عاد الحديث من جديد عن نظام حق النقض الفيتو المتبع داخل مجلس الأمن الدولي، مطبخ القرارات داخل منظمة الأممالمتحدة، وذلك بعد فيتو أخير استخدمته الولاياتالمتحدة لتجهض حق الشعب الفلسطيني في نيل عضويته داخل الأممالمتحدة كدولة مستقلة اسمها فلسطين. وبينما ترزخ فلسطين تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي كان شعبها يمني النفس برفع علم بلاده كدولة مستقلة داخل أروقة الأممالمتحدة، دولة كاملة العضوية، لكن ذلك تحطم على حجر واشنطن المنيع، الذي اعتاد أن يكون صلدًا في وجه أي محاولات فلسطينية مشروعة لنيل حقوق شعبها. ويشترط وفق ميثاق الأممالمتحدة من أجل قبول أعضاء جدد في الأممالمتحدة موافقة مجلس الأمن أولًا على طلب العضوية. نظام مجلس الأمن ويتكون مجلس الأمن من 15 عضوًا بينهم 5 أعضاء دائمين (الولاياتالمتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين) يتمتعون بحق النقض "الفيتو"، إلى جانب 10 أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم كل عامين. ولكي يمر مشروع أي قرار في مجلس الأمن يُشترط موافقة 9 أعضاء من أصل 15 عضوًا بشرط ألا يكون من بين المعترضين أي من الدول الأعضاء الخمس صاحبة العضوية الدائمة. وسبق أن تقدمت فلسطين في عام 2011 بطلب الحصول على العضوية الكاملة في الأممالمتحدة، حينما سلم الرئيس الفلسطيني محمود عباس للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون طلب دولة فلسطين خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2011. ولم تحظ فلسطين وقتها بالعضوية الكاملة وقتها، حيث استخدمت الولاياتالمتحدة حق النقض "الفيتو" ما حال دون موافقة مجلس الأمن على طلب دولة فلسطين. ومع ذلك، توجهت فلسطين مباشرة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ونالت صفة مراقب غير عضو في الأممالمتحدة حالها كحال دولة الفاتيكان، لكنها آمالها في العضوية الكاملة في الأممالمتحدة تحطمت أكثر من مرة بسبب الفيتو الأمريكي. الفيتو.. مقصلة العدالة وفي هذا الصدد، يؤكد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام والخبير في النزاعات الدولية، أهمية اصلاح بعض القوانين الدولية وخاصة نظام الفيتو، بهدف الحد من إساءة استخدامه وتعزيز فعالية وشرعية قرارات المجلس في حفظ السلم والأمن الدوليين. وقال الدكتور مهران في تصريحات خاصة ل"أخبار اليوم": "إن هناك شعورًا متزايدًا بين المجتمع الدولي بأن نظام الفيتو الحالي يتسم بعدم العدالة والإنصاف، حيث يمنح الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولاياتالمتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، المملكة المتحدة) امتيازًا استثنائيًا يمكنها من تعطيل أي قرار لا يتوافق مع مصالحها، حتى لو حظي بتأييد الأغلبية الساحقة من الدول الأخرى". وأضاف أن الإفراط في استخدام حق النقض، خاصة من قبل الولاياتالمتحدة لصالح إسرائيل، قد أضعف من مصداقية مجلس الأمن وقدرته على الاضطلاع بمسؤولياته في التصدي للأزمات الدولية، كما أنه يتعارض مع مبادئ الديمقراطية والمساواة في السيادة بين الدول الأعضاء، وهو ما دفع البعض للمطالبة بإصلاح جذري لهذا النظام. خيارات تعديل حق الفيتو وحول الإجراءات المقترحة لتعديل نظام الفيتو، أوضح الخبير القانوني أن هناك عدة خيارات مطروحة، من بينها اقتراح فرنسي بأن تتعهد الدول دائمة العضوية طواعية بعدم استخدام الفيتو في حالات الجرائم الجماعية والفظائع الكبرى، واقتراح آخر بزيادة عدد الأصوات المطلوبة من 9 إلى 11 صوتًا كحد أدنى لاعتماد