مجيد طوبيا مجيد طوبيا أحد المبدعين المميزين ، الذين طغت أعمالهم الابداعية علي تواجدهم في الساحة الثقافية ، لم يكن يرتاد المنتديات والمؤتمرات واللقاءات الادبية ، ونادرا ما كان يتحدث عن أعماله لأنه كان يري أن النجومية للأعمال الادبية نفسها وليست لصاحبها ، وأن الشهرة بقيمة العمل الابداعي وما يحتويه .. لقد اختيرت روايته تغريبة بني حتحوت ضمن أفضل ألف رواية عربية في القرن العشرين كما اختير فيلم أبناء الصمت المأخوذ عن قصته ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية. . في هذه الايام وبالتحديد يوم 25 مارس مرت ذكري ميلاده في صمت مثلما يعيش هو اليوم في صمت وعزلة تامة عن العالم بعد أن ذاع صيت أعماله كل أرجاء العالم . كان مجيد طوبيا كاتبا متوحدا مع ابداعاته وكتاباته التي كان يكتبها في صومعته الخاصة بعيدا عن ضوضاء الحياة ، وعندما سئل ذات يوم عن تفضيله للابتعاد عن التجمعات الثقافية قال : لست رافضا وإنما مفضلا الابتعاد عن التجمعات الثقافية التي لا يدور فيها نقاشات ثقافية جادة ، وللأسف الشديد فإن المثقفين حاليا يدورون في حلقات مفرغة من القضايا عديمة القيمة والفائدة او قضايا مكررة سبق أن ناقشها المثقفون الأوائل وأنا أفضل التفرغ للإبداع فقط . وعن دور المثقف قال : المشكلة التي يعانيها مثقف اليوم والثقافة بوجه عام تتصل بظاهرتين هامتين أولاهما القصور الفكري والثقافي بمعني أننا نعاني هذه الأيام وعلي المستوي العام قصورا فكريا وتدنيا في الإبداع والمطلوب منا نحن المثقفين أن نواجه تلك الظاهرة وألا نتهاون أو نقبل الاعذار او التدني فإذا كنا نؤمن بأن الثقافة هي الأساس في بناء المجتمع ونموه وصحته وعافيته فإن التحدي الذي يجب أن نقابله نحن المثقفين هو محاولة إخصاب تربة الإبداع وتكوين الإنسان التكوين الفكري السليم عن طريق الدفاع عن حرية الرأي وحرية الفكر والتكوين السليم. وتنشأ الإشكالية الثانية مما يحدث بين المثقفين أحيانا من اعتقاد البعض أن كل شيء ينبغي أن يكون في لحظة أو جرة قلم علي ما يرام وهو ما يؤدي ببعض المثقفين الي الاحباط وهذه ظاهرة مرضية يجب التنبه لها فالمفروض علي المثقف أن يتكاتف مع غيره وألا تؤدي الصعوبات التي تواجهه الي التقوقع أضف الي ذلك ما ينشأ بين المثقفين من خلافات وهي شيء مطلوب لأنها تعني أن هناك تباينا في الفكر والاتجاه ، والخوف ان يتحكم تيار واحد ويفرض نفسه ويرفض غيره ولا يتصل بأحد سوي ما يعتقد به، ويجب التنبه الي ذلك فالتباين مصدر صحة لو صب في المجري الهادف. وإذا كان هناك نية لتكريم هذا الرجل في حياته مثلما أكد وزير الثقافة الدكتور صابر عرب بعد زيارته للكاتب مجيد طوبيا في بيته منذ مايو من العام الماضي اثر نشر مقال للكاتب الصحفي مصطفي عبدالله رئيس تحرير اخبار الأدب السابق عن الحال المتردي الذي وصل الية أحد عمالقة الادب في مصر ، وحينذاك عرض عليه وزير الثقافة نقله إلي أحد مستشفيات القوات المسلحة لتلقي العلاج والرعاية اللازمة له علي نفقة الدولة، وطلب وزير الثقافة من الأديب ترشيح أحد كُتبه لإعادة نشرها وطباعتها في إحدي مؤسسات وزارة الثقافة ، وللأسف علي حد متابعتي لكل ما هو جديد في ساحة النشر لم أر أي عمل من أعمال الكاتب الكبير مجيد طوبيا في أي مؤسسة من مؤسسات وزارة الثقافة .. أن أعمال مجيد طوبيا عديدة ومتنوعة وتتسم بالكتابات التاريخية التي يمكن الاستفادة منها كدروس للتاريخ منها علي سبيل المثال رواية " الهؤلاء" التي تتألف من سبعة فصول تدور أحداثها بديار "أيبوط" المجيدة وترتبط بأحد رعايا تلك الديار من المثقفين. وتتخذ الرواية ذات الاجواء الفانتازية، من قطار الدرجة العادية فضاء جديدا لمجريات أحداثها، يسترجع الراوي من خلالها تاريخ مصر القديمة وما أصابها من الانهيار، بعد أن كانت مركزا لحضارة العالم. ولا يحتاج القارئ الي مجهود كبير، ليكتشف أن التاريخ الموغل في القدم، ما هو إلا قناع فني لوصف أو سرد أحداث راهنة، قد تكون أفظع أو أغرب مما وقع منذ مئات السنين ، وبالتالي فإن الروائي، يلتقي، مع فارق فني وزماني ، مع بعض القائلين إن التاريخ يعيد نفسه ، وهناك من يضيف إن الاعادة تتم بشكل أقبح أو أجمل من الصورة الاصل. ورواية " تغريبة بني حتحور" التي صنفت كأفضل عمل روائي بين ألف عمل علي مستوي الانتاج الروائي في القرن العشرين .. ألا يستحق هذا الكاتب الكبير ان يكرم في عيد ميلاده بإعادة طبع أعماله .. إن مصر مثلما تمتلك ثروات طبيعية للأسف مهدرة أيضا لديها عمالقة من المبدعين في شتي مجالات المعرفة والفكر مهدرين .