أحد الإعلان ردود أفعال واسعة بين المدافعين عن لغة الضاد. وفي مقدمتهم د.محمد عبدالمطلب الذي اشترط خلو الرسالة الجامعية من أخطاء اللغة. قبل أن يوافق علي مناقشتها. ويري د.عبدالمطلب أن الأخطاء اللغوية ظاهرة مؤسفة ومحزنة. وفي قراءاتي في كثير من النصوص الروائية. ألاحظ انتشار الخطأ النحوي والأسلوبي. إلي حد مزعج. ولولا أن مصححي دور النشر حاولوا أن يصوبوا الكثير من الأخطاء. لتحولت هذه النصوص الي مهزلة لغوية. أظن أن جائزة البوكر كان يجب أن تحاسب المبدعين عن الأخطاء. وأن تحرمهم من الجائزة. لكنها تماشت مع الواقع الثقافي المؤسف الذي نعيشه اليوم. وهو الاستهانة باللغة. وتعمد الأخطاء اللغوية. بوصف ذلك من الحداثة. ولا أعفي أهل المغرب العربي من بعض المسئولية حول هذه الاشتقاقات الجديدة الخاطئة دون ضرورة تستدعيها. فالصحيح موجود وسهل. وأمثل فقط تمثيلاً سريعاً الي بعض الظواهر التعبيرية المؤسفة. مثل تموضع. تمفصل. التراتب. كذلك يتواجد من موجود.. كل هذه الأخطاء بوصفها من منتجات الحداثة. وكأن الحداثة تعني الخطأ. إذا كانت هذه الأخطاء متعمدة من الكتاب. فيؤسفني أن أقول إنها دليل علي الجهل. النموذج الذي أحترمه في اللغة هو نجيب محفوظ الذي تأتي نصوصه اللغوية كلها سليمة لغوياً. وثمة إدوار الخراط الذي يحرص علي سلامة اللغة حرصاً دقيقاً. وهناك الآن دور نشر تستحضر مصححين علي درجة كبيرة من الجودة. المصحح هو من يضبط هذه الأخطاء. وحين كنت في الإمارات قدمت اقتراحاً بأن تنهض إمارة الشارقة بدعوة استعادة اللغة العربية مكانتها مرة أخري. وأن يكون ذلك في مسارين متوازيين: الأول: المسار التعليمي في المدارس منذ الحضانة. وأن يكون الطفل العربي دارساً للغة العربية دون منافس حتي سن الثامنة. والمستوي الثاني بالنسبة للكبار. وأن تعد حملة لمواجهة الإعلام الصحفي والتليفزيوني والإذاعي. وإسهام مجامع اللغة العربية بأن تكون الإعلانات والدعايات باللغة العربية السليمة. والحق أني حزين لأن التليفزيون المصري العربي يري أن كلمة "النيل" من القبائح. فيختار بدلاً منها "نايل". هذا تحطيم للغة العربية. وفي الإذاعة برنامج بعنوان "شوبنج". هل كلمة "تسوق" قبيحة؟ كذلك برنامج "راندفو" هل كلمة "موعد" قبيحة؟ المجمع اللغوي منغلق علي نفسه. رغم أن القانون أعطاه سلطة تنفيذية. تتيح له أن يتدخل للتعديل. لكنه لا يفعل علي الاطلاق في مواجهة تحطيم اللغة العربية التي تمثل هوية المواطن. وفي رأيي أن اللغة ليست وسيلة تواصل فحسب. بل إنها تقدم أنساقاً ثقافية تعبر عن مسيرة المجتمع العربي. فعندما أذكر كلمة "الكرم" لابد أن أستحضر تاريخ هذه الظاهرة في البيئة العربية. وكذلك الأمر بالنسبة للشجاعة والكره والحب. كلها أنساق تمثل تاريخ الإنسان العربي وتراثه. المدارس الآن تنشيء مدارس لغتها الأولي الفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية. فالبوكر