هل حدث تغيير شامل في مفهوم الجريمة ونوعية القائمين بها؟.. وما الأسباب الحقيقية التي تدفع بأساتذة جامعات أو مسئولين في جهاز الدولة أو أصحاب مكاتب استشارية إلي السجن؟.. و في السابق كانت الجريمة في معظمها تقع لأسباب اقتصادية أو إحباط نفساني وعاطفي لكن الجريمة اليوم تقع في أوساط راقية ثقافيا ومرتاحة اقتصاديا والأكثر من ذلك أن لديها فائض وعي بالقانون فما الذي يجري؟ الأمر محير لخبراء علم النفس وعلماء الاجتماع، فهناك انقلاب في النظريات العلمية لتحليل دوافع الجريمة، ولاسيما مع ارتفاع أعداد جرائم المثقفين في العقد الجاري والتي طالت عددا من المثقفين وأصحاب الياقات البيضاء مثل قضية الرشوة المتهم فيها المستشار الهندسي لوزير الصحة وهو أستاذ بكلية الهندسة والذي حكم عليه بخمس سنوات و 3 سنوات لثلاثة مهندسين شاركوا معه.( جريدة الجمهورية) أو جرائم هتك عرض ينفذها معلمون في المدارس الإعدادية أو جرائم التزوير ومنها جريمتان الأولي لمهندس زراعي وعمال يروجون عملات مزيفة في نجع حمادي ( المساء) والثانية لموظف بالضرائب العقارية في الحسينية شرقية يقوم بتزوير المحررات الرسمية ويستخدم أختامًا حكومية مزورة. (المساء) أو جريمة قيام طبيب مشهور ومعه التمرجي بقتل تاجر بعد خلاف علي سداد مبلغ له صلة بصفقات تجارية بينهما. وارتبطت في الأعوام الأخيرة شرائح من الطبقة الراقية من أبناء رجال الإعمال والإعلاميين وأبناء الفنانين بالحوادث الإجرامية من قتل وسرقة وأعمال مخلة بالشرف وكان آخرها اتهام المذيع التليفزيوني إيهاب صلاح بقتل زوجته ومن قبلها أيضا تابع المصريون والعرب حادثة مقتل الفنانة الشابة سوزان تميم والتي اتهم فيها رجل الأعمال هشام طلعت مصطفي ومقتل ابنة الفنانة المغربية ليلي غفران والتي اتهم فيها زوج القتيلة حتي ثبتت براءته ... هل هناك بالفعل انقلاب في أنماط الجريمة ودخول فئات جديدة إليها؟ وهل هناك حالة من الضيق الاجتماعي دفعت البعض إلي التخلي عن ثقافتهم واللجوء إلي العنف؟ دراسات ميدانية يقول الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة إن هناك حالة من التوتر والعصبية في السلوك العام للمصريين ظهر بشكل حاد خلال العقد الجاري ، الأمر الذي يحول أي مشكلة بسيطة إلي جريمة يقع فيها ضحايا وفي أوقات سابقة كان يمكن لمثل هذه الجرائم أن تنتهي بتدخل وسطاء أو حكماء من الأهل والأصدقاء لكن هناك حالة عزوف عامة عن التدخل لفض المنازعات وانتشر المثل الشعبي القائل"ماينوب المخلص إلا تقطيع هدومه" ويشير إلي ظاهرة خطيرة هي أن أكثر من خمس المجتمع المصري مصاب بالإحباط وان 16 مليون مصري يمثلون 20% من السكان مصابون بالاكتئاب و أن 1.5 مليون منهم مصابون بالاكتئاب الجسيم ، يقدم 15% منهم علي الانتحار ( 225 ألف شخص) . ومن واقع الدراسات يقول الدكتور عكاشة إن الأعراض الاكتئابية تظهر بين 30% إلي 38% وهي تصل إلي 28% في الحضر و 38% في الريف. كما أكد الدكتور ناصر لوزة الأمين العام للصحة النفسية أنه يوجد 14 مليون مصري مصابون بأمراض نفسية. التي تؤدي إلي ارتكاب الجرائم بدليل ارتفاع معدلات الجرائم التي يمارسها مثقفون يفترض فيهم العقل والحكمة لكن يبدو أن العقل مشوش والحكمة متوترة. وحذرت دراسة لمركز حوار للتنمية وحقوق الإنسان من ارتفاع معدلات الجريمة خلال العام الماضي 2009م وحتي بداية عام 2010م،وأوضحت الدراسة أنّ تحليل أنماط الجريمة ثبت أن المثقفين ينفذون 18%من إجمالي الجرائم التي تقع في بر مصر وان ابرز أنواع جرائم المثقفين هي جرائم الشيكات والتزوير والرشوة والنصب وأقل الجرائم هي القتل مع سبق الإصرار والترصد..