حلم الوحدة العربية.. كان هو الشاغل الأكبر والمفتاح الذي دخل به الزعيم جمال عبد الناصر إلى قلوب الملايين من المصريين والعرب، وتأتي تجربة الوحدة بين مصر وسوريا في دولة واحدة هي «الجمهورية العربية المتحدة» نموذج على نجاح التجربة وفشلها في الوقت نفسه. ففي 22 فبراير 1985 أعلنت الوحدة بين مصر وسوريا وتنازل الرئيس السوري شكري القواتلي عن الحكم للزعيم المصري جمال عبد الناصر. وعرفت سوريا بالإقليم الشمالي، ومصر ب«عاصمة الوحدة» وتمثل الإقليم الجنوبي وكانت الوحدة تستهدف تقويض إسرائيل وحصارها بين دولتين عربيتين كبيرتين. وفي الأول من فبراير من العام نفسه وقعت سوريا ومصر على ميثاق الوحدة العربية بين البلدين تحت اسم «الجمهورية العربية المتحدة» التي بدأت برغبة سورية في الاتحاد مع مصر، وكانت خطوة مبدئية في سبيل تعميم الفكرة على الدول العربية تحت كيان واحد لمواجهة قوى الاستعمار. وجاءت الوحدة المصرية السورية تلبية لرغبات الشعبين المصري والسوري، في إطار الجو الدولي الضاغط، والأحداث التي شهدها الوطن العربي من تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر، والحشود التركية على الحدود السورية. في سنوات الوحدة القليلة بين مصر وسوريا أبدعت الإذاعات العربية وبالأخص صوت العرب في الأغاني التي تشيد بالوحدة وتؤكد عليها، ومن بين هذه الأغاني واحدة كتبها بيرم التونسى بعنوان «وحدة ما يغلبها غلاب»، تجمع لهجتها بين المصرية والسورية، ويقول مطلعها: «وأنا واقف فوق الأهرام.. قدامى بساتين الشام». وكان لعبد الناصر خطاباً تاريخياً في ذلك اليوم قال فيه: "أيها المواطنون: السلام عليكم ورحمة الله.. إنني أشعر الآن وأنا بينكم بأسعد لحظة من حياتي، فقد كنت دائمًا انظر إلى دمشق وإليكم وإلى سوريا وأترقب اليوم الذي أقابلكم فيه، والنهاردة.. النهارده أزور سوريا قلب العروبة النابض.. سوريا اللى حملت دائمًا راية القومية العربية.. سوريا اللى كانت دائمًا تنادى بالقومية العربية.. سوريا اللى كانت دائمًا تتفاعل من عميق القلب مع العرب في كل مكان. واليوم - أيها الإخوة المواطنون - حقق الله هذا الأمل وهذا الترقب وأنا ألتقى معكم في هذا اليوم الخالد، بعد أن تحققت الجمهورية العربية المتحدة." وقال الزعيم شكري القوتلي للشعب السوري في خطابه "يا أخوة العرب هذا يوم مشهود من أيام العمر، هذا يوم عظيم في تاريخ أمة العرب، وتحول كبير في مجرى الأحداث العالمية في هذا العصر، في هذا المكان، من هذه المدينة العربية العظيمة نعلن على الملأ باسم الشعب العربي في كل من الجزأين العربيين الغاليين مولد الجمهورية العربية المتحدة". تم بمقتضى الوحدة بين مصر وسوريا توحيد برلماني البلدين في ما عرف ب«مجلس الأمة» الذي كان مقره بالقاهرة وضم نواباً سوريين فى العام 1960، وبعد ذلك أُلغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة. السوريون يحملون سيارة عبد الناصر وفي يوم 24 فبراير، أي بعد إعلان الوحدة بيومين فقط، توجه رئيس الأركان السوري عفيف البزرى على رأس وفد كبير إلى مطار المزة، معتقداً أن عبد الحكيم عامر هو من على متن الطائرة، للتنسيق لزيارة مرتقبة لناصر نفسه خلال أيام. لكن المفاجأة كانت أن عبد الناصر هو الذي نزل من الطائرة. وسبب تلك الخطوة المفاجئة هو الخوف من اغتيال عبد الناصر، بعد أن أغضبت الوحدة دولاً عظمى، وبعد دقائق من وصول ناصر لمنزل شكري القوتلي، انتشر الخبر في دمشق بأسرها، فخرجت المدينة كلها إلى شارع “أبو رمانة "، وأحاطت بمنزل "القوتلى" تهتف ل"عبد الناصر". وتطلب منه الخروج إلى الشرفة لإلقاء التحية عليها. كانت مئات الأمتار فقط تفصل بين منزل “القوتلى “وقصر الضيافة الذى سيحل فيه عبد الناصر، لكن موكب الرئيس استغرق عدة ساعات بسبب مئات الآلاف المحتشدة، وبلغ الترحيب مبلغه برفع الجماهير للسيارة “كاديلاك“ التي تقل عبد الناصر من على الأرض. بعدها دخل "عبد الناصر “قصر الضيافة، لكن الجماهير لم تنصرف،وبين فترة وأخرى كان يطل من الشرفة لتحية الجماهير والتحدث إليها، وبلغ عدد المرات التى خطب فيها 20 مرة. وللأسف؛ لم تستمر الوحدة أكثر من 4 سنوات وسقطت بانقلاب عسكري على الحاكم المصري لسوريا المشير عبد الحكيم عامر في نهايات العام 1961م، ومن أهم أسباب فشل هذه الوحدة هو البعد المكاني بين أطراف الدولة التي يفترض أن تكون موحدة، وأيضاً سعي مخابرات الدول الكبرى إلى ضرب هذه الوحدة بكل إمكاناتها، ففي 28 سبتمبر 1961 أعلنت إذاعة دمشق نهاية دولة الوحدة التي قامت بين مصر وسوريا. وقيام الجمهورية العربية السورية، واحتفظت مصر باسم «الجمهورية العربية المتحدة» حتى عام 1971.