القرارات، إلى جانب مقترح بإلغاء الفيتو تمامًا أو جعله حكرًا على القرارات المتعلقة بالفصل السابع من الميثاق الخاص في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان. وتحدث أستاذ القانون الدولي عن ضرورة أن تتكاتف جهود المجتمع الدولي لإصلاح نظام الفيتو بما يعزز من قدرة مجلس الأمن على أداء دوره المنوط به في صون الأمن والسلم الدوليين، ويضمن تغليب مصلحة الإنسانية جمعاء وقيم الحق والعدل فوق أي اعتبارات سياسية أو مصالح ضيقة، مؤكدًا أن إساءة استخدام حق النقض تقوض جوهر الشرعية الدولية وتفتح الباب أمام انتشار الفوضى والصراعات في ظل غياب آليات فعالة للمساءلة وفرض سيادة القانون. تعديل صعب المنال لكن الدكتور مهران أكد أن أي تعديل رسمي لنظام الفيتو يتطلب تعديلًا لميثاق الأممالمتحدة ذاته وفقًا للمادة 108، والتي تشترط موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة بما فيهم جميع الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن، وهو أمر صعب للغاية في ظل تمسك الدول دائمة العضوية بامتيازاتها، إلا أنه أشار إلى إمكانية تبني الجمعية العامة قراراً يدعو الدول دائمة العضوية للالتزام طواعية بعدم استخدام الفيتو في الحالات التي تنطوي على جرائم وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. الأمر ذاته أشار إليه الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، الذي أوضح أن إرادة الجماعة الدولية ممثلة في مجلس الأمن ومجلس الأمن هو الجهاز النائب للأمم المتحدة، وهو الجهاز التنفيذي السياسي الأمني الذي ينوب عن دول الأعضاء، وهو ينوب عن المنظمة في اختصاص هو أهم الاختصاصات وهو حفظ الأمن والسلم الدوليين. وأردف قائلًا: "نظام الفيتو هو ظلم فاضح ولكن الدول الأعضاء في المنظمة قبلت بذلك، وحتى تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة وبموجب قرار المادة 103 بتعديل أي نص أو أي مادة من نصوص أو مواد ميثاق المنظمة من الضروري أن يحظى مشروع قرار التعديل بتصويت الأغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على أن يكون من بين هذه الأغلبية الدول الخمسة دائمة العضوية بمجلس الأمن". وأكد أيمن سلامة، في تصريحات خاصة ل"أخبار اليوم"، أن إرادة الأممالمتحدة مكبلة بأصفاد الفيتو الذي تتمتع به الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. iframe allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture; web-share" allowfullscreen frameborder="0" height="729" referrerpolicy="strict-origin-when-cross-origin" src="https://www.youtube.com/embed/AiujEm80XdA" title="فيديو جراف | أصل " الفيتو" وتاريخه.. لفظ لاتيني دعّم تحرر سوريا ولبنان" width="1280" محاولات فشلت لإلغاء الفيتو ومع استمرار اتباع نظام الفيتو المعمول به منذ إنشاء منظمة الأممالمتحدة عام 1945 في سان فرانسيسكو، كان لزامًا أن تقع محاولات لإلغاء نظام الفيتو المجحف في حق الدول الأعضاء خلاف الدول الخمس. وفي غضون ذلك، يقول أيمن سلامة، "هناك محاولات كثيرة منذ أكثر من ثلاثة عقود لتغيير نظام حق الفيتو وإلغائه، وهذه المحاولات كانت من أجل إصلاح آلية نظام الأممالمتحدة". واستدرك قائلًا: "ولكن تكسرت هذه الطموحات والمقترحات على الصخرة الصلدة للدول الخمسة دائمة العضوية". وفي ضوء ما تم سرده من تفاصيل، بات من المؤكد أن إصلاح نظام مجلس الأمن وتجريد الدول الخمس دائمة العضوية من حق الفيتو ضرورة ملحة للحفاظ على ما تبقى من مصداقية لدى المجتمع الدولي والمنظمة الأممية.