السقا مات شخصية صعبة مركبة قدمها العلايلى باقتدار السينما في رحاب «سيدي الشعراني» بحي باب الشعرية ولد عزت العلايلي وأمضي سنوات طفولته الأولي به.. في «الخلاء» قريبا من أسوار القاهرة القديمة «باب النصر».. و«باب الفتوح».. غير بعيد عن «النحاسين» وأزقته الشهيرة امتدادا لشارع «المعز» الذي يؤدي إلي حي الحسين.. والأزهر.. صغارا كان هو وأصدقاؤه يشعرون مع آبائهم بالسعادة بأن هناك فنانا جميلا وموسيقيا ومطربا شهيرا ينتمي لحيهم.. الموسيقار محمد عبدالوهاب. التمثيل يبدو كأنه قدر عزت العلايلي فيوم مولده توافق مع ميلاد النجمة الإيطالية الكبيرة «صوفيا لورين».. والده «الموظف» كان مثلا أعلي له ببدلته الأنيقة.. وطوله الفارع و«طربوشه» اللامع.. رجل صاحب هيبة.. صارم... ولكنه متفهم عاشق للكتب والفن.. لذلك كان سعيدا بموهبة «عزت» في التقليد والتمثيل التي بدأت تظهر في المدرسة الابتدائية. بحكم وظيفة الأب انتقل بعد سنوات قليلة إلي الإسكندرية في حي «باكوس» فاستبدل الأماكن التاريخية التي تأثر بها بالبحر الذي كان يمضي ساعات طويلة علي شاطئه يتأمل السماء الصافية.. ونجوم الليل اللامعة.. وكأنه كان يدرك أنه سيكون يوما ما واحدا من هذه النجوم الساطعة في حياتنا ليست الفنية فقط بل الثقافية. عزت العلايلي هذا الفنان القدير يتسم بقدر كبير من التواضع.. وهو أحد القلائل المثقفين من فنانينا ربما كان هذا سببا لقربه وتشابهه مع الراحل نور الشريف. سنوات طويلة مضت علي آخر لقاء بيننا.. لكنه في تجدد اللقاء يشعرك وكأنه كان معك بالأمس فلديه من القدرة علي تواصل الحوار بإنسانية عالية مما لايتوفر لكثيرين. أسأله عن شعوره وإحساسه بالتكريم في مهرجان دبي؟ - بابتسامته الصافية المميزة يقول: تكريم العمر.. شيء جميل ورائع علي كل المستويات.. وقيمة ومعني فني وسياسي.. لأن الإمارات يدعمون مصر في كل المواقف السياسية والاجتماعية.. وشعب الإمارات مؤمن بالتوحد مع مصر.. وهم داعمون للفن المصري عبر سنوات طويلة.. وكما قلت في الافتتاح لن ننسي أبدا موقف الشيخ زايد رحمه الله وهذا الموقف ورثه أبناؤه. وماذا عن علاقتك بدولة الإمارات؟ - يضحك قائلا.. علاقة تاريخية طويلة المرة الأولي التي حضرت فيها إلي هنا كانت منذ أكثر من أربعين عاما.. ولدي علاقات كثيرة طيبة بأهل البلد أو من العاملين فيه. وعن مهرجان دبي في هذه الدورة ماذا تقول؟ - أقول إن هذا المهرجان هو نوع من التحدي فقد جئت إليه في بداياته.. والعاملون عليه كل ما طمحوا فيه وأعلنوا عنه وتمنوه صدقوا فيه.. ولم يبالغوا في رؤيتهم التي انتقلت من حيز الحلم إلي الحقيقة فتحية لهم جميعا وعلي رأسهم رئيس المهرجان «عبدالحميد جمعة» ومديره الفني «مسعود أمر الله». عزت العلالي يصطحب معه ابنه الطبيب محمود الذي يشبهه إلي حد كبير.. وورث عنه عشق الفن.. فطب الأسنان لم يبعده عن الكتابة والتمثيل من وقت لآخر.. وعن والده يقول .. هو أبي وصديقي.. يستمع إلينا جيدا ويترك لنا حرية الاختيار.. لكنه صارم.. ومحافظ.. ويملك من الثقافة ومرونة الفكر ما يجعله أكثر شبابا مني أنا وأختي. في تعامل عزت ونجله حميمية شديدة.. حتي أنك يخيل إليك أنهما يتبادلان الأدوار في الحياة.. أصبح عزت «الابن».. ومحمود «الوالد». عزت العلايلي ليس ممثلا عاديا.. إنه أحد العباقرة في فن التمثيل تقريبا جميع أدواره تدرَّس.. ولذلك يقول إنه غير نادم علي أي عمل قدمه في مشواره الفني.. هذا الفنان الشامل الذي يحتويك بإنسانيته وعبقريته في الأداء.. يمتلك صوتا رخيما.. لذا كان طبيعيا أن يشارك بالغناء في بعض أعماله خاصة المسرحية. وعودة