أمي، من له مثل أمي، كانت رحمها الله، أمية لا تقرأ ولا تكتب، ولكنها في تعاملها وإنسانيتها مع أبنائها وبناتها ومع الجيران وكأنها تعلمت وقرأت، ونهلت من بحور ثقافات مختلفة، وكأنها حاصلة علي أعلي الدرجات، وكأنها تحمل الدكتوراه من أعرق الجامعات، كنت وأنا صغيرعصبي المزاج، أثور لأتفه الأسباب ولأي موقف، وحدث أن طلبت من أختي التي تصغرني شيئا ما، فلم تلب لي طلبي فانهلت عليها ضربا، أحضرتني أمي وأجلستني بجانبها بكل العطف والحنان، وقدمت لي من الطعام والحلوي، حتي هدأت نفسي، فسألتني لماذا ضربت أختك، وقبل أن أجيبها، قالت لي، هل يعرف أحد من الجيران لماذا ضربت أختك الصغيرة، قلت لا، قالت إذن يقولون إن في هذا البيت بنتا سيئة السمعة، ولذلك يضربها أهلها، هل تريد أن يقال عن أختك ذلك، قلت علي الفور لا، بحسم قالت: البنات لا تضرب، البنات زهرة البيوت، ورجال البيت، وأنت منهم لا يعنفون بناتهن إذا أخطأن، بل يعطفون عليهن، وبنعومة وسلاسة يتم توجيههن، حتي لا يخطئن مرة أخري، وفي مرة كنت أسير في الشارع، سمعت إحدي سيدات الحي وكانت مشهورة بأنها سليطة اللسان، كثيرة الشجار مع الجيران، تقول لجارتها: لم يغلبني أحد في هذا الشارع إلا أم فلان، أمي، ردت الجارة ببراءة، حرام عليك إنها سيدة فاضلة، لا ترد علي أحد، ولا تظهر من شرفة منزلها إلا نادرا، فردت الجارة سليطة اللسان، «ماهو ده السبب» أفعل ما أفعل، ولا أجد أي رد فعل منها، حكيت لأمي ما قالته الجارة سليطة اللسان، ضحكت أمي ولم تعلق، تزوجت أختي الكبيرة، وفي أول زيارة لنا جلست لتحكي بعض المشاكل بينها وبين حماتها، تحولت أمي الوديعة الطيبة، إلي شخص آخر، ونهرت أختي قائلة إياك أن يحدث في بيتك شيء وتقصيه علي الآخرين، البيوت أسرار، أختي أطال الله في عمرها، لم تفعل ذلك مرة أخري، كل شباب العائلة كانت أمي قبلتهم عندما يريدون الزواج، تخطط وتدبر وكأنها وزيرة للمالية، لا يغلبها غلاب، رحمها الله، فمن له مثل أمي؟