مها عبدالفتاح تمنيت لو أني لا أضيف اليوم لسائر همومنا، فما يحيط من أسباب الاكتئاب قد فاض وأغرق .. لكنا من فرط ما قلنا وزدنا في النذير والتحذير، ما عدنا نشعر بوطأة ما ينتظر لينقض ويداهمنا كما القطار السريع، والاعصار المندفع يفيض الكيل يعصف بما في طريقه.. عن ثورة الجياع " في العالم " نتحدث! الجوع ليس كافرا فقط بل هو ما سبق في التاريخ و هز اركان مجتمعات، وترنحت من وقعه امبراطوريات، وهوت من جرائره حضارات: انه الجوع، هذا الأفظع، أشد ما تقابله أمة أو يتعرض له بشر .. مع ذلك لم يحظ بما يوازي تأثيره المباشر علي المسار والمصير ... العالم يواجه هذا الخطر الجسيم، ولاحظوا أنني أختار الصياغة بضمير الجمع، وأتوسع في سرد العموميات أكثر من الخصائص، لربما يخفف هذا من وقع ما هو آت: مستوردو الغذاء في العالم ممن هم مثلنا، يدخلون مرحلة مخيفة من شطط ارتفاع الأسعار ! موارد الغذاء تقل بل تشح حتي لقد يأتي يوم تغلو فيه أسعار الغذاء عن أسعار البترول! موجات الحرارة الشديدة، وحالات الجفاف، غير بوادر الشح في المياه الصالحة للزراعة بين انحاء متفرقة، كل هذا أدي لمستويات عالمية أدني في انتاج الغذاء ! احتياطي الحبوب انخفض بنحو بائن، المخزون العالمي يشح . الاحتياطي في ادني درجاته. أسعار القمح والذرة تقترب من الاسعار التي أشعلت الاضطرابات عام 2008 في نحو 25 دولة .. تري كم دولة سوف تشعلها أسعار هذا العام ؟! لهذا حذرت الأممالمتحدة من وقوع أزمة طاحنة في الغذاء العالمي هذا العام! أرقام منظمة الاغذية و الزراعة ( فاو ) تدل علي أن الأزمة تتفاقم في الشرق الاوسط وأفريقيا، أي نحن نتحدث هنا عن بقعة من عالم نحن جزء منه .. وارتفاع أسعار الغذاء أخذت تثير القلاقل، ومظاهرات الشوارع تفجرت والشغب انطلق في الشهور الاخيرة باندونيسيا والمكسيك وغينيا وموريتانيا والمغرب ومناطق بغرب افريقيا وفي اليمن وأوزبكستان !! أسعار القمح و الأرز والحبوب انطلقت . الأرز وحده ارتفع 50٪ . والقمح زاد 115٪ . ويتردد ان ارتفاع الاسعار من أسبابه ارتفاع اسعار الوقود وتكاليف الشحن والانتقال. انما العالم أصبح يستهلك غذاء أكثر مما ينتجه، لذا أسعار القمح والأرز والحبوب في هذا الارتفاع الذي لا يتوقف المتوقع أن يتضاعف مع الوقت. عن توقعات ما قد يحدث للعالم، تقرير يشمل تقييما لمعلومات صادمة، يقول فيها " ليستر براون "، أحد الخبرات العالمية في هذا المجال أن متطلبات الغذاءأصبحت تزيد عن معدل الانتاج، والانهيار متوقع في اي وقت! الآن، وفق منظمة الأغذية والزراعة ( فاو ) اقتربت اسعار الغذاء من مستويات قياسية. والازمة الشديدة تدق علي الأبواب. الدول المصدرة للغذاء، انكفأت علي نفسها تلملم كفايتها لاطعام شعوبها، فكيف يتوقع أن تهب لمساعدة الآخرين ... الأرز هو الطعام الرئيسي لنحو نصف سكان العالم .. الهند اضطرت للحد