أنيس منصور عندما أصبحت رئيساً لتحرير مجلة »آخر ساعة« ذهبت لتوفيق الحكيم أطلب منه أن يكتب في »آخر ساعة« بعد مساومات وبشرط ان تكون المكافأة أكبر مما يتقاضاه من الاهرام فوافقت.. كما اشترط أن يكون الدفع مقدماً فوافقت وألا تكون أوراقاً كبيرة.. يعني لا ورقة من فئة المائة جنيه، وإنما يجب ان تكون عشرات لكي يستمتع بإمساكها في يده وأن يعدها. أما إذا كانت ورقة بمائة فإنها لا تسعده ولا يحب ان تكون شيكات يذهب بها الي البنك.. وقال: لي.. هات الفلوس عشرات وحبذا لو كانت خمسات.. تعرف والله لو جبتها قروش فسوف أقبلها سوف أملأ بها يدي وعيني.. هاها.. قلت للصديقة رئيسة الإذاعة صفية المهندس: يا صفية أنا عاوز حد ييجي يسجل مكالمة تليفونية مع توفيق الحكيم وأنا أساومه سوف تسمعين كلاماً يموت من الضحك وبعد ذلك تذيعين هذا الحوار إيه رأيك؟ قالت: فكرة هايلة! وجاء مهندس وأوصل أسلاكاً وسماعات وكلمت توفيق الحكيم قال: أصلي أنا متجوز حسنين هيكل وإذا كتبت عندك يعني باهلس. باخبص وما دمت قررت ان أكون خباصاً هلاساً فلا بد أن تعطيني ما يقابل هذا الهلس.. وإلا هيكل يقول توفيق الحكيم يخون الحياة الزوجية بسبب مبلغ تافه أنا أقدر أعطي له أكتر من كده وهو يقدر لكن بصراحة أنا عاوز أخبص.. هاهاهاها.. العقاد وطه حسين لا يخبصان.. العقاد ليس متزوجاً وطه حسين يقدس حياته الزوجية.. هاها.. قلت له: متي تبعث لي بالمقال؟ قال: جاهز. المقال عندي.. وانت تشخشخ جيبك وتديني المبلغ اللي اتفقنا عليه.. أوراق مالية صغيرة.. لا أريد الأوراق الكبيرة.. فقلت: أعرف يا توفيق بيه.. قال: ده طبعي مش لعب عيال، يعني أنا رجل خباص وإذا أحد قال أي شئ فأنت تتولي الدفاع عني.. أما أنا فسأقول إنك ألححت علي إلحاحاً شديداً وتطاردني ليلاً ونهاراً ثم إنني أحب أن أشجعك وأنا الذي تحمست لمنحك جائزة الدولة التشجيعية عن كتابك »حول العالم في 002 يوم« فأنا تحت الضغط والإغراء لم أستطع أن أقاوم، وإذا هيكل كلمك قل له كده، لأنني حاقول له نفس الكلام! أصبحت رئيسا لتحرير مجلة »أكتوبر« التي أنشأتها وقد نشرت لنجيب محفوظ ملحمته الرائعة »الحرافيش« وطلبت من توفيق الحكيم أن يكتب في مجلة »أكتوبر« فوافق وطلب ان أمهله بعض الوقت.. وفي لقاء بوزير الثقافة منصور حسن قابلت الحكيم وقلت له: أين المقال؟ قال: في جيبي قلت: هات قال: الفلوس. ووضعت يدي في جيبي وأخرجت ما عندي فوجدته لا يكفي وكانت تجلس الي جواري الفنانة الكبيرة سميحة أيوب قلت لها: سميحة هاتي خمسين جنيهاً فقالت: معي ثلاثون. والتفت الي الجانب الآخر فوجدت شيخ الأزهر: عاوز عشرين جنيه يا مولانا.. قال: متي؟ قلت: الآن. والآن أنا دفعت خمسين جنيهاً وسميحة أيوب ثلاثين وشيخ الأزهر عشرين وأعطيت الفلوس للحكيم. فوضعها في جيبه وأخرج من الجيب الآخر أول مقال لنشره في مجلة »أكتوبر«.. وأسعدني ذلك ونشرت حفاوتي بتوفيق الحكيم وكان مقال الحكيم رداً علي رسائل جاءته من القراء إنه توفيق فليكتب ما يشاء. وبعد ثلاثة مقالات طلب مني توفيق الحكيم أن يتوقف تماماً عن الكتابة قائلاً: أنت تنشر الروائع عن العقاد وأنا أنشر هذا الكلام الفارغ لأ. وكنت أنشر »في صالون العقاد كانت لنا أيام« وكانت هذه السلسلة مثار كثير من الكلام.. إنها إنعاش للفكر وتصوير للعقاد كما لم يفعل أحد.. العقاد معنا وضدنا وفي زماننا. كان توفيق أحس أنني أردت إحراجه. أو التقليل من شأنه وأن أحرجه أمام القراء، فأنشر له ردوداً لا مقالاً.. وفي نفس الوقت أكتب عن العقاد وعن جيلنا وزماننا وزمانه.. هل غضب مني توفيق الحكيم؟.. لا أعرف ولم يعد يطلبني في التليفون: تعال نتناقش.. لقد توقف توفيق الحكيم وراح يقرأ »في صالون العقاد« ويندهش، وقال لي في آخر مكالمة: ليس لي تلامذة مثلك ما أسعد العقاد بك! يوم لا أنساه فقد ذهبت الي توفيق الحكيم وأبدي أسفه الشديد لما حدث. فما الذي حدث؟ أصدر الرئيس عبد الناصر قراراً بفصلي من عملي: رئيساً لتحرير مجلة »الجيل« ومدرساً للفلسفة بالجامعة أما أسباب الفصل فهي أنني كتبت مقالاً عن مسرحية توفيق الحكيم »السلطان الحائر«.. وقد عرفت هذا السلطان الحائر من كتاب لمصطفي صادق الرافعي رواه علي أنه من النكت ثم قرأت تفاصيل الخبر في كتاب »بدائع الزهور« للمؤرخ المصري ابن إياس يحكي أنه: كان يا ما كان في سالف العصر والأوان قاض سوري في مصر اسمه قاضي القضاة العز بن عبد السلام. وهذه هي النكتة التاريخية: أعلن العز بن عبد السلام أنه لا يجوز للعبيد أن يحكموا الاحرار وبناء عليه فالسلطان والمماليك جميعاً الذين يحكمون مصر يجب ان يتخلوا عن مناصبهم وأن يبيعهم قاضي القضاة ويضع الثمن في خزانة الدولة والذين اشتروهم يجب ان يحرروهم ليعودوا الي الحكم وأن يباع السلطان أيضاً. ولكن توفيق الحكيم أعاد صياغة القصة وجعلها مسرحية بديعة الحوار والمسلسل كما يفعل الحكيم في كل مسرحياته.. المسرح العقلي الذي قدمه توفيق الحكيم واختار إحدي الغانيات لتشتري السلطان وهو الفصل الأخير من المسرحية البديعة، وراح يلعب ويتلاعب بالسلطان وبالغانية وأفلح توفيق الحكيم في أن يضحك الناس علي السلطان وعلي زماننا أيضاً. وظهرت هذه المسرحية أثناء بلبلة واضطراب صحفي شنيع فقد صدر قرار تأميم الصحافة فأصبحت الصحف ملكاً للدولة وفي كل صحيفة رقيب وهو موظف بسيط لديه أوامر خشنة ينفذها بلا مرونة. وإلا فلن تصدر الصحيفة أو المجلة.. وفي نهاية مقالي جاءت هذه العبارة: ووقف العز بن عبد السلام راكباً حماره علي حدود مصر.. هو نيابة عن العلماء والحمار نيابة عن الشعب المصري؟! وطلبني توفيق الحكيم لكي ألقاه في مكتبه في الاهرام وكنت أعمل في مؤسسة أخبار اليوم وكانت مقالاتي قد احتلت الصفحة الأخيرة من أخبار اليوم ولم يخف توفيق الحكيم حيرته بين الفرحة والأسف هو قال ذلك فهو فرحان لأن لمسرحيته هذا الأثر العنيف وهو آسف أشد الأسف لما أصابني والحقيقة أنه لم يكن السبب.. فنحن في مؤسسة (أخبار اليوم) قد ضقنا بالرقابة علينا بصفة خاصة وحرص الدولة علي هدم (أخبار اليوم) علي دماغ صاحبيها مصطفي أمين وعلي أمين.. وكنا نلتقي كل ليلة في بيت مصطفي أمين: مع كمال الطويل وعبد الحليم حافظ وشادية ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم ولم نكن نعرف أن كل ما نقول مسجل ويصل عبد الناصر أولاً بأول.. ومن المؤكد أننا كنا سعداء عندما تم الانفصال بين مصر وسوريا.. وقد سمعنا الرئيس بصوته الذبيح يتحدث عما حدث وهي مصيبة كبري. فالحب الأكبر في حياة الرئيس هي سوريا وهي التي خانته! لم يفق الرئيس من هذه الكارثة.. وأعتقد أنه مات بسببها. وكان صوت الرئيس عبد الناصر يشبه تماماً صوت الملك فاروق الذي نعي للأمة أنه طلق الملكة فريدة، وقال كما قال عبد الناصر بالحرف ولا أدري كيف: لقد شاءت إرادة الله.. قال توفيق الحكيم: أنا مش عارف أقول لك إيه.. وهو بالفعل لم يعرف ماذا يقول. وعندما رويت هذه الواقعة للرئيس السادات قال لي: يا أنيس ده أنت تستحق الشنق.. فقلت يا سيادة الرئيس أنت حيرتني فالرجل الذي يشنق الناس اكتفي بفصلي والرجل الذي لا يفصل الناس يطالب بشنقي؟! وطالت أيامي خارج أخبار اليوم وطلبتني الفنانة برلنتي عبد الحميد وكانت علي صلة قوية بمدير المخابرات المصرية صلاح نصر وقالت لي: سوف تعود الي عملك قريباً.. وكان ما قالت! الأسبوع القادم مع مارلين مونرو وصوفيا لورين