وبدأ بوضوح لا يقبل الشك أن الجائع دائماً غاضب. ففي شهر سبتمبر الماضي أثار ارتفاع سعر الخبز في موزمبيق بنسبة 30% أعمال شغب راح ضحيتها 7 قتلي و288 مصاباً. ولم يكن ارتفاع الخبز قراراً محلياً وانما كان نتيجة لقرار صدر علي بعد آلاف الأميال وتحديداً في روسيا التي أعلنت التوسع في حظر تصدير الحبوب خلال العام الجاري في أعقاب أسوأ موجة جفاف تعرضت لها البلاد. عواقب بعيدة المدي وهو ما يؤكد علي حقيقة انه عندما يتعلق الأمر بالأمن الغذائي فإن ما يحدث في جزء من العالم يمكن أن يكون له عواقب وخيمة وبعيدة المدي علي الكثير من سكان الدول الأخري. وعلي غرار أعمال الشغب التي وقعت في موزمبيق. خرجت مظاهرات ومسيرات حاشدة في الكثير من دول العالم احتجاجاً علي ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وبحسب التقارير الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة فقد سجلت أسعار المواد الغذائية الأساسية والخضروات أعلي مستوياتها خلال عامين. وذلك في الوقت الذي توقع فيه العلماء وقوع المزيد من موجات الجفاف والفيضانات واسعة النطاق. وقفزت أسعار القمح العالمية وأسعار الذرة بما يقرب من 30% في غضون بضعة أسابيع في حين سجلت أسعار اللحوم أعلي مستوياتها في نحو20 عاما كما ارتفعت أسعار الثوم في الصين والخبز في باكستان إلي مستويات قياسية. وفي الأسبوع الماضي توقعت الولاياتالمتحدة انخفاض الانتاج العالمي للقمح بمقدار 30 مليون طن عن العام الماضي. في حين حذر البنك الدولي من أن تقلبات أسعار المواد الغذائية ستستمر لخمس سنوات أخري وطالب بالمساهمة في إنشاء صندوق لمعالجة أزمة الغذاء بعد أن تقدمت الكثير من الدول النامية بطلبات للحصول علي ما يزيد علي مليار دولار. قلق دولي وتحذيرات وفي الوقت نفسه أعربت الأممالمتحدة هي الأخري عن قلقها من استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وحذرت من الاختلالات في نظام إدارة الغذاء المسئول عن الأزمة. كما حذرت حكومات كينيا وأوغندا ونيجيريا واندونيسيا والبرازيل والفلبين من نقص محتمل في الغذاء في العام المقبل. في ظل توقعات بحدوث موجات من الطقس السييء. واستمرار مضاربات التجار الذين يقبلون علي شراء كميات كبيرة من المواد الغذائية لبيعها عندما ترتفع الأسعار. ربما يقول البعض أن أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم لم تصل بعد إلي نفس مستوياتها في عام 2008 إلا أن مؤشر الأممالمتحدة لأسعار المواد الغذائية ارتفع بنسبة 5% في الشهر الماضي. ويقف الآن عند أعلي مستوي له في عامين. صورة قاتمة وخلال الأشهر الست الماضية ارتفعت أسعار القمح والذرة العالمية 57% والأرز 45% والسكر 55% في حين سجلت أسعار فول الصويا أعلي مستوياتها في غضون 16 شهرا. ولم يقتصر ارتفاع أسعار علي حدود الكرة الأرضية بل تجاوزها ليصل إلي الفضاء الخارجي. بارتفاع تكلفة الوجبات الغذائية في المحطة الفضائية الدولية بنسبة 40% خلال العام الماضي. بسبب ارتفاع تكلفة اعداد الوجبات المناسبة للفضاء. وبالتالي فلن نبالغ إذا قلنا أن كل هذه المؤشرات ربما تكون إشارة إلي أن دول العالم تسير في نفس الطريق الذي تسبب في أزمة الغذاء في عام 2008. ولكن ربما تكون هذه المرة أطول مدة وأكثر حدة. وإذا أضفنا إلي ذلك عدد الجياع في العالم الذي يبلغ عددهم الآن مليار نسمة فستكون الصورة بدون شك أكثر قتامة. الخيارات المتاحة ومن ثم فليس هناك خيار أمام دول العالم سوي العمل علي رفع انتاجية الأراضي الزراعية لا سيما وأن هناك حاجة ماسة لرفع الإنتاج العالمي من المواد الغذائية بنسبة 70% من أجل توفير الطعام لسكان الكرة الأرضية الذين يتوقع أن يصل عددهم إلي 9 مليارات نسمة في عام 2050. ولتكن البداية بالتوسع في الاستثمارات الموجهة للأبحاث الزراعية التي تعمل علي استحداث أصناف جديدة أكثر إنتاجية وأقل استهلاكاً للمياه. مع التوسع في تطبيق التكنولوجيا الحديثة في مختلف مراحل إنتاج المواد الغذائية فضلاً عن تبني استراتيجيات أكثر شفافية في مجال تجارة المواد تكفل حقوق الجميع في الحصول علي الغذاء كحق أصيل من حقوق الإنسان. تحديات وعقبات الحقيقة أن هناك العديد من التحديات التي تواجه صناعة الغذاء وينبغي معالجتها فوراً. ويأتي في مقدمتها التدهور البيئي الناجم عن التغيرات المناخية. وتحويل الكثير من الأراضي إلي انتاج الوقود الحيوي بدلاً من إنتاج الغذاء. يضاف إلي ذلك الخسائر الناجمة عن الآفات الزراعية والتي من بينها الصدأ - ابتكرته الولاياتالمتحدة لتقويض الزراعة والاقتصاد في الاتحاد السوفيتي السابق خلال فترة الخمسينيات- الذي يصيب القمح ويتسبب في خسائر في إنتاجيته بنسبة 10% في الدول المتقدمة ونحو 15% في الدول النامية. كما يتسبب عفن البطاطس-المسئول عن وقوع المجاعة في إيرلندا في القرن التاسع عشر- في خسائر تزيد علي 3 مليار دولار سنوياً علي مستوي العالم. الحفاظ علي الأراضي الصالحة للزراعة يمثل في حد ذاته التحدي الأكثر أمام دول العالم حيث انه بحسب تقرير حديث للأمم المتحدة تحت عنوان "الحق في الغذاء" يفقد العالم سنوياً ما بين 5 إلي 10 هكتارات من الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة بسبب تآكل التربة بينما تفقد دول العالم 19.5 مليون هكتار بسبب الاستخدامات الصناعية والتوسعات الحضرية. لن يكون في مقدور دولة واحدة مواجهة كل هذه التحديات بل يجب أن تتكاتف دول العالم من أجل مواجهتها حتي يمكن توفير الغذاء للأجيال القادمة وخفض عدد الأفواه الجائعة. ولتكن البداية بأن تفي الدول الغنية بمساعداتها للدول الفقيرة وأن تتبني سياسات أكثر شفافية وعدالة في علاقاتها التجارية مع الدو النامية. بحيث تكون قائمة علي المنفع المتبادلة والمصالح المشتركة.