خيال حر محلق وأصابع مرنة تداعب الخطوط بحرفية فتبدع أجمل اللوحات.. تسحرني إبداعاتهم أتأملها بشغف وإبهار تمتعني وتشفيني من بقايا فوبيا "حصة الرسم" التي داهمتني في الطفولة المبكرة.. لا أعرف ما السبب في كراهيتي لتلك الحصة.. هل لعدم موهبتي في الرسم أم بسبب ذلك التجهم والحدة التي وسم مدرسو الرسم علي مدار مراحل التعليم المختلفة التي مررت بها .. لم يتعب أي منهم نفسه في تعليمنا شيئا عن فن الرسم.. لم يجهدوا أنفسهم في تعريفنا رسم الخطوط والأشكال والأشياء بشكل مبدئي بسيط يزداد تعقيداً شيئاً فشيئاً حتي نصل لدرجة الإتقان. لم يعلمونا شيئا عن الظلال والألوان والتفاصيل والعمق والحدود والقياس وانعكاس الأجسام وغيرها من قواعد الرسم الأساسية. وكل ما كانوا يفعلونه أوامر صارمة مقتضبة يملونها علينا في أول الحصة "ارسموا بداية العام الدراسي.. شم النسيم.. العيد.. الأهرامات.. النيل.. السوق" فقط دون شرح وتفصيل وتعليم وشحذ للعقل لحثه علي التخيل والإبداع.. نجتهد قدر استطاعتنا وبالقطع كان منا الموهوبون كنا ننظر إليهم بإبهار ونثمن جمال لوحاتهم وإن كانت لا تسلم من نقد أحيانا يكون قاسياً من هؤلاء الذين تقمصوا دور بيكاسو فيوسعون الصغار سخرية تحبط المبدعين منا وتزيد عديمي الموهبة كرهاً في تلك الحصة.. ربما يكون حظي العثر ما أوقعني في هؤلاء وكانوا سببا في شعوري بالارتياح عندما التحقت بالقسم العلمي بعدما تخلصت نهائياً من حصص الرسم المملة.. سنوات طويلة مضت قبل أن أبرأ من فوبيا الرسم. حدث ذلك بالصدفة بينما ألهو مع ابنتي وأقرأ لها بعض قصص الأطفال والتي يصاحبها عادة رسوم بسيطة لحيوانات وطيور وأشجار وغيرها.. شدتني الخطوط وحاولت تقليدها وشيئاً فشيئاً تعلمت رسم بعضها.. لم يكن بالطبع علي درجة عالية من الإتقان لكن كان يكفيني أنها اقتربت ولو قليلاً من الشكل المرسوم أمامي.. الرسم إذاً ليس موهبة فقط وإنما يمكن تعلمه.. أدركت ذلك قبل ظهور وانتشار معاهد متخصصة لتعليم الرسم وهي بالطبع معاهد خاصة أما في مدارسنا الحكومية منها والخاصة فمازالت علي قديمه حصة الرسم فيها تضييع وقت وأي شخبطة والسلام.