كلنا يعرف لعبة "الشايب" في الكوتشينة، وهي لعبة تقوم فكرتها علي أن الشخص الذي يحمل معه الشايب من بين اوراق الكوتشينة يتفق الاخرون المشاركون له في اللعبة بعد المداولة السرية بينهم علي إصدار عقوبة ضده وجب عليه تنفيذها، أيا كانت العقوبة مثل الرقص أو الكنس أو المسح أو حتي الضرب أو غيرها من العقوبات المضحكة، وبالطبع هي أولا وأخيرا لعبة للتسلية، هذه اللعبة الورقية التي كنا نلعبها ونحن صغار كانت توقعنا في الضحك ونحن نشاهد المحكوم عليه وهو يرقص مثل القرد أو يقوم بالرقص علي السلالم أو تنظيف الاطباق أو تلميع الارضيات، وما يحدث حولنا ونعيشه في هذه الايام يذكرني بهذه اللعبة التي تروي حكاية وطن بأكمله ذاق من "الشايب" نفسه المر والظلم والقهر والحرمان وفقدان أبسط وسائل الحياة الكريمة، وعاش غالبية الشعب تحت حد الفقر، وبقي الشايب لآخر لحظة في عمره يبحث عن كافة الوسائل لتوريث العذاب لشعب أراد الحياة فاستجاب له القدر بثورة بيضاء اذهلت العالم، حطم فيها حواجز الخوف ونفض عن نفسه كل أشكال القهر والظلم في مليونيات متتالية طالبت بإسقاطه، وسقط الشايب وتصور البعض ان الظلام انقشع، وتمر الايام ونحن في الانتظار، وتأتي المحاكمة صدمة قوية زلزلت كيان الشعب الثائر الذي دفع مقدما خيرة شبابه مهرا لتحرير بلده من الفساد، وبعد ديباجة رائعة لقاضي اللعبة الذي توهمنا بأنه يحمل الحكم الصائب في تهمة خيانة الامانة للوطن جاء الحكم مثل احكام لعبة الشايب في الكوتشينة مضحكا الي حد البكاء والصراخ والخروج الي الميادين من جديد للمطالبة بإعادة المحاكمة لكل من أفسد حياة الشعب وتطهير القضاء، وحكموا بالمؤبد المضحك لرجل يبلغ بعد شهور قليلة الخامسة والثمانين ليخرج من السجن بإعفاء السن !! ، وبراءة اليد الثالثة في اللعبة من قتل المتظاهرين "ويا دار ما دخلك شر".. وكان هناك ثورة ذات يوم... وخلصت الحدوتة !!.. وكان من أجمل التعليقات التي سمعتها علي محاكمة القرن: ان السجن المؤبد حكم ظالم بالفعل !! وكان من الافضل ان يحكم عليه بالإقامة المؤبدة هو وزوجته في احد عشوائيات بلاده ليذوق طعم الحياة التي اوجدها نظامه علي مدي ثلاثين عاما.