أحداث أوكرانيا وتداعياتها تثير مخاوف بلدان شرق أوربا أوضحت الدكتورة نورهان الشيخ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن هذه المخاوف تأتي نتيجة الخبرة التاريخية لدول أوروبا الشرقية التي خضعت للهيمنة السوفيتية لأكثر من أربعة عقود، فمنذ الحرب العالمية الثانية كانت دول أوروبا الشرقية الست الحليفة للاتحاد السوفيتي (رومانيا، ألمانياالشرقية، تشيكوسلوفاكيا، المجر، بلغاريا، بولندا) بمثابة المجال الحيوي للاتحاد السوفيتي ومنطقة نفوذه الأساسية وقد حرص علي استمرار هيمنته علي المنطقة، حتي ولو باستخدام القوة فيما عرف بعقيدة برجينيف والتي تقضي بحق موسكو، بل وواجبها، في التدخل العسكري لمساندة النظم الاشتراكية ومساعدة أي دولة تواجه الاشتراكية فيها تهديدا، وهو ما حدث في تشيكوسلوفاكيا عام 1968. وتخشي دول أوروبا الشرقية أن تكون عودة القرم لروسيا بداية لاستعادة النفوذ الروسي في مجالها الحيوي السابق بأكمله وإحياء الامبراطورية الروسية علي حسابها. حلف الأطلنطي واستبعدت أن تواجه دول أوروبا الشرقية سيناريو مشابها للسيناريو الأوكراني لعدة اعتبارات: أولها أن دول شرق أوروبا انضمت إلي الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي وأصبحت تحت المظلة الأمنية للحلف، ولامجال لعودتها للفضاء الروسي مرة أخري وتعي روسيا ذلك جيدا وليس في أولويات القيادة الروسية استعادة الدور الروسي في هذه المنطقة علي النمط السوفيتي لأن هذا يعني صداما مباشرا مع حلف الأطلنطي أي حرب نووية الكل فيها مهزوم، في حين أن أوكرانيا ليست عضوا في المنظمتين، وأحد أبعاد الصراع هو محاولة واشنطن ضمها إلي حلف الأطلنطي. ثانيا: خصوصية العلاقة بين روسياوأوكرانيا حيث تعتبرها موسكو امتدادا طبيعيا لروسيا وكانت دوما جزءا من روسيا القيصرية، ومنطقة نفوذ رئيسية، بها أهم أساطيلها والأسطول الوحيد لها علي البحر الأسود حيث المنفذ للمياه الدفيئة بمدينة سيفاستوبيل بشبه جزيرة القرم جنوبأوكرانيا ومن المعروف أن القرم كانت جزءا من روسيا حتي منتصف الخمسينات حين قام الزعيم السوفيتي خروشوف بضمها إلي أوكرانيا ويمثل الروس حوالي 60% من سكانها، وتعتبر الروسية اللغة الأولي لحوالي 85% من سكان القرم. أما فيما يتعلق بالدور المنتظر من حلف شمال الأطلنطي والولاياتالمتحدة لحماية حلفائها في دول شرق أوروبا والبلطيق فبمقتضي كون هذه الدول أعضاء في حلف شمال الأطلنطي فإنه في حالة وقوع عدوان عليها فإنه علي أعضاء الحلف الآخرين ومنهم الولاياتالمتحدة التدخل لرد العدوان والدفاع عنها. وعلي الجانب الآخر فقد أوضح السفير رؤوف سعد مساعد وزير الخارجية السابق والسفير السابق لدي روسيا أنه لايعتقد أن نشر وحدات الدرع الصاروخي في بعض دول أوروبا الشرقية مقصود به حماية هذه الدول، حيث تم تحديد هذه المواقع التي تصادف وقوعها في بعض هذه الدول لاعتبارات فنية لخدمة أهداف منظومة الدرع الصاروخي بشكل استراتيجي جغرافي متكامل فالمنظومة كما يصر مسئولو الإدارة الأمريكية وحلف الأطلنطي ليست موجهة إلي روسيا وإنما هدفها تطوير المنظومة الدفاعية للحلف لردع أخطار وتهديدات محتملة أصبحت، بمقتضي مفهومه الاستراتيجي المطور أو الجديد، ضمن مخاطر ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و11سبتمبر ومن بين هذه المخاطر انتشار الأسلحة النووية واحتمال وصولها إلي أيدي الجماعات الإرهابية، كما أشار المسئولون إلي خطر الصواريخ الباليستية من إيران وعرضوا علي روسيا تطمينات مختلفة إلا أن روسيا ترفض إدعاءات الحلف وتطميناته وتعتبر أن إقامة هذه المنظومة يتعارض مع علاقات ومصالح روسيا والغرب في مرحلة مابعد الحرب الباردة، وفيما يتعلق بالعقوبات التي يفرضها الغرب علي روسيا فهي قد لاتحدث نتائج مؤثرة في الأجل القصير، إلا أنها سوف تحدث آثارا موجعة في الأجل الأطول كما أن روسيا تملك أدوات ضغط مؤثرة خاصة أنها توفر 40% من احتياجات أوروبا من النفط يتم تصديره عبر أوكرانيا إلا أنه تثور في هذا الصدد عدة ملاحظات منها أن الضغوط المتبادلة بين الطرفين ليس مقصودا منها الانتقام المتبادل وإنما دفع كل طرف للآخر للاقتراب من موقفه وصولا إلي نقطة توازن. دول الجوار الروسي وقد تأكد منذ أزمة جورجيا ومن بعدها أوكرانيا أن روسيا ليست علي استعداد لإبداء أي مرونة بشأن دول الجوار المباشر والتي تعتبرها حدودا مباشرة ودفعها لاستقلال جمهوريتين في جورجيا واستعادة القرم من أوكرانيا تؤكد بجلاء روسيا علي استعداد لأن تذهب إلي مدي بعيد لوقف أي خطط آنية أو مستقبلية للمساس بدول الجوار المباشر وبصفة أساسية فإن روسيا لن تقبل تحت أي ظروف انضمام أي من هذه الدول إلي حلف الأطلنطي وإلا قبلت بتواجد قوات الحلف وعلي رأسها القوات الأمريكية علي حدودها مباشرة ومايعينه ذلك من إذلال سياسي وتهديد أمني لروسيا وفي نفس الوقت فإن الرئيس بوتين يسعي الآن - ولابد أن يضاعف من جهده - لإنشاء الاتحاد الأوروآسيوي الذي يهدف إلي ضم دول الجوار الروسي تدريجيا خاصة أوكرانيا وبيلاروس ودول آسيا الوسطي والقوقاز، في استعادة جزئية لاستقطاعات الاتحاد السوفيتي الذي يعتبر بوتين أن انهياره يعد أكبر خطأ تاريخي في القرن العشرين.. والعلاقة بين روسيا والغرب خاصة الولاياتالمتحدة سوف تكون دائما عرضة للتقلبات نتيجة تعارض المصالح أو التنافس.