مرت بنا ذكري قُدوم »العائلة المقدسة» إلي أرض »مِصر»، التي توافق الأول من يونيو؛ حيث هربت »السيدة العذراء» مع السيد المسيح وهوطفل من وجه الشر المتمثل في الملك »هِيرودُس» الساعي لقتل الطفل الصغير، لا لشيء أكثر إلا لخوفه الشديد علي مُلكه؛ فعندما التقي حكماءَ المشرق وعرَف منهم أنه قد وُلد ملك، اضطرب جدًّا وسعي بكل حيلة أن يصل إليه بقواته وسلطانه وعتاده لقتله؛ فأضحت »مِصر» الملجأ والملاذ »للعائلة المقدسة» وتباركت أرضها بقدومها إليها. الشر والموت إن هروب »العائلة المقدسة» من فلسطين لم يكُن ضعفًا، بل كان حفظًا إلهيًّا لها من الشر والموت من أجل إتمام رسالة من أجل العالم بأسره. والشر يرتبط دائمًا بالموت والهلاك؛ فمنذ فجر التاريخ البشريّ تمثل الشر في قتل أخٍ أخاه في أول جريمة عرَفتها البشرية؛ وكان نتيجة ذلك أن ظل القاتل هاربًا طوال أيام حياته لا يعرِف طعمًا للراحة ولا مذاقًا للسلام. وعندما كثر الشر في العالم من ظلم وقتل واستباحة، اختفت ملامح الحياة تحت مياه الطوفان التي محت كل حيّ من علي وجه الأرض، ولم يتبقَّ إلا أبونا »نوح النبيّ» وأبناؤه ليقوموا بتعمير الأرض من جديد، في ظل الخير الذي يحملونه داخلهم. ولكن كانت هناك ظلال للشر فانتشر مرة أخري فقدَّم الله ل»موسي النبيّ» وصاياه التي كانت من بينها الوصية السادسة: »لا تقتُل»، معلِنةً أن قتل نفس بريئة هوأمر لا يُرضي الله أبدًا ويُغضبه؛ فالله قد خلق الإنسان من أجل الحياة لا الموت، السعادة لا الحزن، السلام لا الحرب، المحبة والخير لا الضغينة والشر. وهكذا خرج »هِيرودُس» الملك علي معالم تلك الصورة الإنسانية وشوهها مريدًا أن يُهلِك السيد المسيح، وعندما لم يستطِع بلوغ مأربه أهلك أطفال »بيت لحم»، متناسيًا أن الحياة هي زمن طال أو قصر نعيشه جميعًا، ثم في يوم ما سوف يغادر كل منا إلي حياة أخري لن تنتهي هي »في السماء»، بعد أن يُعطي كل إنسان حسابًا عما فعله في حياته: فمن اختار الموت مثل »هِيرودُس» فلن يجني إلا الموت، ومن اختار الخير بما يحمله من حياة مُنح حياة ممتدةً سعيدة بغير نهاية؛ إنه عدل الله. لقد كانت »مِصر» دائمًا هي بلد الأمان والخير الذي لجأ إليه رجال الله من الأنبياء والقديسين؛ وتظل هي بالصلوات التي تُرفع في كل أرجائها بلد السلام. ربما بعضٌ يظنون أنه قد اكتنفها الضباب، ولكن شمس المحبة أبدًا لا تغيب، فكل ما هو»حب» و»حياة» هومن عند الله لأن: »الله محبة».