هل تذكرون حالة الهلع التي خلقتها منظمة الصحة العالمية حول فيروسات الجمرة الخبيثة، ومن بعده سارس، ثم إنفلونزا الطيور، ومن بعدها انفلونزا الخنازير. كل هذه الفيروسات خفت صوت الحديث عنها بعد أن حققت شركات الأدوية مرادها، ونجحت في تسويق اللقاحات التي ستنقذ سكان العالم من الموت المحقق. نفس المشهد يتكرر مع فيروس آخر وهو «فيروس زيكا»، الذي شارك الإعلام بقصد أو بدون قصد في صناعة حالة الهلع حوله، مع أنه فيروس قديم، يعود إلي فترة الخمسينيات، ولكن علي ما يبدو أن شركات الأدوية لم تجد خوفا جديدا تتاجر به، فوجدوا ضالتهم في استدعاء هذا الشبح الجديد.؛ تضارب معلومات الصحة العالمية .. والخبراء: الفيروس «عادي» وحملة الترهيب مقصودة وزارة الصحة نراقب ب «الرصد الحشري» وباحث يضع روشته المقاومة للوهلة الأولي قد تتصور أن وزارة الصحة المصرية لا تعط الأمر الاهتمام الكافي، فلم تصدر تحذيرات أو بيانات رسمية، رغم أن كل الدول العربية والأجنبية تتحدث عنه، ولكن بنظرة منصفة، يمكنك القول أن الوزارة تبدو محقة هذه المرة.؛ هذه القناعة يساعد في الوصول إليها المقارنة بين أرقام رسمية حول نسب الإصابة بفيروسات الإنفلونزا التي تم تصديرها لنا علي أنها جديدة، والفيروس التقليدي المسبب للإنفلونزا الموسمية، وهو ما يجعلك تشعر أن هناك أمرا مريبا يقف خلف صناعة الهلع من «فيروس زيكا».؛ ووفق الأرقام الرسمية المعلنة في الولاياتالمتحدة « أكثر دول العالم تقدما من الناحية الطبية»، فإن الإنفلونزا العادية تصيب سنوياً ما يتراوح بين 25 مليونا و50 مليونا، يدخل منهم ما يتراوح بين 150 ألفا و200 ألف المستشفيات، ويتوفي بسببها ما يتراوح بين 30 ألفا و40 ألف مريض.؛
وفي وقت يتوفي فيه كل هذا العدد سنويا بسبب الإنفلونزا العادية في أكثر دول العالم تقدما، فإن عدد من توفي بفيروس إنفلونزا الطيور وصل، وفق أرقام منظمة الصحة العالمية، إلي 261 شخصا منذ إعلان تفشي «الوباء» في 2006 وحتي 15 مايو 2009.؛ فيروس قديم هذه الخدعة التي انطلت علينا قبل ذلك، يري د.مصطفي سليمان استاذ علم الحشرات الطبية بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، بأن هناك جهودا لصناعتها من جديد، مع فيروس «زيكا».؛
ويقول د.سليمان في تصريحات خاصة ل «الأخبار»: «في الريف قديما، كان المتعاملون مع الطيور يصابون بالإنفلونزا، فمن كانت مناعته قوية يستطيع مقاومة المرض، ومن كانت مناعته ضعيفة يتوفي، وهو نفس ما يحدث الآن، ولكن العلم الحديث اكتشف ان الفيروس الذي يصيب المتعاملين مع الطيور اسمه ؛(H5N1 )، لكنه لا يختلف كثيرا عن فيروس الإنفلونزا العادية».؛ وكما أن « انفلونزا الطيور»، فيروس قديم نجح العالم في توصيفه، فإن نفس الأمر يحدث مع «فيروس زيكا» وبصورة تبدو أكثر فجاجة، وفق د.سليمان. وأضاف: « الفيروس تم توصيفه منذ الخمسينيات، فلماذا يتم الحديث عنه الآن، وكأنه جديد».