"حالة خصام" سيطرت علي المشهد السياسي المصري علي مدي الأشهر الماضية أفرزتها الصراعات والخلافات الحادة بين القوي السياسية المختلفة، وفي تطور خطير وصلت هذه الحالة إلي سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية والتي دخلت هي الأخري في سجال وجدال فيما بينها كان أبرزها الخلاف الحاد بين الحكومة والبرلمان في أكثر من مناسبة، وتبادل الانتقادات والاتهامات بين السلطة والبرلمان والقضاء في أعقاب صدور الحكم في قضية الرئيس السابق مبارك، وفي أعقاب حل البرلمان، ثم جاءت حالة الاستقطاب الشديدة التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية بين فئات الشعب المصري، وهو الوضع الحرج الذي يهدد أمن واستقرار مصر، ومن ثم كان لابد أن نضعه علي أجندة الرئيس المنتخب : القيادية الوفدية السابقة د.مني مكرم عبيد استاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، والمنضمة مؤخرا لحزب المصري الديمقراطي تؤكد أن مصر في أمس الحاجة إلي مصالحة وطنية حقيقية تزيل الرواسب التي خلفتها حالة الاستقطاب الشديدة التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية،مشددة علي ضرورة أن تكون هذه المصالحة المهمة الأولي للرئيس المنتخب لإعادة الثقة المفقودة بين القوي السياسية، والبحث عن أرضية مشتركة تجمع أطراف المجتمع، وتستبعد نقاط الاختلاف من أجل روح الوفاق والمصالحة. وتقول د. مني: أول قرارات الرئيس المنتخب لابد أن تتمثل في فتح حوار حقيقي وفاعل وشامل وفوري حول الأسس التي تقوم عليها دولة المواطنة وحقوق الإنسان، وذلك لإعادة ترتيب وبناء البيت الوطني من الداخل، ومن سمات هذا الحوار الضروري استناده إلي إيمان صادق بالوطن بكل فصائله ومؤسساته وأحزابه حتي يكون حوارا من أجل الكل الاجتماعي والسياسي، وهو ما يتطلب الاعتراف بضرورة النقد، نقد جميع الأطراف والقوي والفصائل المؤثرة في الدولة والمجتمع، والاعتراف بوجود أخطاء في الممارسة الديمقراطية حتي نستطيع العبور بمصر إلي بر الأمان، وهي الحالة التي يمكن أن يصل إليها الرئيس المنتخب من خلال الحرص علي تأسيس قاعدة كبيرة منتجة وراسخة وبنية اجتماعية متماسكة تعبر عن التعايش السلمي بين كل مكونات المجتمع المصري. مسلمون وأقباط وتضيف د. مني : لقد كان من أروع ما أظهرته ثورة 25 يناير هو وقوف المجتمع المصري بمسلميه وأقباطه صفا واحدا ضد الاستبداد والقهر والظلم، وكم كان المشهد رائعا ومؤثرا أمام الرأي العام العالمي، عندما اختلطت الترانيم القبطية بصوت الأذان وقت المليونيات والمظاهرات المنادية بسقوط النظام، ثم المطالبة بتحقيق مطالب الثورة، وهي الحالة التي يجب أن نعود إليها حتي نكمل مسيرة الثورة، وهو الأمر الذي يتحقق من خلال مصالحة وطنية شاملة بين أبناء الوطن الواحد من مختلف التيارات السياسية والطبقات الاجتماعية، ولا سبيل لمصالحة حقيقية دون أن تضع الأطراف الفاعلة في العملية السياسية جميع أوجه الخلاف علي طاولة الحوار والنقاش، مع العلم أنه من المعروف في العلوم السياسية أنه لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة أيضا، وعلي كل الأطراف أن تضع مبدأ استعادة الثقة والحوار هدفا أمامها وليس التخوين والإقصاء للجماعات الوطنية والشخصيات العامة. وتشير د.