كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد كتب إلي عمرو بن العاص قائلا :«أما بعد فإني قد فكرت في بلدك وهي أرض واسعة عريضة رفيعة، قد أعطي الله أهلها عددا وجلدا وقوة في البر والبحر، قد عالجتها الفراعنة وعملوا فيها عملا محكما، مع شدة عتوهم فعجبت من ذلك، وأحب أن تكتب لي بصفة ارضك كأني انظر إليها، والسلام». فكتب إليه عمرو بن العاص :« قد فهمت كلامك وما فكرت فيه من صفة مصر، مع أن كتابي سيكشف عنك عمي الخبر، ويرمي علي بابك منها بنافذ النظر، وإن مصر تربه سوداء وشجرة خضراء ،بين جبل أغبر ورمل أعفر، قد أكتنفها معدن رفقها (أي عملها ) ومحط رزقها، ما بين أسوان إلي منشأ البحر، فسح النهر(تدفقه) مسرة الراكب شهرا، كأن ما بين جبلها ورملهابطن أقب (دقيق الخصر)و ظهر أجب، يخط فيه مبارك الغدوات ،ميمون البركات فيسيل بالذهب، ويجري علي الزياده والنقصان كمجاري الشمس والقمر، له أيام تسيل له عيون الأرض وينابيعها مأمورة إليه بذلك حتي إذا ربا وطما واصلخم لججه (أي اشتد) واغلولب عبابه كانت القري بما أحاط بها كالربا، لا يتوصل من بعضها إلي بعض إلا في السفائن والمراكب، ولا يلبث غلا قليلا حتي يلم كأول ما بدا من جريه وأول ما طما في درته حتي تستبين فنونها ومتونها. و قد رزق أهلها علي ارضهم جلدا وقوة ،بلا حد ينال ذلك منهم، فيسقون سها الأرض وخرابها ورواسيها ،ثم يلقوا فيها من صنوف الحب ما يرجون التمام من الرب، فلم يلبث إلا قليلا حتي أشرق ثم أسبل فتراه بمعصفر ومزعفر يسقيه من تحته الثري ومن فوقه الندي ،و سحاب منهم بالأرائك مستدر، ثم في هذا الزمان من زمنها يغني ذبابها ( أي محصولها ) ويدر حلابها ( اللبن ) ويبدأ في صرامها ( جني الثمر )، فبينما هي مدرة سوداء إذا هي لجة بيضاء، ثم غوطة خضراء ثم ديباجة رقشاء، ثم فضه بيضاء فتبارك الله الفعال لما يشاء، وإن خير ما اعتمدت عليه في ذلك يا أمير المؤمنين، الشكر لله عز وجل علي ما أنعم به عليك منها، فادام الله لك النعمة والكرامة في جميع أمورك كلها والسلام». ودخل مصر من الصَّحابة كثير منهم: الزَّبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصَّامت، وأبو الدَّرداء، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، وأبو هريرة وغيرهم. وعاش في مصر من الفقهاء والعلماء الكثير منهم: اللَّيث بن سعد، والعزُّ بن عبد السلام والإمام الشافعي، وابن حجر العسقلاني، والإمام الشَّاطبي، ووُلِد فيها عمر بن عبد العزيز، وجعفر المتوكل علي الله من الخلفاء. وقال أحمد بن صالح: قال لي سفيان بن عيينة: يا مصريُّ! أين تسكن؟. قلت: أسكن الفسطاط. قال: أتأتي الإسكندريَّة؟. قلت: نعم. قال لي: تلك كنانة الله، يحمل فيها خير سهامه. وقال يحيي بن سعيد: جُلْت البلاد، فما رأيت الورع ببلد من البلدان أعرفه، إلا بالمدينة وبمصر. وقال خالد بن يزيد: كان كعب الأحبار يقول: لولا رغبتي في الشَّام لسكنت مصر؛ فقيل: ولم ذلك يا أبا إسحاق؟. قال: إني لأحبُّ مصر وأهلها؛ لأنَّها بلدة معافاة من الفتن، وأهلها أهل عافية، فهم بذلك يعافون، ومن أرادها بسوء أكبَّه الله علي وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه. هذا قليلٌ من كثير في فضل مصر في القرآن والسنة والتراث الإسلامي. يتضح لنا بيقين أن مصر خلقها الله لتعيش أبد الدهر، فلا يُتصور أن يقرأ الناس القرآن ومصر غير موجودة علي خريطة العالم!! وإلا سيكون هذا تكذيباً للقرآن!! ، ولو أن مصر مثل البلاد الأخري الكثيرة التي جري عليها سنة التبديل الحضاري فعاشت ومُحيت وأُنشيء عليها بلاد أخري - وهذا حدث كثيراً في التاريخ - لما ذكرها الله في القرآن بهذه الصراحة والوضوح والتلميح بمهمتها في العالمين إلي قيام الساعة !!. والقرآن الكريم أنزله الله وحفظه من التحريف إلي يوم القيامة فقال تعالي : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (9) الحجر. وحفظ الله تعالي للقرآن يشمل كلّه وجزءه. ومصر كلمة تكررت في القرآن تعني مكاناً له حدود ووطن له سيادة. وحدود مصر الان هي حدود مصر وقت نزول القرآن وعبر التاريخ، قد تمتد تاريخياً وتتسع لكنها لم تنحسر عن هذه المساحة (راجعوا خريطة العالم من الف عام حتي تاريخه) !! وعلي هذا فمصر بحدودها من مقتضي حفظ الله تعالي كما ورد في القرآن الكريم. كل هذا يؤكد حقيقة ربانية تاريخية واقعية. ( مصر باقية ما دام القرآن باقياً ). ودورنا أن ندافع عنها ونضحي لأجلها، فالدفاع عنها جهادٌ في سبيل الله، والموت دونها شهادة، ومن تأخر عن واجبه نحوها خسر خسراناً مبيناً، لأن حاجتنا إلي جند الحق المرابط كما علمنا رسول الله أشد من حاجة مصر إلينا !! (وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) سورة محمد: 38 وأخيراً وأقول لأعدائها : لن تستريحوا في مصر !!!، لانها بلد ٌ بقدر ما تُمتع أهل السلام، بقدر ما تقصم أهل العدوان واسألوا التاريخ !! اسألوا التتار واسألوا الفرنجة واسألوا الفرنسيين، واسألوا الإنجليز، واسألوا اسرائيل !! لن تستريحو، ولن تتمكنو من تقسيمها، أو محوها، لا بأنفسكم وعتادكم ولا بعملائكم الجدد الذين يلتهمون ويذبحون باسم الله والله منهم برآء. انكشفت اللعبة !! واسألوا التاريخ عن التحدي فهو أقوي منكم مهما كانت قوتكم. واسألوا عن تحدي المصريين وآثاره إلي اليوم !! وأقول لعملاء الاستخراب العالمي من النخبة الفاسدة المبشرين بالخراب المستعجل : قول جمال الدين الأفغاني : ( خائن الوطن من يكون سبباً في خطوة يخطوها العدو نحو الوطن ). أما أنت أيها المصري فجاهدهم بالتحدي !! بالتحدي والصبر والإيمان والقوة والتماسك والوعي والالتفاف حول جيشك خير جنود الأرض، وإذا استشهدت ففي جنة الخلد بإْذن الله وسيكمل أولادنا الجهاد ضد تحالف الاستخراب والارهاب . لأن مصر باقية بإذن الله. ( حي علي الرباط والجهاد).