من صادراتها للأرز تحسبا لاحتياجاتها ... والفلبين بمبادرة غير مسبوقة، تحرك رئيسها بنحو شخصي مناشدا رئيس فيتنام، أن يضمن للفلبين كمية محددة الأرز ! و القمح، انتاجه أقل مما كان عليه قبل عامين، و مع التحذير من احتمال انهيار يقع في نظام الغذاء العالمي، بادرت أوكرانيا وروسيا والارجنتين، بالحد من صادراتهم من القمح والحبوب، بما قد يؤدي لاندلاع اضطرابات وعنف واسقاط أنظمة وحكومات ! الاتجاه أكثر من أي وقت مضي الي تربية الماشية و اطعامها الحبوب، ادي الي جزء من هذه الأزمة . الطلب قد زاد علي استهلاك اللحوم، و منتجات الألبان . والآسيويون ما كانوا بمستهلكي لحوم ومنتجات الألبان بمثل ما انفتحت شهيتهم علي البروتين الحيواني الآن! الأجيال الجديدة تدرك أن سر قصر القامة الموروثة، من أسبابها كان نقص البروتين الحيواني .. الآن ازدادوا طولا! هذا الكون يدخل حاليا من بوابة عصر، ربما ما عاد فيه العدوان المسلح، هو التهديد الأخطر لمستقبل البشرية، التهديد الحقيقي في هذا القرن قد يكون تغيير المناخ، وتناقص المياه العذبة، والانتاج الزراعي الذي لا يوفي باحتياجات البشر! لهذا يتدافع المستثمرون، وتنهمر الاستثمارت علي الزراعة في العمق الافريقي، الي حيث الأرض بكر وخصب، لم تنهك أو تستنزف، ولا ينقصها غير الأيدي العاملة وتدفق الأموال. الصين وكوريا الجنوبية ودول خليجية كالسعودية وقطر، ومئات الملايين تدفقت علي اثيوبيا وتنزانيا وموزمبيق وغيرهم .. الصين وحدها تستثمر 800 مليون في زراعات الأرز بموزمبيق.. الاردن لها بضع عشرات الآلاف من هكتارات لرعي الماشية وللزراعة في السودان .. كوريا الجنوبية أعلنت اواخر العام الماضي عن استزراع مائة ألف هكتار في تنزانيا.. الاستثمارات تبدو مضمونة علي المدي الطويل في الارض الزراعية وانتاج الغذاء .. مستثمرو الشركات الكبري من عابرات القارات ما بين لندن و وول ستريت تنبهوا لهذا مؤخرا، هكذا تحولت الدول التي تعاني من نقص في اراضي الزراعات ... لابد ونكون قد أدركنا أخيرا أن العالم دخل مرحلة الشح في انتاج الزاد، بصريح العبارة: " المم " هذا الذي يخرج الطفل صارخا الي الحياة بالغريزة يطلبه، و يبقي صارخا في طلبه بنحو أو آخر الي آخر العمر! بعد هذا العر ض: أين نحن من هذا كله؟! لا أخشي من القول أننا كمن يسير أقداره و يعيش عاما بعام... كما لو أنك تسأل صديقا عن أحواله التي تعرف أنها زفت، فيقول لك أهه: أعيش يوم بيوم! هل تعرف معني أن يقول لك شخص أنه يعيش يوم بيوم ؟ يعني لا يدري من أمر غده ولا ما بعد غده : أما عن مستقبله ؟ انسي... ! هذا هو حالنا، وحال كل دولة مثلنا، سلمت أمرها وتستورد نصف غذائها.. يعني رهنت أقدارها! يا حكومة مصر: البلد تحتاج لأهل خبرة ورؤية.. تخصص ادارة أزمات.. نحتاج عقولا اقتصادية تضع حلولا جذرية تنقذ مصر، هذا أو ... لتتحملوا النتائج !