وبحسب تقرير شبكة حلول التنمية المستدامة التي أطلقتها منظمة الأممالمتحدة، عن السعادة حول العالم، جاءت مصر في المركز 130 عالمياً والثامن عربياً بعد الصومال، في حين كشف التقرير أن الدنمارك تضمنت أكثر الشعوب سعادة حول العالم تتبعها النرويج ، وفي المرتبة الثالثة سويسرا، كما احتلت الإمارات المركز الأول علي الشعوب العربية وال 14 عالمياً. وأوضح التقرير أنه يمكن قياس السعادة عن طريق الفرد ومدي شعوره بالرضا والتفاؤل، كما أنه يمكن قياسها بالعوامل المجتمعية التي هي أكثر أهمية بالنسبة للسعادة مثل قوة الدعم المجتمعي ومستوي الفساد والحرية التي ينعم بها الفرد، مشيراً إلي أن الأكثر أهمية التعليم والصحة والمستوي المعيشي والتنوع البيئي والثقافي . وبالتالي يتضح أن مصر من أكثر الدول التي تفتقر السعادة في حين تأتي الدنمارك والنرويج من أكثر الدول سعادة، وبالبحث عن أسباب تمتعهم بالسعادة اتضح أنه وحسب معهد بحوث السعادة الدنماركيون أن السعادة التي يتمتع بها الدنماركيين ترجع إلي حصولهم علي المقومات الأساسية للحياة، وشعورهم بالامان ، وانخفاض الأسعار. في موازاة ذلك، أجرت شركة ميرسر الاستشارية دراسة حول المدن الأجمل للعيش فيها علي مستوي العالم وشمل البحث 230 مدينة حول العالم، وتصدرت فيينا القائمة للعام السادس علي التوالي مشيرة الدراسة إلي أنها تتمتع ببيئة ثقافية مفعمة بالحيوية إلي جانب شبكة شاملة للرعاية الصحية وأسعار مناسبة للسكن والمواصلات. وعربيا احتلت دبي الأولي علي مستوي الشرق الأوسط وأفريقيا عندما حلت في المركز 74 وتلتها أبو ظبي في المركز 77عالميا ، في حين خرجت القاهرة من المنافسة نهائياً الغريب أن مصر والقاهرة تحديداً تفتقد السعادة والجمال، وذلك بعد أن كانت القاهرة من أجمل المدن بالعالم في الستينيات من القرن الماضي، وكانوا يطلقون عليها باريس الشرق عندما قام الخديو إسماعيل بتحويل القاهرة القديمة إلي باريس الشرق بالعمارة الخديوية التي شيدها، وتضمنها العديد من المباني والقصور. يوضح أيمن فؤاد السيد المؤرخ والمتخصص بالحضارة المصرية والعربية، أن القاهرة كانت مدينة حضارية، ما جعلها من أكثر المدن جمالاً تضفي علي سكانها السعادة والمرح حيث تم بناؤها في النصف الثاني من القرن 19 علي نمط مغاير لبناء القاهرة القديمة لتصبح القاهرة التاريخية الموجودة في شرق شارع بورسعيد الحالي، والتي انشئت علي نسيج عمراني محدود مغاير، والمدينة الحديثة التي أنشأها الخديو إسماعيل مبنية علي الطراز الغربي والتاريخي بصفة خاصة، فطريقة التخطيط قامت علي استقامة المباني والشوارع، وشيد دار أوبرا ستيل وأرض للسباق وساحات واسعة وحدائق، وكان يعرف النمط المعماري للقاهرة ب"باريس علي النيل " أو " المدينةالباريسية " ومن هنا تطور الأمر فأصبح بها مبان علي الطراز الأوروبي ، وفنادق، ومؤسسات بنكية ، ومبان خاصة بالمؤسسات العامة، وبنوك، ووزارات ومتاحف للفنون الإسلامية. تابع: نتيجة لهذا النمط المغاير كانت القاهرة من أجمل مدن العالم وهو ما تفتقده الآن نتيجة لعدم المحافظة علي شكل المباني ، والأماكن الترفيهية فلابد أن يكون هناك بلدية منتخبة للمحافظة علي تلك المباني وعمل يوم في الأسبوع للأسواق لاسترجاع القاهرة مره أخري مدينة من أجمل مدن العالم. أما عن السعادة وكيفية استرجاعها مرة أخري يقول وائل الكومي خبير التنمية البشرية أن السعادة شيء نسبي وليس مطلقا يختلف من فرد لآخر ومن موقف لموقف آخر، من زمن لزمن آخر، ويمكن أن نعرف السعادة بإنها إشباع لرغبات الفرد أي أن السعادة هي ما يرغب الشخص تحقيقه من آمال وطموحات معينة ، ولعلنا نلاحظ أنه في الفترة الأخيرة وخاصة بعد الثورة وتفاقم المشاكل الاقتصادية تسبب ذلك في شعور عام بالقلق والخوف من المستقبل ، وهذا التخوف يسبب عبئاً كبيراً علي الفرد والمجتمع، حيث إنه يجعل الشخص ليس لديه أي شعور إيجابي بالنجاحات التي يحققها ، وهو ما يتطلب معرفة أهمية الشعور بالرضي للشعور بالسعادة والتغلب علي أي ضغوط، وتوجيه رؤية الفرد للأشياء التي تحقق رغباته علي أن تكون علي قدر إمكانياته الشخصية ، حيث إن الرؤية الشخصية التي تأتي من مجموعة أشياء ينتج عنها نظرة معينة قد تكون اجتماعية أو دينية وكذلك تختلف من طبقة إلي أخري ، ومدي تقبل