البابا تواضروس الثانى فى احتفالات الأقباط بأعيادهم المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمود حمدي زقزوق (وزير الأوقاف الأسبق) من أوائل الذين دعوا للحوار بين الأديان والحضارات، والتعايش الإيجابي مع أصحاب الديانات. ومع حلول عيد الميلاد المجيد يشرح فضيلته معجزة ميلاد السيد المسيح (عليه السلام) فبالرغم من أنه بشر إلا أن القرآن الكريم يعتبره آية من آيات الله، ثم تبع مولده معجزات أخري عديدة في حياته. أما دلائل تكريم الرحمن لوالدته فإنها المرأة الوحيدة التي ورد اسمها صريحا في القرآن الكريم، ومثلا أعلي لنساء العالمين! وقد وصف القرآن الكريم عيسي (عليه السلام) وأمه بأنهما من آيات الله وعلي الرغم من أنهما بشر وهذه حقيقة يؤكدها القرآن - فإنهما يعتبران بإسلامهما لله آية من آياته سبحانه وتعالي الذي جعلهما بالتالي آية للناس! ويسجل القرآن الكريم أن أم السيدة مريم تميزت في أعمالها بالخضوع لله، فعندما كانت حاملا نذرت لله ما في بطنها، فلما وضعت مريم دعت الله أن يحفظها فاستجاب الله لها تقديرا لتقواها.. يقول القران الكريم: {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا}. مثل أعلي للنساء وأصبحت مريم صديقة، صدقت بكلمات ربها وكتبه، وواحدة من القانتين، ومن الله عليها بالروح الإلهية، يقول القرآن الكريم: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين}. وتعد السيدة مريم كما يقرر القرآن الكريم مثلا أعلي للنساء جميعا، وأبلغتها الملائكة أن الله قد اصطفاها، وأن عليها أن تقنت لربها، وأن تركع في خشوع، هذا ما قالته لها الملائكة كما جاء في سورة آل عمران. {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين(24) يامريم أقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين}. وبشرت مريم بمعجزة مولد عيسي عليه السلام بوصفه مولد (كلمة من الله) يقول القرآن الكريم: » إِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ « (46). فلما سألت مريم الملك كيف يمكن أن يكون لها ولد ولم يمسسها بشر، قال لها: » اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَي أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون«ُ (47) معجزة ميلاد المسيح وطبقا لما قاله الملك فإن معجزة مولد عيسي بغير أب تحدث بالأمر الإلهي »كن«. وهذا هو تفسير التراث الإسلامي لوصف عيسي بأنه »كلمة من الله« كما جاء في بشارة الملك. وعن ميلاد عيسي عليه السلام يقول القرآن أيضا: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَي عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون}. وقد تبعت معجزة ميلاد عيسي عليه السلام معجزات عديدة في حياته، بدأت بعد مولده مباشرة فعندما وجه الناس اللوم إلي مريم، لأنها ولدت طفلا دون أن تكون متزوجة، وهي من أسرة شريفة، أشارت. كما يقول القرآن الكريم، إلي عيسي عليه السلام فسألوها: {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا}؟ وهنا حدثت المعجزة وتكلم عيسي صبيا في المهد!! ومريم كما ذكر القرآن الكريم، صديقة .. أي متمسكة كل التمسك بالصدق، وقد أسلمت مريم لله حسب التعبير الإسلامي وخضعت لهدايته. وعلي الرغم من كل ما أنعم الله به علي مريم وعيسي عليهما السلام فإن القرآن الكريم يقرر أنهما بشر، يحتاجان إلي هداية الله، ولقد أشرنا من قبل إلي أن القرآن قد وصفهما بأنهما من آيات الله، وبأنهما بشر. وأثبت القرآن هذه الحقيقة مبينا أنهما كانا من البشر لقد »كانا يأكلان الطعام« وكانا آيتين من آيات قدرة الله سبحانه وتعالي! روح من الله ويذكر القرآن الكريم أن الله أنعم علي مريم وعيسي عليهما السلام بروح من عنده لحرصهما علي الخضوع والخشوع لله فعجلهما آيتين من آيات الله. أما وصف عيسي عليه السلام بالألوهية فيرفضه القرآن الكريم كل الرفض .. فهذه الصفة تتناقض مع الإيمان بالله الواحد الخالق البارئ رب الناس، رب العالمين.. ولكن الدرجة الرفيعة التي تتبوؤها مريم في القرآن الكريم تظل علي رفعتها لا ينقص منها شيء علي الإطلاق، فالقرآن يشتمل علي سورة كبيرة من سوره تحمل اسمها. ومن دلائل تكريم الله لها أنها المرأة الوحيدة التي ورد