وصف فضيلة العلامة د. يوسف القرضاوي رئيس اتحاد علماء المسلمين شهر رمضان بأنه ربيع الحياة الإسلامية، فيه تتجدد القلوب بالإيمان والعقول بالمعرفة والأسرة بالتواصل، وفيه يتطهُّر الإنسان من خطاياه ومن تفريطاته في حق الله.. وانتقد د. القرضاوي في حوار ل »أخبار اليوم« السلوكيات الخاطئة التي اعتاد المسلمون علي ممارستها في شهر رمضان أهمها ارتفاع فاتورة نفقات الأكل والشرب لدرجة أن رمضان تحول لشهر الأكل والشرب والزبيب والتين وقمر الدين والكنافة والقطايف والحلويات.. وشدد علي ضرورة أن يعي المسلم جوهر شهر رمضان ليستفيد المغفرة ويستفيد الرحمة ويستفيد الجنة، مؤكدا أن مهمة الصيام هي أن يصل الإنسان إلي مرحلة التقوي في كل شئ أي الالتزام بكل ما هو طيب والامتناع عن كل ما هو خبيث وبدون هذا لا يكون للصيام معني. وقال د. القرضاوي: للأسف هناك من يصوم بطنه وفرجه ولكن لسانه مفطر علي الكذب والشتم والسب والغيبة والنميمة، وعينه مفطرة علي النظر في أشياء لا تليق سواء في التلفزيون أو الشارع، وأذنه مفطرة علي سمع ما لا يليق إما من الأغاني الخليعة أو الكلام عن الناس، فهو بطنه صائمة وكل جوارحه مفطرة ، هو صام عما أحل الله من الطعام وأفطر علي ما حرم الله. وفي السطور التالية نص الحوار: في البداية.. كيف تنظر إلي شهر رمضان المبارك؟ شهر رمضان أنا اسميه ربيع الحياة الإسلامية، فيه تتجدد القلوب بالإيمان والعقول بالمعرفة والأسرة بالتواصل، وفيه المجتمع يترابط بعضه مع بعض، الغني يعطف علي الفقير، والقوي يأخذ بيد الضعيف، ويتزاور الناس فيما بينهم. وكما هو معروف أن الحياة فيها لكل تجارة موسم معين يحاول الناس في هذا الموسم أن يضاعفوا من نشاطهم ليزداد ربحهم، كذلك الطاعات لها مواسم حيث يمن الله تعالي علي أهل الإيمان ما بين الحين والحين بموسم من مواسم الخيرات، فهناك موسم الحج ، وهناك موسم الصيام في رمضان ، وهناك موسم أسبوعي يوم الجمعة، ومن ثم أراد الله أن يكون هذا الشهر موسما لأهل الخير وأهل القروبات إلي الله والطاعات إلي الله ليستفيدوا من هذا الشهر، والذي فيه يتطهُّر الإنسان من خطاياه ومن تفريطاته في حق الله. سلوكيات خاطئة منذ عقود طويلة اعتاد المسلمون علي ممارسة بعض السلوكيات الخاطئة في رمضان لعل أهمها ارتفاع فاتورة نفقات الأكل والشرب.. كيف تري هذا؟ للأسف المسلمون ينفقون علي الطعام في شهر رمضان أكثر مما ينفقونه علي سائر الشهور كأنه أصبح شهر الأكل والشرب والزبيب والتين وقمر الدين والكنافة والقطايف والحلويات، وهذا بالتأكيد لا يرضي الله ورسوله، فالإسراف في كل شيء ممنوع لقوله تعالي: "وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ"، وهذا يدل علي أن الإنسان حتي في المباحات ليس له أن يفعل ما يشاء ولابد أن يقف عند حد الاعتدال، وأقل ما يقال في الاسراف انه مكروه وقد تشتد الكراهة إلي أن تصبح كراهة تحريمية، فشهر رمضان هو شهر الطاعة والعبادة، وعلي المسلم أن يعي جيدا جوهر الشهر الفضيل ليستفيد المغفرة ويستفيد الرحمة ويستفيد الجنة، وعليه أنه يُحسن الصيام. وكيف يُحسن المسلم الصيام؟ يقول الله تعالي: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، ونفهم من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالي فرض الصيام في شهر رمضان ليعدَّنا فيه للتقوي، وسن الرسول صلي الله عليه وسلم قيام لياليه لإعداد الأنفس للتقوي، فالصيام يهيئ النفوس لتتقي الله عز وجل ولذلك النبي صلي الله عليه وسلم يقول: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"، فالصوم يهيئ الإنسان لتقوي الله عز وجل ويبعده عن المعاصي ويقويه علي أن ينتصر علي شهوات نفسه وعلي شيطانه. ومعني هذا أن مهمة الصيام هي أن يصل الإنسان إلي مرحلة التقوي في كل شئ أي الالتزام بكل ما هو طيب والامتناع عن كل ما هو خبيث، وبدون هذا لا يكون للصيام معني، فهناك من يصوم بطنه وفرجه ولكن لسانه مفطر علي الكذب والشتم والسب والغيبة والنميمة، وعينه مفطرة علي النظر في أشياء لا تليق سواء في التليفزيون أو الشارع، وأذنه مفطرة علي سمع ما لا يليق إما من الأغاني الخليعة أو الكلام عن الناس، فهو بطنه صائمة وكل جوارحه مفطرة، هو صام عما أحل الله من الطعام وأفطر علي ما حرم الله. حالة طواريء عند حلول شهر رمضان تعلن الفضائيات والتليفزيونات العربية والإسلامية حالة الطوارئ لتقديم كم هائل من البرامج والفوازير والمسلسلات.. فما تعليقكم علي هذا الأمر؟ رمضان هو شهر القرآن وشهر التسابيح وشهر التراويح ، وليس شهر الفوازير والمسلسلات، وأنا أري أن المسلم لا ينظر إلا للأشياء الإيجابية والنافعة ، أما الأشياء الساخرة والراقصة والخليعة فيجب أن يتنزه عنها، وليس هناك أحد يجبر المسلم علي أن يشاهد برنامجا معينا أو فيلما معينا أو مسلسلا معينا، لا يجبرك أحد علي هذا، ولكن يستطيع الإنسان أن يختار من المحطات النافعة التي تقدم برامج تنفعه في دينه وتنفعه في دنياه بدل أن يضيع وقته. يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إذا جاء رمضان فُتّحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وصفدت الشياطين".. كيف تفسر هذا الحديث؟ رمضان هو شهر قراءة القرآن وإذا استمع المسلم خلال شهر رمضان إلي القرآن كله فهذا لا شك قد استنار عقله وأضاء قلبه، والمسلمون يتواصلون في رمضان أكثر مما يتواصلون في غيره ولذلك جاء في الحديث أنه "شهر المواساة" وهذا دليل علي أن أسباب الخير متوفرة في هذا الشهر وأسباب الشر تقل ولذلك الحديث يقول "إذا جاء رمضان فُتّحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وصفدت الشياطين"، ففتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار كناية عن أسباب الخير، وإغلاق أبواب جهنم معناها تؤخذ بظاهرها وممكن أن تؤخذ كناية أنها كناية عن تقليل أسباب الشر ومن تقليل أسباب الشر تصفيد الشياطين، الشيطان مقيد ومن الممكن أن يكون له حركة ولكن حركة مقيدة لم يعد حراً، وهذا مضمونه واضح في حياة المسلمين، وفعلاً نجد في هذا الشهر أثر ذلك علي حياة المسلمين فتكثر الخيرات وتقل الشرور ويتصدق الناس بالصدقات وكثيرون يدفعون زكواتهم في رمضان لأنه جاء في بعض الأحاديث "من أدي فيه فريضة كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه" فبعضهم يفضل أن يؤدي الزكاة في شهر رمضان حتي يتضاعف الثواب، فهذا كله مما يجعل لهذا الشهر قيمة في حياة الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم والأمة الإسلامية بصفة عامة. حكمة جليلة تارة يأتي شهر رمضان في أشهر الصيف وتارة أخري يأتي في أشهر الشتاء الأمر الذي دفع البعض إلي المطالبة بتثبيته في فترة معينة.. هل من الممكن أن يتحقق ذلك؟ لا يمكن تثبيت شهر رمضان في فترة معينة لأن هذا معناه أن نخرج عن الشهور القمرية، و من حكمة الله تعالي أن تتغير الشهور القمرية مع الفصول السنوية ، فأحياناً نصوم في الشتاء، وأحياناً في الصيف، وأحيانا نصوم في الربيع والخريف، ومعني ذلك أننا نصوم في أيام شديدة الحرارة وأيام متوسطة وأيام طويلة وأيام قصيرة وكذلك الحج نفس الشيء، نحن قد نحج في الشتاء وقد نحج في الصيف وهكذا فالإنسان يعبد ربه علي كل الأحوال وفي كل الفصول والمواقيت فهذه حكمة جليلة من الله تبارك وتعالي.