فى الكتب السماوية جاء ذكر المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، فقبل ميلاده بشر به التوراة، فيما تنزل القرآن الكريم على محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وفى غير موقع منه جاءت سيرة المسيح، فرسمت آيات الكتاب الكريم صورة لابن مريم وسيناريو حياته فكان خير احتفاء بالسيد ابن البتول الذى تتبع القرآن مسيرته من قبل ميلاد والدته مريم ابنة عمران حتى رفعه للسماء، بل ورسم الكتاب الحكيم سيناريو عودته فى آخر الزمان.. الدكتور أحمد عثمان من علماء الأوقاف أشار إلى أن احتفاء القرآن بالمسيح عليه السلام بدأ قبل ميلاد والدته العذراء مريم عليها السلام وظهر ذلك فى قوله تعالى «إذ قالت امرأة عمران رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محرراً فتقبل منى إنك أنت السميع العليم، فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب». ويشير عثمان إلى أن ذرية آل عمران اصطفاها الله تعالى واختارها كما اختار آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين وهى اسرة كريمة مكونة من عمران ووالدة مريم ومريم وعيسى عليه السلام فعمران جد عيسى لأمه وامرأة عمران جدته لأمه لافتا أنه ليس هو المقصود فى قصة سيدنا موسى عليه السلام ولكنه جاء بعده بعدة قرون وكان عمران صاحب صلاة بنى إسرائيل فى زمانه وكانت زوجته امرأة صالحة كذلك وكانت لا تلد فدعت الله تعالى أن يرزقها ولدا ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس فاستجاب الله دعاءها ولكن شاء أن تلد أنثى هى مريم وجعل الله تعالى كفالتها ورعايتها إلى زكريا عليه السلام وهو زوج خالتها وإنما قدر الله ذلك لتقتبس منه علما نافعا وعملا صالحا وكانت مريم مثالا للعبادة والتقوى وأسبغ الله تعالى عليها فضله ونعمه مما لفت أنظار الآخرين فكان زكريا عليه السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا، فيسألها من أين لك هذا فتجيب أنه من عند الله. مؤكدا أن ذلك كان تمهيدا للمعجزة الكبرى حيث ولد المسيح عليه السلام من هذه المرأة البتول دون أب كسائر الخلق وجاء ذلك فى قوله تعالى «وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين «وقوله» إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين، ويكلم الناس فى المهد وكهلاً ومن الصالحين ، قالت رب أنى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وكذلك تفصيل القصة فى موضع آخر من القرآن الكريم فى سورة مريم بقوله تعالى «وأذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً، فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً، قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً، قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً، قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغياً، قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً». مواصلاً يقول عثمان إنه بعد ذلك كبر المسيح عليه السلام ونزل عليه الوحى وأعطاه الله الإنجيل وكان عمره آنذاك ثلاثين سنة واظهر الله على يديه المعجزات ويأتى ذلك فى قوله تعالى فى سورة ال عمران «ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، ورسولا إلى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين» كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين، ومصدقا لما بين يدى من التوراة ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون، إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم» وذلك كله ليقيم عليهم الحجة القاطعة لكنهم كعادتهم دائما لم يدخل الإيمان إلى قلوبهم واستمروا فى حربهم له. الغريب أن الحواريين أنفسهم وكعادة بنى إسرائيل لم يكن معظمهم مؤمنا بصورة كاملة وظهر ذلك فى قوله تعالى فى سورة المائدة «إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين، قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين، قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين، قال الله إنى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنى أعذبه عذابا لا أعذبه أحداً من العالمين». عثمان أشار إلى أن اليهود بدأوا يدبرون لقتل المسيح عليه السلام خوفا على نفوذهم ولكن الله رد كيدهم فى نحورهم ورفع رسوله إليه وجاء ذلك فى قوله تعالى فى سورة النساء «وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً، وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً» وهنا يؤكد عثمان أن تفاصيل حياة المسيح عليه السلام ذكرت فى أكثر من موضع بالقرآن الكريم وذلك يدل على احتفاء الإسلام به مشيراً إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم فى الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات.. أمهاتهم شتى ودينهم واحد». بينما هناك آيات واسفار من التوراة أو العهد القديم تكشف عن ملامح وملابسات وتبعات عديدة وتفاصيل مهمة ومثيرة من حياة المسيح قبل مجيئه بمئات السنين..فمثلا فى سفر اشعياء ورد أن «يعطيكم السيد نفسه آية العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه «عمانوئيل» وهى نفسها معجزة مولد سيدنا عيسى من السيدة مريم العذراء دون أن تتزوج والتى وردت قبل مجيئه بمئات السنين إلا أنها لم تترجم فعلا إلا بمولده بتلك الكيفية كذلك اسم عمانوئيل أحد الأسماء المعروفة الآن لنبى الله عيسى المسيح رغم كونه من الأسماء المستغربة فى وقتها. أيضا آية أخرى «أما أنت يا بيت لحم أفراته، وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل «وهو ما حدث بالفعل حيث ولد المسيح فى قرية صغيرة تدعى الناصرة التى تقع فى نطاق بيت لحم وتعرض لحملات تهكم وتشكيك شديدين من بنى إسرائيل عند عرضه ونشره لرسالته بينهم.وكذا المزامير وهى أحد أفرع العهد القديم أى التوراة تحدثت عن ملابسات نشر المسيح لرسالته واندساس بعض المأجورين ممن وصفتهم ب «الكلاب» وأصبحوا من اتباعه وحوارييه ووشايتهم به وتنبأت بدعوة اليهود لثقب يديه ورجليه فيما عرف بعدها بالصلب «أحاطت بى كلاب جماعة من الأشرار ثقبوا يدى ورجلى أحصى كل عظامي، وهم ينظرون ويتفرسون فى يقسمون ثيابى بينهم، وعلى لباسى يقترعون».