اسمها صريحا في القرآن الكريم. ويقول القرآن الكريم عن مريم وابنها عيسي، عليهما السلام: {وجعلناها وابنها آية للعالمين}. الحواريون وصفهم القرآن لقد كان عيسي عليه السلام كما يشير القرآن الكريم عبدا من عباد الله، وفي الوقت نفسه كان (رحمة) من الله، أو كما ذكر القرآن الكريم: {ورحمة منا} (مريم: 12) أما تلاميذ المسيح وهم الحواريون، فقد وصفهم القرآن بأنهم أنصار الله .. وحتي تتضح الصورة علي نحو أفضل فإن علينا أن نفصل القول فيما يلي في هذه الأمور من وجهة النظر الإسلامية: العبودية لله: ظهر عيسي عليه السلام إنسانا حرا في عالم انقاد فيه الناس للآلهة المادية المزيفة انقياد المستعبدين. ويشير القرآن الكريم المرة تلو المرة، دعما لرسالته، إلي ضرورة دراسة التاريخ. فقد حدث في أزمان مختلفة أن أعلن أناس كثيرون أنفسهم آلهة أو أشباه آلهة، وعبدهم العامة!! وقد ألغي عيسي هذا الوهم الذي سيطر علي قطاع كبير من عامة الناس وعلي قلة من المتعالين الذين نسبوا أنفسهم زورا إلي الألوهية. ودعا عيسي الناس، علي العكس، من ذلك، إلي عبادة الخالق الواحد إله الناس وملك الناس، مبينا أن هذا هو الطريق لنيل رحمة الله، وذلك هو صراط الله المستقيم. هذه الادعاءات الكاذبة والقرآن الكريم يبين لنا أن عيسي عليه السلام لم يقل للناس قط أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله، بل وقف صراحة في وجه مثل هذه الادعاءات! رحمة من عند الله: لقد سبق أن أشرنا إلي ماجاء في القرآن الكريم من وصف عيسي عليه السلام بأنه »آية« ويضيف القرآن إلي ذلك وصفين آخرين أولهما أنه (رحمة) من عند الله {ولنجعله آية للناس ورحمة منا} وثانيهما أنه علم الساعة. {وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم}. والسؤال عما إذا كان المقصود بهذا الوصف الأخير التنبؤ بأن عيسي عليه السلام سيظهر في آخر الزمان كما يذهب إلي ذلك بعض المفسرين سؤال لايمكن الإجابة عنه بصورة قطعية اعتمادا علي النصوص القرآنية. فالذي يتضح من النص القرآني بجلاء تام أن رسالة عيسي عليه السلام بوصفه {ورحمة منا} ترتبط بناء علي هذا في علاقة وثيقة لاتنفصم برسالة العدل الإلهي وترتبط بالتالي بيوم الحساب. ومن هذا المنطلق يتضح مضمون عبارة قرآنية أخري عن عيسي عليه السلام وهي: {ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا}. الوجه الآخر للعدل والحق أنه ليس من الرحمة في شيء الزعم بأن حكم الله سبحانه وتعالي علي سعي الإنسان وعمله يستند إلي الرحمة الإلهية وحدها، ولايستند إلي العدل الإلهي.. ومن هنا لايصح، عند تأمل رحمة الله، أن ننسي أنها الوجه الآخر لعدل الله الذي شاءت إرادته ألا يغفل عن أي إنسان.. ولهذا جاء بعد الحديث عن وصف عيسي عليه السلام بأنه {لعلم للساعة} والساعة هي يوم القيامة قوله تعالي: {فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم}. وفي ختام هذا العرض للتصور الإسلامي لعيسي عليه السلام نجد أن الكلمة المحورية هنا هي: السلام.. لقد طلب المسيح السلام، والمسلمون يرجون السلام.. والقرآن الكريم يبين لنا أن هناك طرقا مختلفة إلي السلام الذي هو نعمة من عند الله: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات).. وعلي المسلم عندما يجادل أتباع الأديان الأخري أن يجتهد في أن يكون قدوة لغيره متمسكا بالجدال بالتي هي أحسن وملتزما بآداب الإسلام وتعاليمه، يقول القرآن الكريم: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون). لا إكراه في الدين ومن هنا لا يجوز للمسلمين أن يحاولوا فرض التصور الإسلامي علي غيرهم من أهل الكتاب.. فالله وحده هو الذي سوف يفصل بين الجميع في النهاية: (إلي الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون). ومن سماحة الإسلام التي تفوق كل تصور أن القرآن الكريم قد وعد أصحاب الديانات الأخري بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون إذا استوفوا شروطا ثلاثة هي: الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح، وذلك دون الدخول في أي تفاصيل أخري تتعلق بالمعتقدات وفي ذلك يقول القرآن في صراحة ووضوح: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)..