لو أن الشاعر صلاح جاهين لم يكتب غير الرباعيات لخلد اسمه في دفتر الخالدين، ولكنه كتب الشعر والزجل وأبدع الكاريكاتير، ونبغ في التمثيل وكتابة السيناريوهات السينمائية، أنه فنان شامل بدرجة التفرد والتميز المبهر، ومن هنا كانت مأساته لرفاهة حسه . بدأ صلاح جاهين كتابة رباعياته عام 1959، وكان ينشرها أسبوعيا في مجلة صباح الخير حتي عام 1962، وحين انتقل إلي الأهرام توقف عن كتابة الرباعيات ثم عاد لكتابتها عام 1966 حين رجع لصباح الخير رئيسا لتحريرها وذلك لمدة عام واحد، كف بعده نهائيا عن كتابة الرباعيات، إلا خمسا نشرها في مربعه بالأهرام تعليقا علي مظاهرات الطلبة عام 1968. نجحت رباعيات جاهين في توصيف حال المصريين في الحزن والفرح والألم والاكتئاب والثورة، بكلمات قليلة ساخرة موجعة حد الفلسفة العميقة التي لخصها جاهين في عدة سطور يذيلها في كل مرة بكلمة عجبي استنكارا وتعجبا وغضبا أحيانا . هذه العبقرية اللافتة توقف عندها كل من عرف جاهين الإنسان المعجون بالفن وأكثرهم تأثرا كان نجيب محفوظ عندما علم بخبر وفاته والذي كان- أحد شلة الحرافيش الأولي ، وأرد أن يجسد شخصيته في عمل من أعماله وتجلي ذلك في روايته « قشتمر » حتي أنه قال للناقد رجاء النقاش » توصلت في النهاية إلي أن أكتب رواية عن شخصية صلاح جاهين، علي أن أعدل وأغير في ملامحها حتي لا يتعرف عليها القراء، وكتبت رواية »قشتمر« وعبرت فيها عن مأساة هذا الرجل«. وفي رواية قشتمر التي صدرت عام 1988، رسم نجيب محفوظ ملامح صلاح جاهين من خلال شخصية طاهر عبيد الارملاوي ، الذي جاء وصفه في بداية الرواية استنساخًا لجاهين في ذهن معاصريه ودراويشه في عالمي الشعر والكاريكاتير: »من أحب الشخصيات إلي قلوبنا لخفة روحه وبساطته وميله إلي البدانة، وهو أسمر وملامحه شعبية ولكن جاذبيته لا تقاوم». كان فنانا مخلصا لفنه ولمصر حتي أنه لم يحتمل هزيمة 1967 وكتب قصيدته البديعة »الدرس انتهي لموا الكراريس» التي صور فيها مذبحة بحر البقر ، ثم جاء موت عبد الناصر ليلقي بجاهين في ذروة الاكتئاب حد الموت.