أسواق الشوارع ليست ظاهرة جديدة في أوروبا.. فقد نشأت في القرن 71 لتغطية احتياجات الطبقة المتوسطة من الاغذية والملابس والسلع المنزلية.. ولكنها تطورت بمرور الزمن واستفادت من رغبة المحلات الكبري في التخلص من موديلاتها القديمة لتعرض الأحدث فأقامت هذه الاسواق شهرتها علي بيع موديلات عمرها عام او عامان من الملبوسات والاجهزة فنالت رضا الطبقة المتوسطة وانجذبت اليها الطبقات المترفة ايضاً تبحث فيها عن غريب لا تجده في المولات الراقية!! والاهم ان اسواق الشوارع اصبحت بدورها تعرض منتجاتها الخاصة فيندر ان تجد في المحال المشهورة »بدلة رقص« او »بخور عربي« او ملابس الجنود واحذيتهم التي اصبحت موضة بين الشباب في أوروبا.. الي جانب اسعارها المتواضعة وقبول البائعين للمساومة وصولاً لأفضل سعر للمستهلك. سوق مفتوح في منطقة مونتروي شمال باريس يقع سوق »بيس مونتروي« المكشوف الذي انشيء في نفس المكان لأول مرة عام 5361 اي منذ قرابة 053 عاماً ويفترش السوق مساحة فضاء شاسعة وهو يقام ايام السبت والاحد والاثنين من كل اسبوع ويبدأ نشاطه في البيع والشراء من السابعة صباحاً ويستمر حتي السابعة مساء ويحصل كل تاجر علي مساحة محددة ومعروفة في السوق ليعرض فيها بضاعته مساحتها بين 6 أمتار وتصل في حدها الاقصي الي 03 متراً حيث يقوم التاجر بوضع قوائم حديدية في المساحة المخصصة له ومظلة كبيرة لحماية البضائع من الامطار او من الشمس ثم يقوم بعرض منتجاته امام المارة في اروقة السوق الداخلية. ويصل عدد الأماكن او المحال المتنقلة في سوق مونتروي الي 008 مكان مما يدل علي ضخامته واتساعه وتفصل صفوف المحلات ممرات تضيق وتتسع طبقاً لظروف المكان.. ويصل التجار الي السوق فجراً بسياراتهم الفان المحملة بالبضائع ويستغرقون اكثر من ساعة في الاعداد وتقف سياراتهم في الجوار وعندما ينتهي الموعد في السابعة مساء ينقلون كل ما وضعوه ويعيدون ما تبقي منه مرة أخري ليغادروا المكان وعلي الفور تتحرك قوافل عمال البلدية بمعدات الشفط والنظافة لدرجة أنك اذا مررت به في الثامنة مساء لا يمكنك ان تشعر ان هذا المكان كان سوقاً يعج بالبائعين والمشترين قبل ساعتين فقط. التجار المصريون وفي السوق خمسة تجار مصريين فقط من بين مئات آخرين اكثرهم من المغرب العربي ويفترش احمد أبوصالح مساحة متميزة في مقدمة السوق وقد اشتهر في السوق ببيع العاديات المصرية من منتجات خان الخليلي والبخور والخواتم والقلائد والولاعات والكتب المتخصصة في الآثار المصرية وعندما تمر أمامه تستمع لشرائط أم كلثوم وعبدالوهاب مع عمرو دياب واليسا وهو الوحيد في السوق الذي يبيع المنوعات الغنائية العربية وله زبائن من المغاربة والعرب المقيمين في فرنسا يأتون اليه لمعرفة الجديد باستمرار يقول احمد ابوصالح: وجودي في هذا المكان لاشباع هوايتي في التجارة لذلك يعمل لدي عدد من المغاربة يتعاونون معي في ادارة المكان اما عملي الحقيقي فهو مراسلة عدد من الصحف العربية والمصرية واعداد تقارير عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية في فرنسا ولي علاقات ممتازة في الدوائر المسئولة في فرنسا وعن حصوله علي هذا المكان بالسوق قال: اقيم في فرنسا منذ 51 عاماً تقريباً وجاءت فرصة لاستئجار هذا المكان بعد شاغله القديم ومنذ ذلك الوقت اخترت الاتجار في المصريات ومنتجات خان الخليلي المحبوبة لدي الفرنسيين. الأسعار المضاعفة أما محمد دهب والذي تخصص في بيع النظارات والشنابر ولديه مجموعة هائلة من احدث الموديلات من انتاج ايطاليا وفرنسا والصين فيقول اعيش في فرنسا منذ عشرين عاماً واخترت هذه التجارة بالذات نظراً للتفاوت الهائل في اسعار النظارات الطبية والشمسية في محال البصريات بباريس وهي نفسها التي ابيعها في السوق حيث تباع هناك بعشرة اضعاف ما ابيع به ويقول عن السوق: ابدأ في السابعة صباحاً واترك المكان نظيفاً كما استلمته في السابعة مساء.. واكتفي بالأيام الثلاثة كل اسبوع في هذا السوق ولا اميل للتنقل في اسواق اخري مشابهة ولكن اقل شهرة. اما اكثر رواد السوق فيقول عنهم الدكتور عاطف طرفه أستاذ العمارة المقيم بباريس منذ 30 عاماً : هم من السائحين الذين يقطنون في الفنادق المجاورة للسوق ومن يعرفه ويشتري منه يعود اليه دائما ويضحك د. طرفة وهو يقول: السوق ليس كل بضاعته رخيصة فهناك منتجات غالية جداً ولكن ليس لها مثيل في اي مكان آخر واذا كانت أسواق الشوارع في الماضي تجتذب الطبقات المتوسطة الا أنها تطورت وصار بها خصوصية تجذب الأغنياء أيضاً أسواق الاحياء ولكل حي في باريس سوق او اسواق شعبية لبيع الحلوي والخضراوات واللحوم التي لا يقتصر بيعها علي المحال الرسمية ويقبل المشترون عليها لرخص اسعارها حيث يوجد لكل سلعة عدة مستويات سعرية حسب الاماكن التي تباع فيها رغم ان السلعة واحدة في كل الاحوال وتفرض بلدية باريس تخصصات للأسواق فما يبيع الملابس او قطع الغيار او المفروشات محظور عليه ان يبيع مواد غذائية حتي لا ينافس بها سوقا متخصصة في بيعها. ومالك سوق بيس مونتروي او مستأجره الأساسي ه »جاناتي حميد« مغربي الاصل وهو الذي فاز بحق ادارة السوق حيث يقوم بسداد مبلغ محدد لبلدية باريس مقابل اعادة تأجير هذه الاماكن للتجار.. وتوجد نقابة للتجار تدافع عن حقوقهم تجاه مؤجر السوق وامام الحي نفسه اذا ما وقعت مشاكل. وتبقي اسواق الشوارع قائمة تصمد أمام سقوط الثلج والمطر.. أو أمام وهج الشمس المحرقة في قلب الصيف تمر عليها الاعوام وهي باقية كمعلم سياحي وتسويقي.. فالذي لا يجد له مكاناً في متاجر المترفين يعرف كيف يستوفي احتياجاته منها بأفضل جودة.. وأقل ثمن.