الصيدلية إلا بروشتة باستثناء مصر وعلي نفس النسق انتشرت أسواق الدواء والمستحضرات غير الشرعية في السوق المصري وهيمنت إعلانات تجارة الموت بالأعشاب الدوائية علي الصحف والقنوات الفضائية. في الماضي كنا نغني علي العطارين ونبحث لديهم عن "الصبر" وأصبحنا هذه الأيام نتلقي منهم علاج السكر والفيروس C وأمراض الكبد ونلتمس منهم حل المشاكل الزوجية.. ولكننا هذه المرة نشتريها من بائع مجهول المصدر، وليس كما كان يحدث في الماضي نقوم بجلبها من تجار معروفين بالاسم. ورغم ان الطب البديل والعلاج التكميلي أمر قائم وله أصوله العلمية كما يوضح الدكتور محمود سعيد أستاذ الفارما كولوجي بطب طنطا ورئيس جمعية العلاج بالطاقة الحيوية إلا أنه كعالم متخصص يلفت الي حقيقة مهمة لا يجب اغفالها وهي أن ذلك علم أولا وأخيرا له أصوله وقواعده التي لا تتفق مع كل ما نراه من نزيف إعلاني عن الأعشاب الطبية في الجرائد وعلي شاشات الفضائيات والتي تفتقد الأساس العلمي وغالبا ما يكون المتحدث فيها غير مؤهل علميا وأبدي د.سعيد دهشته من أن تكون صحة المرضي حقلا للتجارب وما قد يصلح لشخص ليس بالضرورة نافعا لشخص آخر ويقول للأسف لقد بدأت هذه الظاهرة بمستحضرات البشرة وانتهت بمستحضرات تعالج أمراضا خطيرة ومزمنة مثل السرطان وفيروس C وبعض الأمراض الجنسية. ويصف د.سعيد تلك الاعلانات بأنها عملية كوميدية تنم عن جهل المتكلم والمستمع والمشاهد وتتم بكل أسف في مواضيع حساسة وخطيرة تضر قطعا بصحة المريض لأن من يقوم بخلط تلك الأعشاب لم يدرس المواد السامة التي تحتوي عليها. ويدعو د.محمود إلي ضرورة ان يستوفي أي إعلان في هذا المجال لعدة شروط منها شرط المسئولية ونسب نجاح المستحضر وشهادات الخبرة اضافة الي مسئولية أخري علي المواطن ووسائل الاعلام حيث يجب أن تتأكد من أن من يقومون بالاعلان متخصصون في العلاج التكميلي والطب البديل والعلاج بالأعشاب وأن يتم توعية الناس بذلك حتي لا يقعوا في دائرة الخرافة والجهل. ضرورة ولكن خطيرة ومن جانبه يصف ذلك د.علي رمضان استشاري العلاج بالطب البديل بأنه رجوع الي الطبيعة والطب التقليدي القديم الذي أصبح الآن من الضروريات بعد فشل العلاجات الكيماوية والعمليات الجراحية في علاج الكثير من الأمراض فضلا عن كونها لا تخلو من الآثار الجانبية التي لا تقل في بعض الاحيان خطورة عن المرض نفسه خاصة علي الكبد والكلي والمعدة. ورغم كل هذه الايجابيات يحذر الدكتور علي من الاستخدام الخاطيء للاعشاب حيث ان هناك بعض الأعشاب التي تؤخذ بشكل معين وبنسب معينة وإلا تحولت إلي سموم كما يجب أن يتم ذلك عن طريق خبير متخصص في العلاج بالأعشاب لديه القدرة علي معرفة نوع المرض وكيفية علاجه وتحديد نوعية الأعشاب المؤثرة في ذلك المرض بالاضافة الي تحديد الشكل الدوائي سواء كان دهانا أو مشروبا أو اقراصا. ويلفت د.