مرة أخري لمهرجان دبي يقول إن كل دورة تتطور بشكل كبير عن سابقاتها لأن هناك فكرا ثقافيا علي وعي سياسي كبير حيث إنك لا تستطيع فصل الفن عن السياسة والوعي بمعطيات العالم الذي تعيش فيه هو الذي يجعل هذا المهرجان يتطور يوما بعد يوم بقفزات كبيرة وليس بخطوات بطيئة.. في البداية كان البعض يلومون علي المهرجان أنه لاتوجد صناعة سينما في المنطقة واليوم انظروا كيف نهضت صناعة الأفلام وأصبحت هناك مسابقة خاصة بأفلام الخليج.. هذا بالإضافة للدعم الإنتاجي لإنجاز أفلام من كل الوطن العربي ومن بينها مصر. تواجد عزت العلايلي في أي مهرجان يعني المشاركة ومتابعة الأفلام بكافة اتجاهاتها.. فهو مشاهد جيد جدا. وعن فيلم الافتتاح «غرفة» يقول لقد أعاد إلي ذهني أسلوب «أنجمار برجمان».. فأنا أحب الأفلام التي تحترم عقلية المتفرج.. حتي بطلة الفيلم ملامحها قريبة من «ليف أولمان». وماذا عن مستقبل السينما العربية عامة والمصرية خاصة؟ - يجيب وملامح جدية ترتسم علي وجهه قائلا.. أنا متفائل جدا.. فهناك جيل جديد من السينمائيين يمتلك من الوعي والتعليم والتقنية ولديه من الأفكار ما يجعله متميزا جدا.. ويسرح قليلا قبل أن يكمل قائلا: إن واقعنا العربي مقلق جدا لا أحد يستطيع أن يتكهن بما يحدث ولذلك فنحن أشد ما نكون في احتياج لهذه الرؤية الجديدة. أعتذر لعزت العلايلي عن سؤال قد لا يروق له وهو عن تكوينه الجسماني الضخم.. فهو ليس فعلا مثل عبدالحليم حافظ الفتي الوسيم النحيل الذي تقع في حبه البنات.. يضحك عزت قائلا.. طبعا كنت لا أستطيع أن أؤدي دور الشاب المقهور عاطفيا.. لكن قدمت دور المواطن المقهور سواء في «المواطن مصري» أو الأرض.. ويضيف قائلا إنه في البدايات كانت معظم الممثلات قليلات الحجم.. لكن هذا لم يمنعني أيضا من تمثيل أعمال رومانسية. وعن تجاربه في العمل السينمائي في معظم دول العالم العربي يقول إنها تجارب أعتز بها جدا.. ولقد تعاملت مع مخرجين من أهم مخرجي العالم العربي مارون بغدادي من لبنان في «بيروت بيروت» ويكفي أن أقول لك إن يوم انتهاء التصوير 14 أبريل وبعد استقلالي الطائرة مباشرة بدأت الأحداث المفجعة في لبنان. وفي الفيلم الجزائري «الطاحونة» لأحمد راشدي استطعت أن أنفذ لأعماق المجتمع الجزائري من الداخل. لقد تعاملت مع مخرجين علي درجة عالية من الثقافة والتكوين الفكري، مما جعل أعمالهم ترجمة صادقة للحياة أو استشرافا للمستقبل.. وسأظل فخورا بأني كنت جزءا من هذه الأعمال.. ويكفي ما قاله عني «الأخضر حامينا» عندما ذهبنا إلي «كان». ويصمت عزت قائلا.. من أجمل تجاربي برنامج «اعرف عدوك» الذي كتبته ورفضته الإذاعة المصرية قبل النكسة.. وذلك بحجة أنني قلت صراحة إننا علي وشك نكسة قادمة.. وعندما حدثت فعلا تمت إذاعته.. أقول له لأنيس منصور كتاب بهذا العنوان.. يصمت ولا يعلق.. ومصادري تخبرني بأنه أخذ العنوان من «عزت» والكثير أيضا مما كتبه.. وهذه بعض من أخطاء الكبار. وأخيرا يقول «عزت» إنه منذ فترة عاكف علي كتابة مسلسل يتحدث عن المتغيرات في حياة عائلة مصرية من خلال الميراث.. ليس الميراث المادي فقط بل العقائدي أيضا وما حدث من متغيرات وتطورات. ولشباب السينمائيين يقول.. لا تضيّعوا وقتكم في الأعمال التليفزيونية ولا تبحثوا عن الربح السريع السينما أولي بكم فلا تجعلوا ولا تسمحوا لشيء بأن يبعدكم عنها. أقول هل أنت نادم علي شيء في حياتك؟ لا طبعا.. قالها عادة قاطعة.. هل تعرفين لماذا، لأنني ببساطة لم أقدم تنازلات في حياتي.. كما أحترم نفسي وتاريخي وهذا من أصعب الأشياء في الحياة لكنه السلاح الوحيد الذي يقهر ويبعد الندم.