مني إلي أن المصالحة الوطنية بمثابة مشروع بحجم وطن، وإنجاح هذا المشروع لا يتأتي إلا بتوافر العديد من الشروط، أولها استعداد الجميع لتبني الفكرة وسعيهم لإنجاحها، ووضع مصلحة الوطن فوق الجميع، وكذلك وجود حكماء، أكفاء مقبولين من جميع الأطراف يعتمد عليهم الرئيس المنتخب لوضع أسس عادلة ومنطقية لحل يرضي جميع الأطراف . مصالحة حقيقية من ناحية أخري يقول د.وحيد عبدالمجيد مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وعضو مجلس الشعب المنحل : تنطلق أهمية المصالحة الوطنية من قاعدة أساسية وهي أن الوضع الذي تعيشه مصر حاليا خطير ويوشك أن ينفجر، ومن ثم نحن بحاجة إلي إعادة بناء النظام السياسي علي أسس صحيحة، وهو الأمر الذي ربما يستغرق وقتا طويلا في ظل الصراع علي السلطة، حيث لا يمكن تحقيق مصالحة في ظل وجود صراع علي السلطة، وفي ظل إساءة استخدام السلطة القضائية، وهي أمور يجب أن يدركها جيدا الرئيس المنتخب قبل أن يجري مشاوراته حول المصالحة الوطنية . ويضيف د.عبدالمجيد :المصالحة تقتضي قبل كل شئ أن تقوم كل مؤسسة من مؤسسات الدولة بدورها في حدود اختصاصاتها وسلطاتها، بحيث لايتم استخدام مؤسسة ضد أخري، وفي البداية لابد من الاعتراف بنتائج العملية الديمقراطية، وفي ضوء ذلك يتم إعادة بناء النظام السياسي من خلال شراكة وطنية بين القوي الاساسية للثورة، وإذا أمكن تحقيق هذه الشراكة ستكون بداية حقيقية للمصالحة التي ستحدث تدريجيا من خلال عمل مشترك لإعادة بناء دولة منهارة ومجتمع منقسم علي نفسه، وذلك قد يستغرق شهورا أو سنوات وفقا لمدي إمكانية إقامة الشراكة الوطنية، والوقت الذي نستغرقه للوصول إليها والظروف التي تتحقق فيها هذه الشراكة . شفيق ومرسي ويشير الكاتب والمفكر السياسي د.عبدالمنعم سعيد رئيس مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية سابقا إلي أن المجتمع المصري يشهد حاليا حالة غير مسبوقة من الانقسام والخلافات والصراعات بين القوي السياسية فيما بينها، وبين سلطات الدولة القضائية والتشريعة والتنفيذية، فضلا عن الانقسام الشعبي بين الذين صوتوا لمرسي والذين صوتوا لشفيق، وهو الأمر الذي يجعل الرئيس المنتخب أمام وضع حرج، وبالتالي لابد أن يكون شغله الشاغل في بداية عمله هو العمل علي تحقيق مصالحة وطنية حتي يمد يده إلي الجميع وبالأخص إلي نصف المجتمع الذي لم يصوت له . ويوضح د. سعيد أن المصالحة الوطنية يمكن أن تتحقق من خلال ثلاثة عناصر:أولها الاعتراف بوجود حالة الاستقطاب، والذي يعود إلي القرن التاسع عشر حول ماهية الدولة المصرية، والحقيقة أننا لسنا الدولة الوحيدة التي يحدث فيها هذا الاستقطاب، فهو يحدث في أمريكا بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، وفي بريطانيا بين حزب العمال وحزب المحافظين، وثاني هذه العناصر يتمثل في ضرورة أن تهدأ لغة الكلام، ونكف عن ألفاظ التخوين والتكفير والاتهام، فإذا أردنا أن نتعايش مع بعضنا البعض علينا أن ندرك أننا نعيش في وطن واحد وسفينة واحدة، وطالما أن المصير واحد فلابد من التعايش المشترك . أما العنصر الثالث فيتمثل في خلق وسيلة لتداول السلطة مثلما يحدث في أمريكا بين الجمهوريين والديمقراطيين وفي بريطانيا بين العمال والمحافظين . توافق عام ومن جانبه يقول د.