الآن تسير مع الاطار العام في الهزل العام. فتعطي الجائزة لمن لا يجيد العربية. لو أخطأ هذا الكاتب في كلمة إنجليزية أو فرنسية. تحجب عنه الجائزة فوراً. أما أن يخطيء في اللغة العربية فهذا جائز. وعلي كل فأنا لا أثق في الجائزة كثيراً. وهي جائزة تجري وراء الأسماء اللامعة. وليس وراء الأعمال الابداعية الجيدة. ضرب اللغة العربية هو ضرب للهوية. وأنا أحذر من أنه خلال عشر سنوات علي الأكثر سيظهر جيل لا يمكن أن يقرأ آية قرآنية واحدة. ولا حديثاً نبوياً واحداً. ولا يقرأ بيت شعر أبداً. اللغة الآن تضيع. وعلي سبيل المثال فإن حفيدتي عندما تكتب لي علي جهاز الكومبيوتر: ازيك يا جدو. تكتبها بالحروف الإنجليزية. لأنها لا تعرف الكتابة بالحروف العربية. هذا الجيل لن يكون له صلة بتراثنا ولا تاريخنا. ويري الشاعر حسن طلب أن القضية مثارة من عقود. بداية من الثمانينيات وهي ليست فقط في الأعمال الأدبية. بل شملت الصحف الكبري. وهذا التفشي ينتشر في مجالات الإعلام. وعلي ألسنة المذيعين والمسئولين الكبار. مرجع هذه الظاهرة تدهور التعليم. حتي أن القضاة يخطئون. فبعد أن كانت كلية الحقوق تخرج الأدباء والقضاة المفوهين والخطباء. فإن القضاة الآن يلجؤون إلي مصحح لغوي يصحح الأحكام القضائية. والأدباء يتعاملون مع اللغة باستهتار واستهزاء. يواجه الأديب الشاب بأخطائه. فيضحك دون مبالاة.. هذه الروح التي أصابت اللغة في الإعلام والثقافة والأدب. أدت إلي تدهور اللغة. وعاء ومرآة العقل. في فرنسا تحاسب التشريعات كل من يتحدث بلكنة أمريكية. هذا يعلمنا كيف تحافظ الأمم علي لغتها. مجمع اللغة العربية لدينا لا سلطة له. لكن المفروض أن تكون له استراتيجية في التعامل مع اللغة. لو أني محكم في مسابقة ما من البداية. فسألحظ إن كانت الأعمال قد راعت سلامة اللغة. هناك بعض الشعراء يخطئون في اللغة. واللغة يجب أن تحترم عند الأديب. قد أغتفر ذلك عند فنان تشكيلي أو مخرج. لكن لابد من محاسبة الكاتب المسرحي أو الشاعر أو الروائي. لأن ابداعهم يقوم علي اللغة أساساً. والذي يكرره كاتب أدب الرحلات حسين قدري دائماً علي حد قوله أن دور النشر يتحكم فيها الموظفون الإداريون والمسئولون عن النشر من أرباع المواهب. والتصحيح بالتالي في دور النشر يقوم به غير متخصصين في اللغة العربية. مما يؤدي إلي حدوث أخطاء مطبعية أو لغوية من المؤلف نفسه. إنها مسئولية دار النشرر أولاً وأخيراً. وأن تعترض لجنة بوكر بصورة معلنة علي الأخطاء. فذلك حقها تماماً. ولا يستطيع أحد أن يعترض عليه. المطلوب فقط أن يكون المسئولون في دور النشر علي مستوي المسئولية. فلا يصدر الكتاب إلا بعد الاطمئنان الي مستواه العلمي والابداعي. وأيضاً مستواه اللغوي. بل إنه من حق المؤلف أن يقرأ اسم المراجع والمصحح اللغوي ضمن هيئة نشر الكتاب. حتي يسهل عليه مراجعته.