عندما نتحدث عن أزهي عصور العلاقات التاريخية بين مصر وقبرص فإن ذلك لابد أن يعيدنا لحقبة حكم الزعيم الراحل عبدالناصر. تعاظمت هذه العلاقة من خلال حركة عدم الانحياز التي شارك في تأسيسها مع الزعيم الهندي جواهر لال نهرو وزعيم وقائد يوغوسلافيا الموحدة قبل تقسيمها »تيتو». انضم إلي هذه الكوكبة.. زعماء العالم الثالث بما فيهم الانبا مكاريوس قائد كفاح استقلال قبرص ضد الاستعمار البريطاني وهو الذي سمي باسمه أرفع وسام قبرصي. جمع بين زعماء هذه الدول - في إطار حركة عدم الانحياز - الدعوة إلي التحرر ومكافحة الاستعمار وتعظيم التعاون فيما بينها لصالح رخاء شعوبها ودعم استقلال قرارها. جري ذلك في خمسينيات وستينيات القرن الماضي حيث كانت هناك مؤتمرات دورية وزيارات متعددة متبادلة بين رؤساء هذه الدول لتفعيل مبادئ حركة عدم الانحياز.. ونظرا للقرب الجغرافي بين مصر وقبرص إضافة إلي العلاقات التاريخية الراسخة بين مصر واليونان التي تعد الشقيقة الكبري لدولة قبرص المستقلة فقد شهدت العلاقات المصرية القبرصية مراحل للنهوض نحو الأحسن والأفضل. علي ضوء التطورات التي شهدها العالم وشهدتها منطقة البحر المتوسط. وبعد أن غيّب الموت هؤلاء الزعماء البارزين لكل من مصر ويوغوسلافيا والهند وقبرص.. تأثرت العلاقات المزدهرة وانشغلت كل دولة بمشاكلها الخاصة. مع بداية الألفية الثالثة خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة دخلت العلاقات بين مصر وقبرص واليونان مرحلة جديدة وقوية تقوم علي العلاقات الاقتصادية والتعاون من أجل ضمان أمن واستقرار شرق البحر المتوسط. كان محور هذه العلاقات اكتشاف ثروة هائلة من الغاز في المياه العميقة للبحر المتوسط ضمن الحدود البحرية المتجاورة للدول الثلاث. اندفاع هذا الغاز من أعماق البحر المتوسط كان مؤشرا ببداية مرحلة جديدة في حياة هذه الدول وعلاقات كل من مصر وقبرص واليونان. ساهم هدف تنمية هذه الثروة في دعم التعاون فيما بينهم وهو ما سوف يكون له دور في تغيير شكل الحياة في الدول الثلاث. هذه الاكتشافات أدت إلي مزيد من التقارب الايجابي خاصة بعد ثورة 30 يونيو وتولي الرئيس عبدالفتاح السيسي زمام الحكم. تواصلت الاجتماعات والاتصالات بين عواصم الدول الثلاث وزعمائها من أجل ايجاد أرضية تستند إلي الاتفاقات الدولية لتحديد الحدود البحرية للسماح لشركات التنقيب الدولية بممارسة مهام البحث. وفي ظل السعي لإنهاء إجراءات هذه الخطوة نجحت شركة »إيني» الإيطالية صاحبة الامتياز في اكتشاف أضخم بئر للغاز الطبيعي »ظهر» داخل حدود مصر بالبحر المتوسط، في نفس الوقت كانت قبرص قد توصلت أيضا إلي اكتشاف مشابه. هذه الاكتشافات وما سوف يترتب عليها من نتائج اقتصادية كانت دافعاً ومشجعاً علي زيادة الروابط بين مصر وقبرص واليونان. هذا التواصل المدعوم بالمصلحة المشتركة عبرت عنه الزيارة الحميمة التي قام بها الرئيس السيسي لقبرص وعقد القمة الثلاثية بمشاركة رئيس وزراء اليونان.. من المؤكد أن تعاظم هذه المصالح المشتركة الاقتصادية سوف تساهم في ترسيخ العلاقات ودعم الروابط بين الدول الثلاث.