ليسمح لي القراء الأعزاء أن أروي واقعة قد ينظر إليها البعض علي أنها شخصية لكني أراها ناقوس خطر للآخرين قد تساعد قدر الإمكان في إيقاف نزيف الدماء علي الأسفلت الذي تحتل فيه مصر المرتبة الأولي عالميا وبلغ عدد الضحايا حسب إحصائية العام الماضي 14 ألف قتيل و70 ألف مصاب و16 مليون جنيه خسائر اقتصادية... يوم الثلاثاء الماضي اضطررت للسفر ليلا إلي مسقط رأسي سوهاج لأداء واجب العزاء في وفاة والدة الصديقين اللواء عبد الحكيم العلكي مساعد مدير أمن سوهاج والعميد عبد المنعم العلكي مدير الإعلام والعلاقات بمديرية أمن سوهاج.. تحركنا بالسيارة في الثانية بعد منتصف الليل وكان برفقتي الأصدقاء الصحفيون شهاب العلكي مدير تحرير الأخبار المسائي ومحمد كمال وفتحي أبو سليمان.. انطلقنا بالسيارة عبر « طريق الجيش « الذي يعد من أفضل الطرق التي عرفها الصعيد علي مدي تاريخه ويؤكد أن المشروعات التي ينفذها الجيش تخرج في أجمل وأروع صورة.. الطريق مثل الحرير متسع للغاية ومقسم إلي حارات علي نظام الطرق العالمية تم تصميمه لضمان تقليل الحوادث إلي أقصي مدي.. عندما وصلنا محافظة المنيا فوجئنا بشبورة كثيفة للغاية لم أر مثلها في حياتي تهبط علي الطريق وتحجب الرؤية تماما ولا يستطيع قائد السيارة أن يري أمامه أكثر من نصف متر.. تعجبت لهذه الشبورة التي تشبه قطع الثلج الأبيض تخترقها السيارات بصعوبة.. علي الفور طلبت من زميلي التوقف فورا في أقصي يسار الطريق في الرمال ونفس الشيء فعله كل العقلاء من أصحاب السيارات بينما واصل بعض عفاريت الأسفلت من قادة الميكروباص والنقل الثقيل والملاكي انطلاقهم إلي المجهول.. هبطنا من السيارات واستمر وقوفنا علي جانب الصحراوي 6 ساعات ازدادت فيها الشبورة توحشا وخلال ساعات الانتظار الطويلة قيد الإقامة الجبرية بأمر الشبورة تحدثت مع بعض قائدي النقل الثقيل والميكروباص المنضبطين الذين يراعون حق الله في أرواح البشر وتوقفوا مثلنا حتي تنقشع الشبورة.. سألتهم لماذا يخاطر البعض بأرواحهم وأرواح الآخرين ويمرقون بسياراتهم في الشبورة إلي الهلاك أحيانا ؟ قال أحدهم بعض مجانين النقل والميكروباص يقودون سياراتهم تحت تأثير المخدرات والحبوب التي تصور لهم أنهم ملوك الطريق وأن الجميع يجب أن يخشوهم دون أن يدركوا حجم المخاطر.. تعجبت وتساءلت كيف يسير قائد تريللا أو ميكروباص ليفرم كل ما يقابله ؟ قال سائق تريللا بعضنا ناس ما تفرقش معاهم حياة الآخرين.. طال وقوفنا حتي العاشرة صباحا وبدأت تنقشع الشبورة معلنة الرحيل وتحركنا لنفاجأ بحجم الكوارث والحوادث التي خلفتها تلك الليلة الظلماء بسبب هؤلاء المستهترين.. سيارات مقلوبة وأخري مهشمة وجثث متناثرة ومصابون ينزفون وسيارات إسعاف تسابق الزمن لنقلهم إلي المستشفيات.. قلت لرفقائي هذا مصير من غابت عقولهم عن التفكير الصحيح.. ودفعني الفضول للاتصال بقيادات الشرطة بمحافظتي المنيا وبني سويف متسائلا عن عدد الضحايا الذين سقطوا في هذه الليلة وجاءتني الإجابة صادمة : سقوط 78 ما بين قتيل ومصاب.. أخي قائد السيارة احرص علي أن تعود سالما لأبنائك ولا تؤذي نفسك وتقتل الآخرين.. تصحبكم السلامة.