لايمضي أسبوع إلا ونستيقظ علي حادث مروع،يذهب ضحيته شخص أو عدة أشخاص،جرائم غريبة تحدث لأسباب شديدة التفاهة أو شديدة التعقيد ، وتعيش الجرائد ووسائل الإعلام علي تلك الجريمة وتنتعش الجرائد المخصصة لأخبار الجرائم والحوادث ويزداد فضول الناس، لمعرفة أدق تفاصيل الجريمة وأسلوب تنفيذها، وياسلام بقي علي حالة الاستمتاع بمتابعة حال الضحية، يعني كيف أجهز القاتل عليها ، وكيف تمكن منها وقضي عليها، حتي" فرفرت"وأسلمت الروح؟ يبدو أن المجتمع كله أصابته حالة "سادية" ورغبة في التشفي في الضحايا! وتزداد السادية عندما تجد محاولة تشويه سيرة الضحية وكأن ماحدث لها بمثابة عقاب إلهي، علي أخطاء لانعرف ان كانت تستحقها أم لا؟والغريب أن القاتل في كثير من الأحيان ينال تعاطف الناس بينما تذهب الضحية إلي قبرها وتشيعها اللعنات، ومآدب النميمة! حال المجتمع المصري تغير وإزدادت حوادث العنف، وأصبحت مشاهدة الجثث الطازجة مزاجا عند البعض، زمان لما كنا نشاهد حادث سيارة كنا نخفي أعيننا حتي لانشاهد منظر الدماء الذي يغرق بقايا السيارة، ودلوقت الناس تجري تتفرج علي الجثث وكأنها تتابع فيديو كليب أو لعبة فيديو جيم! ولذلك شعرت بدهشة شديدة، وأنا أقرأ بعض الملحوظات الرقابية علي مسلسل بالشمع الأحمر، حيث جاء فيها أن منظر الجوانتي الطبي الذي ترتديه يسرا "إخصائية الطب الشرعي" عليه بقع دماء سوف تثير مشاعر المشاهد! كما ان عمليات تشريح الجثث لاتليق للعرض التليفزيوني، طيب مسلسل تدور أحداثه حول السيدة فاطمة يونس مديرة المشرحة والطبيبة الشرعية حايكون فيه مشاهد حب ورومانسية؟ ثم إن نفس الرقابة مش برضه قرأت السيناريو وأجازته قبل تصويره؟ علي كل حال نحن أمام مسلسل من نوع خاص جدا، شارك في كتابته ورشة مكونة من مريم ناعوم، محمد فريد، نادين شمس وأخرجه سمير سيف، ويمتاز المسلسل بدقة التفاصيل وخاصة مايتعلق منها بالجانب المهني لبطلة المسلسل، مع الاعتماد علي مجموعة حوادث مثيرة تابعها المجتمع المصري في السنوات الأخيرة ومازالت حاضرة في ذاكرته. مسلسل بالشمع الأحمر يكسر قوالب نمطية للدراما التليفزيونية وتعود معه يسرا إلي سابق تألقها ، وتذكرنا بمستواها في مسلسل حياة الجوهري عندما كانت تعيش الشخصية وتسكنها وتتحرك وتتكلم بمنطقها، وتتخلي عن جمال وأناقة النجمة يسرا ، وإذا تكلمنا عن براعة الاستهلال، فسوف نكتشف أن المخرج تعمد أن يصور البطلة د.