تحدثنا في المقالات السابقة عن اجتياز الصعوبات في الحياة بإدراك دَورها في تنمية الشخصية الإنسانية لتصبح قادرة علي العمل وتحدي المعوقات وتحقيق مزيد من الإنجازات؛ فالحياة السهلة لا تصنع إنسانًا قادرًا علي صنع الإنجازات كما ذكر الكاتب البريطانيّ "توماس إليوت": "البحار الهادئة لا تصنع بحارًا ناجحًا". كما تحدثنا عن دور المبادئ في اجتياز الصعوبات، وأن علي الإنسان أن يراجع خطواته في ضوء تلك المبادئ، مقيّمًا أعماله بأمانة.. أيضًا في تصديك لصعوبات الحياة ومشكلاتها، تعلَّم أن تُلقي بكل هُمومك وآلامك أمام الله، طالبًا مشورته وتدبيره الخيّر لكل أمورك، ثم اسأل النصيحة من أولئك الذين يستطيعون مساعدتك بإخلاص وأمانة. لا تحاول اجتياز ما تتعرض له بمفردك، فلا إنسان علي وجه المسكونة يفهم ويُدرك أمور الحياة كافة، أوتكون لديه القدرة علي تخطي جميع المشكلات. بل كثيرًا ما يحتاج الشخص إلي من يقدم له الرأي السديد والمشورة الصالحة الخالصة ويعينه علي تحمل ما يمر به من مشكلات، وهو بدوره حين يعبر الأزمات يمُد يد المعونة لمن يحتاجها؛ ولكن عليك أن تختار بعناية وحكمة ذلك الإنسان الذي يستطيع أن يُسدي لك النصيحة الجيدة فيما تتعرض له من مشكلات.. أمّا من يقدم الخير، فعليه ألا يتوقف حتي تستمر دائرة الخير؛ أتذكّر أنني شاهدت فيلمًا قصيرًا يعبر عن ذلك: بدأ الفيلم بطفلة تطلب إلي جَدتها التي تصحبها هي وشقيقها لشراء بعض مستلزمات المنزل الضرورية أن تشتري لها كعكة أعجبتها من أجل عيد ميلادها. وحسَبت الجدة ما معها من نقود لتجده لا يكفي ثمن كعكة حفيدتها، فاعتذرت للطفلة التي حزِنت بشدة. ويحاول الطفل أن يزيح الحزن عن شقيقته، في الوقت الذي سمع حوارهما شاب كان يقف خلفهما لشراء حاجاته. يقرر الشاب شراء الكعكة للطفلة، ويسرع خلفها لتقديمها لها، لكن الجَدة حاولت الاعتذار عن عدم قَبولها، فيصر الشاب ويبدأ في سرد قصته: عندما كان صبيًّا أراد شراء كعكة عيد ميلاده، ولم يكُن لوالدته المال الذي يكفي، فقام أحد الرجال الذي كان يستمع إلي حواره مع أمه بشرائها وإهدائها له. وعندما طلبت الأم رقْم هاتف الرجل لتسديد الدَّين، كتب ورقة صغيرة وقدمها للصبيّ؛ وفي المنزل فتح قُصاصة الورق التي لم تكُن تحمل رقْم هاتف الرجل، بل كانت تحمل طلبًا منه! لقد طلب إليه أن يقدم بدوره عندما يكبر المعونة لشخص آخر لئلا تتوقف دائرة الخير في الحياة.نعم: يحتاج كل منا إلي الآخر لنتشدد معًا ونعبر ضيقات الحياة وآلامها، فإن كل مساندة يقدمها لك إنسان اعتبرها دينًا عليك أن تُوفيه بالخير نحوآخر، وهكذا لن يتوقف الخير.