وأكدت الدراسة أنّ من بين الجرائم كان هناك 63 جريمة وقعت بالقاهرة، و24 بالجيزة، و2 بقنا، و4 بالإسكندرية، و3 بالمنيا، وواحدة بكل من سوهاج وأسيوط، و2 بالفيوم، و11 جريمة مجهولة المكان. وقد أشارت الدراسة إلي ارتفاع معدلات الجريمة لدي الأوساط الراقية والمثقفة بنسب متزايدة عن الأعوام السابقة مما يضع عددًا من علامات الاستفهام حول تلك الظاهرة. جرائم العنف ويري الدكتور إمام حسين أستاذ القانون الجنائي بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية أن عام 2009 وبدايات عام 2010 يعتبر من الأعوام النادرة الذي شهده المجتمع المصري ويسمي هذا العام بعام "جرائم العنف" حيث شهد علي المستوي العلمي مجموعة من الجرائم الإنسانية الغريبة عن هذا المجتمع، والتي اصطحبت هذه الجرائم عقوبات الإعدام مما يجعل هذا العام شديد الصعوبة. ويؤكد أن هذه الجرائم نالت البعد الإعلامي الكبير بسبب ارتكاب شخصيات عامة ورجال أعمال وناس مثقفين معظم الجرائم وأصبحت الآلة الإعلامية قادرة علي أنها تؤثر في الرأي العام بشكل كبير، وتضخم هذه الآلة يؤدي إلي سرعة انتشار الأخبار، موضحًا أن الانتشار الإعلامي للجريمة أعطي انطباعًا أكثر عن شكل الجريمة وجعل إحساس رجل الشارع بهذه الجرائم وتفاعله معها كبيرًا.ويوضح أن الضغوطات اليومية الواقعة علي المواطن بجانب الزحام الشديد لحركة المرور تعد أحد الدوافع وراء نظريات علم الإجرام علاوة عن الإدمان والانحلال الأخلاقي إذ إن المدمن يرتكب جرائمه في سبيل حصوله علي المخدرات أو تحت تأثيرها أبشع الجرائم مثل زنا المحارم وقتل الآباء والأمهات. ويشدد علي أن ما حدث طوال هذا العام جرس إنذار لأجهزة القائمة لضرورة أن تتخذ المزيد من الاحتياطات والاهتمام بالأمن الاجتماعي، ومحاولة ضبط الشارع المصري وأن تعي الأجهزة الأمنية أن المجتمع يمر بحالة من العنف الداخلي، بجانب اتخاذ الأجهزة المحلية الإجراءات التي تحمي المواطنين من ارتكاب هذه الجرائم. الغضب ويوضح هشام البحيري رئيس قسم علم النفس جامعة الأزهر أن مصطلح "الجريمة" يعني حدوث عدوان خارجي علي الآخرين متمثلاً في جرائم الاعتداء علي النفس، وذلك نتيجة غضب مستمر ومتزايد داخل نفس الإنسان.ويعرف الغضب قائلاً: "الغضب هو التعبير الغريزي، والطبيعي للرد علي أي محاولة تعدٍ وتجاوز وامتهان لإنسانية الإنسان والتعدي علي حقوقه، وهو حالة طبيعية ضد أي تهديد خارجي يهدد وجود الإنسان ومعتقداته الفكرية والعقائدية، فكمية من تعبير الغضب تكون مهمة أحيانًا للبقاء". ويؤكد أن الانفعال قد يبطش بصاحبه من خلال التفاعلات تحدث في الجسم نتيجة التغيير المفاجئ في تدفق الدم وارتفاع نسبة دقات القلب وانخفاض السكر في الدم وقد لا يجد متنفسًا فيرتد كل ذلك التفاعل إلي الذات، ولكن قد يفلت الأمر من يد المنفعل الغاضب فيأتي بفعل يؤدي إلي الجريمة بحق الآخرين فتسير الأمور من سيئ إلي أسوأ. الجرائم الانفعالية وتري الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع ومدير مركز البحوث الاجتماعية أن المثقفين هم شريحة من المجتمع الواقع تحت ضغوط كبيرة بسبب عدم التوازن بين الدخل والإنفاق للأفراد، علما بأن المثقفين هم الأكثر إنفاقا وهم يحتاجون إلي المال أكثر من غيرهم نظرا لاهتمامهم بجوانب الحياة الراقية من مأكل وملبس وخلافه بعكس الفقراء الذين يستهلكون ماهو متوفر بدون تطلعات كبيرة.. وتضيف أنه نظرًا لطموحات المثقفين والصورة المأخوذة عنهم ومتطلبات حياتهم تدفع الكثيرين إلي الرشوة والاحتيال ويتورط أحيانا ضباط الشرطة فهم أفراد من المجتمع ورغم معرفتهم بالقوانين والعقوبات إلا أن الضغوط تكون قوية وقد لاحظنا في جريمة المذيع ايهاب صلاح انه لم يهرب من مكان الجريمة بل سلم نفسه للشرطة أي انه يعلم جيدا العقوبة لكن الجريمة تقع حتي وان حفظ الناس القانون عن ظهر قلب. وهذا مايفسر ورود أسماء شخصيات مرموقة -لم تكن موجودة من قبل - في قائمة الجناة، وعلي رأسهم أطباء ورجال دين ومدرسون ورجال شرطة وهو ما ينذر بكارثة ويهدد سلامة وأمن المجتمع.