فاطمة من قدميها وهي تنزل من سيارة كانت تصطحبها إلي إحدي قري الصعيد لتقوم بالكشف علي بكارة فتاة، اتهمها زوجها في ليلة عرسهما بأنها ثيب وهو الأمر الذي كادت تطير من أجله الرقاب! وكانت دكتورة فاطمة"يسرا"ترتدي شبشبا في قدميها، وهوماجعلني أطمئن إلي أن يسرا واخدة بالها من تركيبة الشخصية التي لايمكن أن ترتدي في هذا الموقف وهذا المكان حذاء نسائيا بكعب عال، تفاصيل بسيطة في الملابس وتسريحة الشعر والحركة والنظرة واستخدام المشرط أو أدوات التشريح، مع حفظ لبيانات طويلة وتفاصيل خاصة بكل حالة، البعض يظن أنه من غير اللائق أن تقول علي نجم له شهرته أنه وصل إلي مرحلة نضج، أو ظهر عليه اهتمام بمفردات الشخصية، وكأن النجومية تحميه من الوقوع في الخطأ والحقيقة أن النجم الذي يسعي للحفاظ علي نجاحه لابد وأن يكون في حالة تحد دائم لنفسه ليصل بها إلي مناطق أكثر إبداعا مما سبق أن قدمه، أحيانا مايحقق العمل الجيد حالة من البريق والتألق لمعظم أبطال المسلسل.. هشام عبد الحميد في دور الزميل والحبيب الذي يكن للدكتورة فاطمة حبا صامتا لايفصح عنه، رغم أنها تبادله نفس المشاعر وبنفس الصمت وعدم القدرة علي البوح! حالة من الحب المتوهج المسكون في القلوب دون أمل في غد، فالدكتور حسن "هشام عبد الحميد" متزوج من أخري "شيرين" وله عائلة صغيرة يسعي للحفاظ عليها وضمان استقرارها، وهي "يسرا" مطلقة رجل أعمال فاسد "سامي العدل "تسعي جاهدة لإبعاده عن إبنهما الوحيد "محمد إمام" حتي لاتفسده طبائع وسلوكيات والده، ولكن الابن الشاب يميل طبعا إلي والده الذي يوفر له الكثير من الحماية والرفاهية التي تعجز الأم عن الوفاء بها! أزمة مسلسل بالشمع الأحمر إنه يحطم القوالب التقليدية للدراما التليفزيونية، ولايتحرك في خطوط متصاعدة ولكن إلي خطوط أفقية ورأسية في نفس الوقت، فمع كل حلقة نتابع جريمة جديدة ، وتصبح مهمة د.فاطمة أن تبحث عن دليل إدانة تساعد رجال المباحث في التوصل إلي المجرم، ونتابع معها كيف يمكن للأخطاء الصغيرة التي يرتكبها الجاني أن تكون سببا في الوصول إليه، لعبة ذكاء ومهارة وخبرة وعلم، هذه النوعية من المسلسلات لم تقترب منها الدراما المصرية طوال تاريخها الممتد لأكثر من نصف قرن،كان فيها كُتاب المسلسلات يتجنبون الخوض فيها إما لعدم درايتهم الكافية بأصول اللعبة أو لنقص المعلومات أو خوفا من التجربة، ولذلك فإن شجاعة الإقدام علي التعامل مع هذا اللون من المسلسلات رغم صعوبته، يستحق الثناء ، المخرج سمير سيف يقدم مستوي شديد الرقي في التعامل مع الجرائم التي يتضمنها العمل ، ويستخدم الإيحاء الذي يجعل خيال المشاهد في حالة شغل طوال الوقت لتكملة الصورة، ففي حالة طبيب التخدير القاتل "سناء شافع" نشاهده يسحب جثة القتيل بوضعه علي سجادة ويصل بها إلي البانيو ثم يقوم بتقطيع أوصاله حتة حتة بالمنشار حتي يصبح فتافيت! ورغم ذلك فنحن لانشاهد الجثة ولانشاهد التقطيع ولكن الايحاء يكمل الصورة في أذهاننا، من الأدوار الصغيرة التي لفتت الانتباه "أشرف مصيلحي" قاتل شقيقته وسناء شافع، موسيقي خالد حماد تشبه كثيرا موسيقي مسلسل "أوان الورد" التي قدمها في عام 1999ولازالت عالقة في الأذهان!