"إننى أشعر الآن وأنا بينكم بأسعد لحظة من حياتى، فقد كنت دائماً أنظر إلى دمشق وإليكم وإلى سوريا، وأترقب اليوم الذي أقابلكم فيه، والنهارده.. النهارده أزور سوريا قلب العروبة النابض.. سوريا اللى حملت دائماً راية القومية العربية.. سوريا اللى كانت دائماً تنادى بالقومية العربية.. سوريا اللى كانت دائماً تتفاعل من عميق القلب مع العرب في كل مكان، واليوم – أيها الإخوة المواطنون – حقق الله هذا الأمل وهذا الترقب وأنا ألتقى معكم في هذا اليوم الخالد، بعد أن تحققت الجمهورية العربية المتحدة". كانت هذه الكلمات جزءًا من خطاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بعد أن أعلنت مصر وسوريا "جمهورية عربية متحدة". عندما حصل عدد من الأقطار العربية على استقلالها السياسي كان ذلك دافعاً قويًّا لتصاعد الآمال بتجاوز مرحلة التجزئة الاستعمارية وإعادة تحقيق الوحدة العربية، حيث تشكلت الجمهورية العربية المتحدة في فبراير 1958 باتحاد مصر وسوريا، وهي المرة الأولى في القرن العشرين التي حاولت فيها دولتان عربيتان إقامة حكومة مشتركة. ففي يوم 1 فبراير عام 1958 وقعت سوريا ومصر على ميثاق الوحدة العربية بين البلدين تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، وكان "الجمهورية العربية المتحدة" هو الاسم الرسمي الوحدة بين مصر وسوريا، والتي كانت أحد أحلام الرئيس جمال عبد الناصر لتوحيد الدول العربية، وأعلنت الوحدة في 22 فبراير 1958 بتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة من الرئيسين السوري شكري القوتلي والمصري جمال عبد الناصر. اختير عبد الناصر رئيسًا والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة، وفي عام 1960 تم توحيد برلماني البلدين في مجلس الأمة بالقاهرة، وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة أيضًا؛ فقد كان ناصر ينادي ب "التضامن العربي" الذي بموجبه يقف العرب وراءه ضد القوى العظمى، وكان يحتاج بصورة خاصة إلى السيطرة على سياسة سوريا الخارجية؛ بهدف حشر أعدائه من الغربيين والعرب، وكانت هذه فكرة مختلفة تمامًا عن برنامج البعث الوحدوي الداعي إلى تحطيم الحدود. تحفظت في البداية القيادة المصرية في قبول الوحدة مع سوريا انطلاقًا من أن تحقيق الوحدة ينبغي أن يسبقه إعداد قد يصل إلى عدة سنوات؛ وذلك من أجل مصلحة الوحدة ذاتها، واجتازت هذه الوحدة طريقاً شاقًّا ومؤامرات عديدة بالغة الخطورة عند تحقيقها، وواجهت أيضاً بعد قيامها استمرارية تلك المؤامرات واشتداد العمل العدائي ضدها من الداخل والخارج، وبالتالي لم يقدر لها البقاء والثبات، حيث تم الانقلاب على هذه الوحدة والقضاء عليها يوم 28 سبتمبر 1961م، وقبلت مصر بالأمر الواقع، ووافقت على استعادة سوريا لعضويتها في الجامعة العربية وفي الأممالمتحدة كدولة مستقلة، بينما أبقي عبد الناصر علي تسمية الجمهورية العربية المتحدة كتسمية للدولة المصرية؛ في إشارة منه إلي أنه رغم قبوله بالانفصال، فإنه سيسعي لإعادة الوحدة مرة أخرى على أسس أكثر استقرارًا وقوة. وعلى الرغم من عدم نجاح تجربة الوحدة بالبقاء لفترة طويلة، فإن الكثير من الباحثين والنقاد يختلفون حول تقييم تلك المرحلة من التاريخ العربي، وتتباين الآراء بشدة بين من يصفها بالنجاح ومن يصفها للفشل، ولكلٍّ منطقه وحججه، فبينما يباهي الوحدوين بالمنجزات الاقتصادية التي تم إنجازها في عهد الوحدة في سوريا وعلى رأسها بداية مشروع سد الفرات، والذي كان في نظر عبد الناصر موازيًا لمشروع السد العالي في أسوان، ثم حركة التأميمات الكبيرة، إضافة لحماية سوريا من تهديدات الأحلاف التي كانت تتربص بها، والتي كانت السبب الأساسي وراء قيام دولة الوحدة بهذا الشكل، يقول الفريق الآخر إن قرار عبد الناصر بإلغاء كافة الأحزاب السياسية أدى إلى جمود في الحركة السياسية السورية، كما أن حركة التأميمات طالت بعضًا من أفراد الطبقة الوسطى الذين كافحوا طوال سنين لبناء ثرواتهم الصغيرة الشخصية، لكن تم هضم الكثير من حقوقهم أثناء حركة التأميم الواسعة آنذاك. ويعد حزب البعث العربي الاشتراكي أحد أهم أسباب زوال الوحدة.