محمود حسين الأمين العام لجماعة الأخوان المسلمين : الحقيقة أنا لا أري المشهد بهذه الصورة المأسوية، فالذي يحدث بين القوي السياسية المختلفة أو حتي سلطات الدولة أو القوي الشعبية ليست حالة صراع، وإنما هي حالة من الجدل والخلاف وعدم الثقة وعدم الاطمئنان، وبالتالي نحن لسنا في حاجة إلي مصالحة وطنية، وإنما بحاجة إلي توافق عام من أجل التعاون وإعادة الثقة حتي ننهض بمصر، وحتي نستطيع أن نستكمل مسيرة الثورة . ويضيف أمين عام جماعة الأخوان المسلمين :ليس أمام الرئيس المنتخب سوي أن يوجد هذه الحالة من التوافق، وبلاشك لديه من الامكانيات التي تعينه علي ذلك، وهذه الحالة يمكن أن نصل إليها من خلال عدة أمور وسلوكيات أبرزها الشفافية، والمساواة بين الجميع، والبحث عن مصلحة مصر ووضعها فوق كل المصالح، وأن تستخدم وسائل الإعلام النقد الموضوعي دون تحيز لأي طرف،وإلي جانب هذا ينبغي أن يكون الرئيس المنتخب علي الحياد،ويقف علي مسافة واحدة من كل القوي والفئات والطوائف . تقول المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا: ما نشاهده الآن في الشارع المصري من انقسامات واستقطاب واضح بين النخب السياسية ومعظم فئات الشعب بين مؤيد ومعارض لدرجة لا نستطيع معها ان تحدد ماذا نريد بالضبط كل هذا ظاهرة مؤقتة لانها تقوم علي اساس ديني او ثنائيات سياسية متعمدة ومقصودة كما انها تتعارض اصلا مع طبيعة الشعب المصري وما عرف عنه من قيم التسامح والهدوء والاستقرار لسنوات طويلة ماضية. ولكن الاستقرار وعودة مصر لطبيعتها ستعود عندما يتحقق العدل الاجتماعي.. ويشعر كل الناس بأن خير الوطن يوزع علي الجميع. واضاف كلنا يذكر ايام عبدالناصر عندما كان الاستقطاب اجتماعيا وكانت الفوارق الطبقية بين الناس واضحة وبسيطة وكان التفاف الناس حول اهداف وطنية حقيقية في ظل دولة قوية تفرض هيبتها علي الجميع ولا صوت فيها يعلو علي صوت القانون والحق ووجود زعيم قوي ويجني الجميع ثمار التنمية التي ظهرت في بناء المصانع وتعمير الصحراء ورغبة قوية في نهضة مصرية حقيقية. اسباب عديدة ويقدم سامح سيف اليزل رئيس مركز الجمهورية للدراسات السياسية والامنية اسباب لما يحدث كما يقدم خريطة طريق للخروج الآمن من الوضع الراهن ويقول: اول هذه الاسباب ان مصر شهدت منذ قيام ثورة يناير وحتي الان ميلاد ما يقرب من 420 حزبا وتيارا وائتلافا وقوي سياسية كل تعمل الان في الداخل بعد سنوات طويلة من تحجيم وانشاء الاحزاب خلال الحكم السابق كل هذه التيارات والقوي تحاول اثبات وجودها والحصول علي اكبر عدد من المؤيدين له واعضاء جدد لحزب في محاولة لايجاد ارضية شعبية له..ومن هذا المنطلق غلب علي الكثير من هؤلاء مصالحه الحزبية والدينية والسياسية علي مصالح الوطن. وثانيا: وهو ما زاد من المشكلة ان بعض الفئات الاخري التي لا تنتمي للسياسة بشكل مباشر تحاول السعي لاكتساب الشهرة والحصول علي مكاسب مختلفة. وعندما تتغلب المصالح الخاصة علي المصالح القومية تنهار القيم والمبادئ. ثالثا: تعدد الانتخابات »شعب وشوري ورئاسة جمهورية.. والاستفتاءات منذ قيام الثورة زاد من فرقة الشعب وتطاحنه علي مبدأ الفوز واثبات الذات في محاولة للسيطرة علي الحياة السياسية من خلال فوز مرشحين بعينهم«. رابعا: ظهر في الآونة الاخيرة استباحة الهجوم علي القضاء المصري وعدم الرضا باحكامه والتشكيك في نوايا القضاة والاعلان ان القضاء المصري مسيس يقبل الضغوط قبل اصدار احكامه وما تبع ذلك من هجوم علي شيوخ القضاة انفسهم.. ودخول الاعلام والفضائيات طرف في كل هذه القضايا. كل هذا احدث هزة كبيرة لدي قطاع عريض من الشعب وزاد عليه اصرار تيارات سياسية ودينية علي عدم تنفيذ احكام القضاء. اذن كيف نخرج من هذا وتحدث مصالحة بين كل فئات الشعب؟ اعتقد انه يبدو ان المستقبل سوف يسير في نفس الاتجاه ما لم تعلو مصلحة الوطن ومصلحة مصر فوق المصالح الحزبية والدينية. كل هذا لن يحدث الا بتحرك العقلاء من السياسيين وقادة الاحزاب والنخب السياسية والاتفاق علي الخروج من الازمة بعد اجتماعي جديد بالبعد عن فكرة التحزب والتطرف الديني.. وان يعرف الجميع بان التعبير عن الرأي قضية حضارية تفرضها الديمقراطية ولكن لابد ان يبعد عن التطرف الفكري والعنف البدني والاثارة المغرضة. الاغلبية الصامتة ويقول اللواء عبدالمنعم كاطو الخبير الاستراتيجي علينا ان نعرف ثورة يناير اخرجت الشعب المصري بالكامل من القمقم الذي عاش فيه ما يقرب من 60 عاما في ظل حكم سلطوي واتجاه واحد لا يمكن الخروج عليه والا كان مخالفا للقانون والحياة السياسية في مصر. واضاف: علينا ان نطمئن فطبيعة الشعب المصري مسالمة يرغب دائما في الاستقرار بحكم انه يعيش علي النيل والزراعة ودائما ما كان التآلف والوحدة تميزه. وفي هذه الايام نجد ان 80٪ من الشعب الان يريدون الاستقرار هؤلاء هم ما نطلق عليهم الاغلبية الصامتة او حزب الكنبة واعتقد ان هؤلاء سوف يفرضون ارادتهم لتعود مصر كما كانت دائمة مصر آمنة مستقرة.. تفرض كلمتها وتعرف طريقها. اهداف الثورة ويقول جرئ الطاهر عضو اتحاد الثورة المصرية ومؤسس جبهة ثوار خلف القضبان لن تعود مصر لطبيعتها الا اذا تحققت اهداف الثورة لقد خرج الناس لميادين مصر من اجل عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية ولكن حتي الان لم ير الناس شيئا من اهدافها.. بل حدث التفاف علي هذه المبادئ. وعندما تحقق سوف يتغير الناس وقد لاحظنا هذا الامر قبل ذلك فالناس لم تهدأ في ثورة 19 الا بعد ان حصلوا علي الاستقلال بموجب تصريح فبراير 1921 كذلك ثورة يوليو لم تستقر الاوضاع الا بعد 4 سنوات بخروج الانجليز من مصر واعلان الجمهورية.. وبدأ تطبيق مبادئ الثورة بقوانين الاصلاح الزراعي وتحديد الملكية وغيرها من المبادئ. واضاف: لقد لاحظنا كيف تغير سلوك الناس في الايام الاولي لمجرد احساسهم بان هناك تغييرا حقيقيا حدث في مصر.. اشادت به كل دول العالم اذن لو تحققت اهداف الثورة.. بالعيش.. والحرية والعدالة الاجتماعية.. لتغير الناس واصبحنا مجتمعا جديدا. احترام القضاء اما نبيل ذكي الكاتب الصحفي ونائب رئيس حزب التجمع فيحدد عدة مطالب اساسية لابد من سرعة تنفيذها لاعادة الحياة الي طبيعتها وهي ضرورة ان نلتزم جميعا باحترام احكام القضاء والا نستخدم اسلوب التظاهر وابداء الرأي حول الاحكام القضائية وعلينا ان نعرف انه لا تعليق علي احكام القضاء. كما علينا جميعا الالتزام بحماية وامن وسلامة المواطن المصري والدولة المصرية بمعني انه لا يصح الاعتراض علي قرار منح الشرطة العسكرية والمخابرات العسكرية سلطة الضبطية القضائية.. وان نعرف من الذي يتولي تهريب الاسلحة الثقيلة والصواريخ الي مصر ومن الذي يتسلمها وما هو الاغراض التي سيستخدم. واخيرا علينا احترام قواعد الديمقراطية وقبول الاخر وقبول الاختلاف في الرأي والاعتراف بالتعددية الفكرية والسياسية والثقافية. الدولة القوية اما احمد زايد استاذ الاجتماع وعميد كلية الآداب جامعة القاهرة الاسبق فيقول: ان عودة مصر الطبيعية القوية يحتاج الي عمل كبير تعود مصر القوية الي سابق عهدها وذلك بوجود قيم مركزية متفق عليها وقدر كبير من التواصل بين جميع الاطياف السياسية. علينا ان نعرف انه في السياسة نوعان من الدول القوية.. والرخوة.. فعندما يرفض البعض الان تنفيذ احكام القضاء فنحن امام دولة رخوة.