جلست بجواره صامتة في انتظار دوره لعمل أشعة المسح الذري.. تحاشت النظر إليه.. امتدت يدها بسرعة لحقيبتها أخرجت رواية كانت بدأتها قبل اكتشافها مرضه.. انتقلت عيناها المثقلتان بين السطور بعقل مشتت ونصف تركيز.. لم تتوقف إلا بعدما نودي علي اسمه ليتجه لغرفة الأشعة.. رافقته حتي بابها وعادت بخطي متثاقلة تغالب دموعها وتتمتم بالدعاء وتستعين بآيات القرآن لتهدئ ثورة بركان القلق الذي عصف بها كعادته بغير رحمة.. لم تنتبه لأخري تجلس بجوارها تربت علي يديها بحنو وتشاركها نفس الدعاء. كانت مثلها قبل قليل تبدو للآخرين رابطة الجأش متماسكة قوية. علي عكس زوجها الذي بدت عليه علامات الفزع تنطق بها كل ملامح وجهه بينما تتساقط دموعه كطفل ضعيف بلاحول ولاقوة.. امتدت يدها لتشد من أزره وشجعته بكلمات مقتضبة ثم أسرعت للموبايل تفتحه وتجذبه لمتابعة ما فيه ولم تتركه حتي انقلبت دموع زوجها لابتسامة متفائلة.. هكذا نتحايل لمواجهة شبح الخوف من المرض والموت والفقد ورحيل الأحباب، تتعدد الطرق والهدف والهروب واحد.. المهم أن نهرب من قلق الانتظار من التفكير فيما بعد صدمة اكتشاف المرض.. قبل التوهة بين نتائج التحاليل وأرقامها ووضع الأيدي علي القلوب في كل مرة أن تأتي بما يبث الطمأنينة ويشير إلي السيطرة ولو مؤقتا علي الخبيث.. نهرب ونحن ندرك تماما أن لابد لهروبنا من آخر وأننا في لحظة سنواجه الواقع بكل مرارته وقسوته لكننا لا نكف عن تأجيل تلك المواجهة قدر ما نستطيع.. يقتلنا الفزع فنعانق الحياة بابتسامة رضا وقلب مطمئن.. تلهينا لعبة ويضحكنا موقف ساخر ينسينا شر البلية وتطمئننا كلمات حنون دافئة من قلب أخ وصديق أو نفوز بأجمل نعمة عندما تطبطب علينا يد حفيد يحتضننا فجأة ويقبلنا برقة فتهون معها كل آلام الدنيا وتنزل علي أحزاننا بردا وسلاما فتعود لنفوسنا السكينة والاطمئنان.. هو لطف من الرحمن الذي كتب اليسر مع كل أمر عسير.. فاللهم لاتحملنا مالاطاقة لنا واعف عنا فإنك علي كل شيء قدير.