لم تكن اشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الي التهديد التركي لسيادة الدول العربية الا اقرارا لواقع تعيشه المنطقة منذ ظهور الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي يحلم باستعادة مجد الدولة العثمانية الغابر في الدول العربية. لا تخفي تركيا اطماعها الاستعمارية في الدول العربية ، ويمثل اردوغان طليعة العثمانيين الجدد الذين يخططون لاستعادة احتلالهم السابق للدول العربية اما بالقوة العسكرية او بالاعتماد علي انظمة عميلة تقودها جماعة الاخوان الارهابية المنتشرة في الدول العربية.. لتحقيق ذلك الهدف استخدمت تركيا القوة الناعمة من افلام درامية ومسلسلات ذات انتاج عال لتحسين صورة الخلافة لدي الاجيال الجديدة واستغلال جهلها بالتاريخ لترويج بطولات وهمية لخلافتها تغطي بها حقيقة احتلالها للبلاد العربية في تلك الازمان. ربما كان ذلك هو السبب لإنتاج مسلسل عن سيرة أرطغرل والد عثمان مؤسس الدولة العثمانية، وعرضه باللغة العربية واستغلال مليشيات الإخوان الالكترونية لنشره علي اوسع نطاق ، وتزامن ذلك مع تحرك قواتها المسلحة لاحتلال عفرين وتهديد إدلب وأربيل في شمال العراق، إنها عودة الاحتلال العثماني لأرض العرب. بمساعدة جماعة الإخوان الإرهابية وأفكارها القائمة علي استعادة دولة الخلافة العثمانية، والتمويل القطري السخي، والموافقة الإيرانية علي ظهور دولة دينية بجوارها تبرر وجودها، مررت الموافقة علي خروج الجيش التركي لغزو الأراضي السورية، ليبحث عن مجد زائف مستدعيا ذهنية عصر غابر، احتل فيه الأتراك الدول العربية تحت لافته دينية كاذبة، سرقوا خيرات وثروات العرب، وأضافوا قرونا من الظلام الفكري، وكانوا سببا مباشرا من أسباب التخلف والرجعية التي نعيش آثارها حتي اليوم. لا تعترف تركيا بسيادة أي دولة لا تواليها ، أوتتبع تعليماتها ، ولذلك تعادي مصر بعنف وتسعي لاسقاط الدولة المصرية منذ اسقاط المصريين لحكم الاخوان في ثورة 30 يونيو ، رغم ان اردوغان كان اول من طالب الرئيس الاسبق محمد حسني مبارك بالرحيل ، ثم اتضح بعد ذلك ضلوعه في وصول حليفه الإيديولوجي أي الإخوان المسلمين، الي السلطة وعملت تركيا بكل قوة علي دعم حكم الاخوان سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً في مصر وتونس والتحضير لسيطرتهم علي سوريا وليبيا واليمن والعراق ، كانت تأمل في أن تكون مصر في عهد مرسي جسرا للمشروع التركي تجاه المنطقتين العربية والأفريقية نظراً لمكانة مصر ودورها التاريخي وثقلها في العالمين العربي وأفريقيا، وعليه بادر أردوغان إلي تقديم نموذج حكم حزب العدالة والتنمية لمصر للاقتداء به، وقام هو كما وزير خارجيته أحمد داود أوغلو بسلسلة زيارات إلي القاهرة وفتح خزائن تركيا لدعم حكومة الاخوان بالمال والقروض والمشاريع والاستثمارات والاستشارات، ولم يكتف أردوغان بذلك بل اتجه إلي التنسيق مع القيادة المصرية الجديدة في انتهاج سياسة مشتركة إزاء قضايا الشرق الأوسط ولاسيما الأزمة السورية حيث اتفق الجانبان علي إسقاط النظام السوري عبر دعم المعارضة السورية السياسية والعسكرية، وهكذا تجاوزت العلاقة بين الجانبين مستوي التعاطف والارتباط الإيديولوجي إلي مستوي التنسيق والتحرك معاً، أملاً في رسم خريطة سياسية جديدة في الشرق الأوسط يكون لأنقرة فيها الدور المركزي. وانطلاقاً من هذه العلاقة الوثيقة بات أردوغان عاملاً ومحدداً خارجياً في رسم سياسة مرسي الداخلية، إذ تقول صحيفة (ميلليت) التركية إن مرسي وبتحريض من أردوغان رفض أي شكل من أشكال تقاسم السلطة مع المعارضة. وتعمل تركيا علي دعم كل تحركات جماعة الاخوان لإسقاط الدولة المصرية ، علي امل ان تعود الي السلطة مرة اخري ، فضلا عن إثارة القاهرة لجنونها بتحركها نحو التعاون مع قبرص واليونان وظهور الغاز المصري في البحر المتوسط وحمايته من الأسطول البحري المصري وهو ما اضاع علي الأتراك فرصة سرقته مثلما حدث مع البترول السوري والليبي. لم يتخيل اردوغان في أسوأ كوابيسه ان تتصدي مصر لمشروع عودة الدولة العثمانية وأن تعمل علي تحديها بذلك الشكل الحاد ، بل وتوجه مصر ضربة قاصمة للنموذج التركي ومحاولات تصديره إلي المنطقة عبر الاقتصاد والثقافة والممارسة السياسية لقد كانت تركيا تري في مصر في عهد الاخوان ، جسراً سياسياً واقتصادياً ليس فقط إلي الدول العربية وإنما إلي عموم أفريقيا، وعليه اعتمدت وبشكل حصري علي الموانئ المصرية في تصدير سلعها بحراً إلي دول الخليج وأفريقيا، لكنها فوجئت بمصر تعود وتتمدد وتعود لقواعدها العربية والإفريقية والدولية ، وتحصل علي استثمارات وتعمل علي مشروعات كبري لمنافستها في حوض المتوسط والأحمر وهو ما يشكل خطورة اقتصادية علي المنتجات التركية في افريقيا ودول الخليج. كانت تركيا اكثر الدول المستفيدة من توقف الحركة السياحية في مصر ، واستحوذت علي السياحة الروسية لحسابها ومع عوده حركة الطيران بين مصر وروسيا واستعادة المقاصد السياحية المصرية لمكانتها التقليدية خسرت تركيا موردا اضافيا لصالح مصر ، فشل اخر يلاحق تركيا فيما يخص مصر. ونظرا لانحيازها لقطر في الأزمة الخليجية دخلت علي خط ازمة مع دول الخليج وخسرت تواجدها في العواصم الخليجية واستفادتها بالاستثمارات والسياحة الخليجية وبذلك خسرت تواجدها المميز في الدول الغنية بالنفط ، كما كان انخراطها فيما سمي بالربيع العربي وتدخلها في شئون دول الجوار في سورياوالعراق وهو ما اغلق عليها باب نقل البضائع وبيعها في تلك المناطق بالإضافة الي خسائرها المادية والبشرية بسبب تحركها العسكري في الشمال السوري. الرئيس السيسي أعلن في قمة الدمام ادانة مصر لاحتلال تركيا للأراضي السورية ، ودعا الي ان يكون الحل بيد السوريين وليس بيد اي قوة تحاول الهيمنة علي مقدرات الدولة السورية ، وهو ما يعني تصدي مصر بشكل مباشر لأحلام اردوغان في استعادة دولة اجداده التعيسة علي حساب الدولة القومية العربية.