؛ وخلص من ذلك إلي القول: « ليس هناك ما يدعو للقلق، لأن الفيروس غير موجود في مصر من الأساس، كما أن البعوضة الناقلة له لا توجد عندنا، رغم أن اسمها ( الزاعجة المصرية) أو الايديس إيجبتاي».؛ بعوضة الملاريا وحملت التقارير التي تحدثت حول الفيروس البعوضة المصرية مسئولية نقله من شخص لآخر، بما يعطي انطباعا أن مصر ستكون من أكثر الدول إصابة بالفيروس، بسبب وجود تلك البعوضة.؛ ولكن د.سليمان يطمئن المصريين قائلا: « اطمئنوا.. البعوضة ورغم ان اسمها (البعوضة المصرية)، إلا أنها لا توجد في مصر، إذ نجحنا في مقاومتها خلال الأربعينيات، أثناء جهودنا لمكافحة مرض الملاريا».؛ وتابع: « لكن هذه البعوضة الناقلة لفيروس زيكا توجد في بعض الدول الإفريقية وفي المملكة العربية السعودية، وتقول التقارير الصحية الدولية أنها انتقلت مؤخرا إلي أمريكا اللاتينية».؛ وتتسبب البعوضة الناقلة لفيروس زيكا في نقل فيروس آخر وهو»حمي الضنك» في المملكة العربية السعودية، ولكن السلطات الصحية في المملكة تشدد الرقابة علي منافذ الدخول والخروج من وإلي السعودية لمحاصرتها، وهذا هو المطلوب ليس أكثر من السلطات المصرية، بحسب د. سليمان.؛ ويتساءل د.سليمان: « لماذا كل هذا الحديث عن فيروس زيكا، رغم أن عدد من يتوفي بالملاريا التي تنقلها نفس بعوضة زيكا يصل إلي مليون ونصف مليون سنويا؟». ويجيب: « أغلب الظن لأن المراد تحقق وأصبح هناك علاج للملاريا، ومن ثم فإنه لن تكون هناك فائدة من صناعة الهلع حوله». ما أشبه الليلة بالبارحة وحتي لا نشرب الوهم من الجديد، فإن سيناريو صناعة الخوف هذه المرة يتطابق كثيرا مع صناعته في فيروس انفلونزا الطيور.؛ ففي المرات السابقة تم التقديم لتلك الحالة بتقارير صحية تتحدث عن المرض وأخطاره، وتمت الإشارة في تلك التقارير إلي أنه لا يوجد علاج، ثم سيحدث بعد ذلك ظهور للعلاج المنقذ للبشرية.؛ حدث ذلك مع فيروس انفلونزا الطيور ويبدو أنه سيتكرر مع فيروس زيكا، والدليل علي ذلك هو موقع منظمة الصحة العالمية، الذي يبدو مرتبكا في شرحه لهذا الفيروس، الذي وصفه ب « المستجد» وفي نفس الوقت قال إن بداية ظهوره كانت عام 1947في أوغندا.؛ وتشير تقارير صحية دولية إلي أن الفيروس سمي بهذا الاسم، نسبة إلي بحيرة في أوغندا التي تم فيها اكتشاف الفيروس للمرة الأولي عام 1947 وانتقل وقتها عبر البعوض الاستوائي الذي يعرف بالبعوض المصري وهو نفسه الذي يتسبب في حمي الضنك والحمي الصفراء.؛ ورغم حالة الهلع حول الفيروس، إلا أن المنظمة التي كانت شريكة بتقاريرها في صناعته، قالت عند الحديث عن العلاج منه: « عادة ما يكون مرض فيروس زيكا خفيفاً نسبياً ولا يتطلب علاجاً محدداً،وينبغي للأشخاص المصابين به أن يحصلوا علي قسط كبير من الراحة، وأن يشربوا كميات كافية من السوائل، وأن يعالجوا الألم والحمي باستخدام الأدوية الشائعة».