الإنسان للوضع الذي عليه ، وتدريب نفسه علي أن أي مشكلة في الحياة، مشكلة عارضة وأمر طبيعي ستنتهي في فترة من الفترات . يضيف: يمكن تحديد مفاتيح للسعادة تتلخص في عدة أمور كالرضا، وتحقيق الذات، والرؤية المختلفة للأشياء ، والمشاركة في المجتمع ، لافتاَ إلي أنه يمكن تحفيز كل هذه الإيجابيات عن طريق العقل الباطن " اللا واعي " وأخذ المواقف باتجاهات ونظرة إيجابية ، والحث في ظل الظروف التي تعترض الشخص أو المجتمع علي التركيز في الأشياء الإيجابية ، وخلق هدف معين والعمل علي تحقيقه خطوة بخطوة، والتخلص من الإشارات السلبية، والتمسك بالأشياء التي تعطي الإحساس بالفرح والسعادة ، والتمسك بالمثابرة والرضا ، وفي النهاية كل هذه الأشياء توصل إلي السعادة العامة بالمجتمع. يري الكومي أن للدولة أيضاً دورا في إفشاء السعادة بالمجتمع عن طريق عدة أشياء، كتفصيل الحكومة مجموعة من القرارات التي تدعو بدورها للأمل والتفاؤل ، وحزم الإعلام عن تصدير الأخبار والطاقات السلبية للمواطنين، وحقنهم بمجموعة من البرامج المختلفة الإيجابية المبشرة ، وتوفير أساسيات الحياة لهم لأن ذلك يعطي شعورا بالأمان. تابع: بتلك الأشياء يمكن أن نصل إلي السعادة بجانب التخلي عن موروثنا التراثي الذي دائما يدعو إلي الحزن ويضع القيود علي الفرح ، والخوف من بكرة وطول أيام الحزن وقصر أيام الفرح، والقلق والغيرة ، فنحن شعب نحزن علي المتوفي 40 يوما، ونفرح يوما واحدا وكل تلك الموروثات تعتبر طاقات سلبية تحيط بالإنسان . مشيراً إلي أن عدم الشعور بالسعادة له تأثير سلبي علي مناعة الإنسان فيكون عرضة لاستقبال أي مرض كالضغط والسكر والتهاب الاعصاب ، ولذلك نجد طرق حديثة للعلاج ، كالعلاج بالضحك والعلاج بالاسترخاء والرقص لإخراج الطاقات السلبية والشعور بالسعادة . تقول بسمة سليم خبيرة التنمية البشرية إن السعادة لها علاقة وثيقة باستقبال المواقف الذي يختلف هو الآخر حسب المؤثرات المحيطة وهو ما يفسر حالة الاكتئاب العام والشعور بالإحباط واليأس ، موضحة انه علمياً العقل نوعان عقل واع وعقل لا واع وإذا أردنا الحديث عن السعادة فإننا بصدد الحديث عن العقل اللاواعي الذي يخزن الخبرات ، كالخبرات السعيدة ، فسيكولوجية الشعب المصري أصبحت تميل إلي الكآبة مع أن نظام العقل اللاواعي لايتغير ، لذلك يجب برمجة العقل اللاواعي علي الأخذ بالأشياء الإيجابية وترك الأشياء السلبية، ويمكن ذلك بتمرين يسمي " تمرين المرايا " وهو الحديث مع النفس أمام المرايا بأشياء إيجابية سعيدة لأن العقل يستوعب بدرجة كبيرة كلام النفس. تضيف: من الصعب تغيير جميع الظروف المحيطة للشعور بالسعادة ، لكن يمكن تغيير النفس ، وتنمية القدرات للتعامل مع تلك الظروف لتجنب الوصول إلي أمراض " السيكسوماتيك " أي أمراض النفس الجسمية التي تكون نتيجة لعدم الشعور بالسعادة ، مشيرة إلي أن الشعب المصري لم يكن في السابق كالأيام الحالية دائماَ في حالة سخط علي الواقع مفتقر الرضا، لافتة إلي أنه يجب الرقابة من المصنفات الفنية علي الدراما المصرية التي تفتقر الكلام الإيجابي وتشيع في نفوس المواطنين الاحباط والحزن ، أما علي الجانب الشخصي فيجب الاهتمام بالأخلاق، واستقبال الناس بعضهم لبعض بالابتسامة والتحلي بالتسامح وجوانب الاتزان النفسي وأهمها الجانب الروحي لعلاقته الوثيقة بالطاقة لدي الإنسان، والاهتمام بالجانب الصحي وممارسة الرياضة لاكتساب الإنسان للنشاط الذي يساعده علي المشاركة في المجتمع والشعور بالراحة. من جانبه، يشير الدكتور هاشم بحري أستاذ الطب النفسي أن السعادة شعور داخلي لدي الإنسان أي أنه موجود بالفعل، يمكن وصفه بأنه نوع من انواع اعتدال المزاج، ولكن يؤثر فيه وبصورة واضحة العوامل الخارجية كالعمل والحياة الأسرية والعوامل الترفيهية . يضيف: كما يتحكم في مزاج الإنسان ووصوله للسعادة التواصل الاجتماعي نظراً لكونه غذاء للروح يشعره بأنه عنصر فعال في المجتمع ، كالمشاركة في الندوات والحفلات أو السهرات الطويلة مع الأصدقاء، وبذلك يكون الانخراط في المجتمع من أهم عوامل الشعور بالسعادة بجانب تخفيف العناء بالترفيه علي فترات قريبة والتخلص من الانفعالات السلبية، مؤكداً أن السعادة يجب أن تأتي من الفرد أولا لتصبح سعادة عامة ينعم بها المجتمع بأكمله.