علي رمضان إلي أن الاعلانات التي طغت في الفترة الأخيرة اعتمدت علي مشكلة حساسة وهي العلاقة الزوجية التي قد يكون أغلبها نتيجة مشاكل نفسية إلا أن طبيعة الرجل الشرقي تمنعه من التعامل مع المتخصصين ويلجأ الي اعلانات قد يكون مصدرها غير آمن وتجد للأسف الشديد اقبالا كبيرا من المرضي نسبة كبيرة منهم من المتعلمين. ظاهرة اجتماعية ويوضح د.مرتضي خاطر استاذ النباتات الطبية والعطرية بمعهد بحوث البساتين ان وزارة الزراعة قامت بتوفير الأعشاب الطبية والعطرية لاهميتها العلاجية والاقتصادية إلا انه لا توجد رقابة كافية للعلاج بالاعشاب خاصة بين العامة بالرغم من خطورة بعضها مشيرا الي ان هناك 500 الف عشب لا يستخدم منها في العلاج سوي 5 آلاف فقط. يضيف الدكتور عز الدين الدنشاري استاذ الأدوية والسموم بكلية الصيدلة جامعة القاهرة ان التقدم التكنولوجي ادي الي حدوث تطور كبير في صناعة المستحضرات العشبية حيث أصحبت تستخدم علي هيئة اقراص وحقن ومراهم وأصبح من الصعب استخدام الأعشاب حاليا بالوسائل التقليدية القديمة والتي تستخدم علي هيئة مساحيق وحبوب وشراب خاصة ان المستحضر العشبي في هذه الحالة قد يكون غير مستساغ او له رائحة كريهة، كما تكمن المشكلة ايضا في غياب الرقابة علي بعض الاعشاب التي تستخدم في صناعة الدواء وخاصة علي العطارين. أما د.انشاد عز الدين - اخصائي علم النفس فتؤكد أنه عندما يعجز الطب عن العلاج يتجه المريض إلي الوسائل البديلة التي يجد فيها ارضاء لنفسه ولما يعاني منه من أمراض ورغم تأكيدها وجدوي ما يسمي بالطب البديل، إلا أنها تصف ما يتم علي شاشات الفضائيات بأنه نصب واحتيال ويعبر عن ممارسات خاطئة تتم في ظل ضمير غائب ورقابة منعدمة! ولا تستثني الدكتورة انشاد الاطباء من المسئولية فيما يحدث حيث يؤكد الواقع اخطاء الاطباء القاتلة والمتاجرة بآلام المرضي وهو ما أدي إلي فقدان ثقة المرض في الطب والأطباء واللجوء إلي هذه الاعلانات التي تعبر عن تلك الازدواجية التي نعيشها بكل صورها والتي تجعل كثيرين يهربون من الواقع والتعلق بأي شيء حتي لو كان معجزة كاذبة وشعوذة وخرافة وجهلا. المواجهة د.عبد الرحمن شاهين المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان أكد انه من منطلق دور الوزارة الرقابي لحماية المواطنين كل ما يعرض صحتهم للخطر فقد تم رصد ظاهرة الاعلان عن مستحضرات طبية وأدوية علاج بالأعشاب قد تضر بصحة المصريين واكد في هذا الاطار ان القانون يلزم المنشآت المصنعة لتلك المستحضرات قبل الاعلان عنها بالرجوع إلي ادارة التراخيص الطبية بالوزارة والتي تقوم بالرقابة واصدار التراخيص ودعا المواطنين إلي التعاون مع الوزارة وعدم التعامل مع تلك المنتجات التي يتم تسويقها من خلال ارقام تليفونات بدون أي عناوين ثابتة يمكن الرجوع إليها، واشار إلي أن د.حاتم الجبلي وزير الصحة والسكان خاطب المجلس الأعلي للصحافة والصحف بحيث يتم الرجوع إلي الوزارة قبل الاعلان عن تلك المستحضرات.