؛ وتابعت المنظمة علي موقعها الإلكتروني: « وفي حال تفاقم الأعراض يتعين عليهم التماس الرعاية والمشورة الطبيتين. ولا يوجد حالياً لقاح مضاد لهذا المرض».؛ والمفارقة أن المنظمة ذاتها والتي وصفت المرض بأنه خفيف نسبيا، أشارت في موضع آخر من تقريرها عنه إلي احتمال وجود مضاعفات عصبية ومناعية ذاتية لمرض فيروس زيكا.؛ وخرجت من تحميل نفسها المسئولية عن هذا الكلام بقولها: « ولاحظت السلطات الصحية في البرازيل مؤخراً زيادة معدلات العدوي بالفيروس بين عامة الناس وزيادة في عدد الأطفال المصابين بصغر الرأس عند الميلاد في شمال شرق البرازيل، وقد وجدت الوكالات التي تعكف علي تحري فاشيات الفيروس مجموعة متنامية من البيِّنات التي تشير إلي الصلة بينه وبين وصغر الرأس».؛ وأضافت: « ومع ذلك، يلزم إجراء المزيد من التحريات كي نفهم الصلة بين صغر رأس المواليد وفيروس زيكا، كما يجري بحث الأسباب المحتملة الأخري».؛ الرصد الحشري هذا التضارب في المعلومات حول الفيروس، ربما هو الذي دفع السلطات للتعامل مع الأمر هذه المرة بهدوء.؛ وقال د. خالد مجاهد المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة إن هناك تضخيما في وسائل الاعلام لفيروس زيكا.؛ وأوضح مجاهد في تصريحات خاصة للأخبار، أن البعوضة الناقلة لهذا الفيروس غير مستوطنة في مصر علي الرغم من أن وسائل الإعلام تستخدم في وصفها اسم «الزاعجة المصرية».؛ ورغم أن الأمر في تقدير الوزارة لا يستحق التضخيم، إضافة إلي أنه لا يوجد طيران مباشر بين مصر والدول التي يوجد فيها الفيروس، إلا أن د.مجاهد يؤكد في الوقت ذاته علي أن منافذ دخول مصر مراقبة بشكل كامل لمنع دخول الفيروس لمصر، إضافة إلي «الرصد الحشري» الدائم الذي يقوم به قطاع الطب الوقائي في الوزارة، بأخذ عينات من الحشرات، للتأكد من أنها غير حاملة لأي فيروسات.؛ الوقاية خير من العلاج ويتفق د. علي رسمي أستاذ الحشرات بالمركز القومي للبحوث مع الرأي السابق في نفي وجود البعوضة المتسببه في نقل الفيروس بمصر.؛ وقال د.رسمي ل «الأخبار» البعوضة لا توجد في مصر، فضلا عن أن اتهام وسائل الإعلام للبعوضة الناقلة للمرض تم صياغته بشكل غير علمي، وكأن المشكلة فيها وليس في الفيروس».؛ مضيفًا: « البعوضة المصرية ناقلة للفيروس، ولكن إذا لم يكن الفيروس موجودا في البلد، فلن تنقله البعوضة».؛ ولم تسجل حالات إصابة بالفيروس في مصر، رغم أنه ظل محصورًا في إفريقيا وآسيا منذ أربعينيات القرن الماضي، وحتي عام 2007، قبل أن ينتقل إلي الأمريكيتين. وفيما يتعلق بسبل مقاومة الفيروس، قال د. رسمي: «الوقاية خير من العلاج، والوقاية تكون بالقضاء علي البعوض الناقل له»، مشيرًا إلي أن أنسب الطرق في المقاومة هي تلك التي تعتمد علي وضع مواد جاذبة لإناث البعوض الحاملة للبيض الذي ينتج الآلاف في البرك والمستنقعات، ويتم خلط تلك المواد بمبيدات تقتلها.؛