للحكائين من الأدباء سمات يتميزون بها. منها قراءاتهم المتنوعة. وذاكرتهم الحافظة. وخيالهم الخصب. يجيدون تضفيره في وقائع حقيقية. بالإضافة إلي الموهبة الأهم. وهي قدرتهم علي اجتذاب المستمعين. بصرف النظر عن مستوياتهم الثقافية. إنه يتحدث إلي أصدقاء. يتابعون ما يرويه كأنه شأنهم الشخصي. يجدون في جوانب معاناة الحياة الشخصية انعكاساً لمعاناتهم. ما يحفزهم للمتابعة والسؤال. تبينت في مجيد طوبيا هذه السمات التي تضعه في مقدمة الأدباء الحكائين. أبدع بقلمه: تغريبة بني حتحوت. عذراء الغروب. خمس جرائد لم تقرأ. الهؤلاء. حنان. وغيرها. وأبدع في الموازاة. أو في المقابل حكايات شفاهية. تتحدث عما جري بصدق وعفوية. وإن ألزمته المحاذير أن يضع لنفسه خطاً أحمر يحرص ألا يتجاوزه. مجيد طوبيا شاهد علي جيل الستينيات. من استطاعوا أن يحققوا مكانة أتاحتها قيمة إبداعاتهم. ومن اعتمدوا علي الأساليب الخاصة دون أن يمتلكوا قدرات فعلية. وثمة من باعوا أنفسهم لأول إيماءة. ومن استغنوا عن الوجود الإبداعي بالوجود الشخصي. فهم يشاركون في الندوات والمؤتمرات بالإلحاح الشخصي علي المسئولين عنها. ويقصرون جهدهم علي الإسهامات السريعة في الصحف ووسائل الإعلام. يشغله أن تكون اسماؤهم مرادفة لأي جهد إعلامي أو ثقافي. وربما يصرفون انتباهك عن رداءة كتاباتهم. أو عن أنهم يكتبون ما لا ينتسب إلي الإبداع أصلاً. روي لي مجيد وقائع وحكايات غريبة. طالعنا أبطالها بعكس ما كانوا يرددونه من شعارات وتعبيرات زاعقة. وتعرفنا في المقابل إلي مبدعين كبار. خذلتهم الحياة الثقافية لأنهم لم يجيدوا الانتهازية والتسلق والنفاق. وإن خلفوا ما يتيح لهم مكانة متفوقة في مسار إبداعنا الحديث. إذا كانت ظروف المرض الطارئ قد أثرت علي مجيد طوبيا المبدع ذي الموهبة الروائية والقصصية الفذة. فإنها لم تؤثر علي موهبة حكاء عظيم. شاهد وعرف الحقائق. واتسعت أمامه بانورامية المشهد. وتأمل المنمنمات الصغيرة التي حاول أصحابها مداراتها. لكن عينه اللاقطة ثبتت ما رأته في الذهن والوجدان. ورواها شهادة علي جيل بأكمله. صديقي الدكتور محمد مهدي زاره في بيته. أذهلته ذاكرته الواعية. وإن أشفق عليه من تأثيرات المرض. رعاية مجيد طوبيا روائياً وكاتباً للقصة مسئولية د. صابر عرب وزير الثقافة. وهي مسئولية تتجاوز زيارته الشخصية له نشكره عليها وتلبية بعض مطالبه. إلي متابعة حالته الصحية. فلا يكتفي الأطباء بالقول حين أجروا عليه كشفاً ظاهرياً أنه يعاني خرف الشيخوخة. أما مجيد الحكاء. فإني أقترح علي قناة النيل الثقافية أن تتجاوز في أحد برامجها ظروف مرضه الطاريء. وتحاوره كواحد من أجمل الأدباء الحكائين.