في الجلسة الأخيرة لمحاكمة مبارك صدمنا رئيس المحكمة قبل إصدار قراراته ببيان حاول أن يقرأه بلغة سليمة , لكن لا البيان ولا طريقة إلقاء رئيس المحكمة للبيان كانت سليمة . لقد " ضحضح " سيادة المستشار الكبير لغتنا العريقة ودمر كل قواعدها وحتي الآيات القرانية لم تسلم من ضعفه الشديد في اللغة التي من المفترض أنه يلمها وتمرس علي إتقانها علي مدي سنوات طوال. لم يكلف رئيس المحاكمة التاريخية نفسه جهدا بأن يقرأ بيانه عدة مرات قبل إلقائه حتي يتقنه فخرج بيانا ركيكا لا يعبر عن مكانة القاضي ولا أهمية المحاكمة . لم يحرص حتي علي إعادة قراءة المرافعات التاريخية للمحامين العظام الذين تركوا بصمات لا تمحي في سجل اللغة القانونية الراقية. ومؤخرا ألقي المرشح الرئاسي أحمد شفيق كلمة أذيعت تلفزيونيا جعلتني أتأكد أن ضحضحة اللغة العربية لم تقتصر فحسب علي قاضي محاكمة مبارك بل وصل الأمر أيضا إلي تلميذ مبارك وربما يكون للأمر علاقة بالرئيس السابق نفسه فقد سار شفيق عكس الطريق الصحيح في كل ما قاله . لقد رفع المنصوب وكسر المرفوع ونصب المرفوع وفعل أشياء كثيرة جعلتني أخرج عن تركيزي فيما يقوله إلي التركيز فيما دمره المرشح الرئاسي . وكان أجدي لشفيق أن يستعين بمصحح لغوي يضبط قواعد اللغة في كلمته وهذا ما لا يعد نقيصة فكل منا قد يجيد أمرا لكن المؤكد أنه لا يوجد من يجيد كل شئ. لم يخل بيان المستشار فاروق سلطان رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية من أخطاء لغوية وإن كانت أقل كثيرا مما ارتكبه قاضي محاكمة مبارك وتلميذ مبارك . وأشيد هنا بطريقة إلقاء سلطان بيانه ففي طريقته حرفة كما ان مخارج ألفاظه سليمة واضحة وربما أذكر ملاحظتي هنا عن سلطان لأني كنت آمل أن يكمل كلمته بدون خطأ فتشفي بعض غليلي مما يرتكبه البعض من جرائم في حق اللغة العربية. ومما يشار إليه أيضا خطاب د. محمد مرسي بعد إعلان فوزه وهو وإن كان أكثر قدرة علي الخطابة إلا أن بعض ما تضمنه خطابه لم يكن مما نتوقعه في أول خطاب رئاسي فقد تطرق إلي تفاصيل لم يكن لها أن توجد في خطابه مثل موضوع " التكاتك " فالخطاب الأول لرئيس الجمهورية مؤشر لملامح الفترة الأولي علي الأقل من رئاسته , وإن كنت أتوقع أن يهتم مرسي بشكل كبير بخطاباته القادمة فلغته سليمة ومخارج نطقه جيدة. أتناول هذه الملاحظة عن لغتنا في الوقت الذي أشعر بالحسرة علي ما وصلت إليه من تدهور وانحدار . فلم يعد هناك من يهتم بالحفاظ علي هذه اللغة ولا أقول الرقي بها رغم أن هوية الأمم ترتبط ارتباطا عضويا بلغاتها وهناك من الدول من تحرص علي حماية لغتها والتوسع في تعليمها لنشر قيمها وثقافتها والحفاظ علي روح الانتماء. ولم أجد من يهمل في لغته قدر إهمالنا . وأتساءل فيم يفكر أشقاؤنا العرب عندما يتراصون أمام أجهزة التلفزيون يستمعون لخطاب أو بيان من مرشح كان يمكن أن يكون رئيسا لمصر . وما رأيهم في قاض كبير يخطئ في قراءة آية قرآنية!! لقد أسعدني الحظ بأن لحقت ببعض الخطباء العظام الذين أجادوا التحدث والخطابة باللغة العربية السليمة . تمتعت كثيرا بلغة د. رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق ( رحمه الله ) كان مفوها لا يخطئ في قواعد اللغة بجانب طريقة إلقائه البديعة . كما تمتعت بخطابة القس بولس باسيلي عضو مجلس الشعب ولغته والذي كان يأسر قلوبنا وأسماعنا نحن أبناء حي شبرا خاصة عندما كان يتحدث عن الوحدة الوطنية. لقد أصدرت ثورة يوليو المجيدة في الخمسينيات قانونا لحماية اللغة العربية وللأسف لا يطبق رغم أنه وسيلة مهمة للحفاظ علي اللغة وصار التعامل بلغتنا الجميلة سداحا مداحا.