علاء عبدالوهاب تغيير الواقع يحتاج إلي قرارات ومبادرات، لكنه قبل ذلك لابد أن يتوافر الخيال، والقدرة علي الحلم الخميس: من الأحق بحكم العالم؟ من الأجدر بصياغة المستقبل؟ ثم من يجمع بين الاحقية والجدارة؟ اسئلة أرقت البشر طويلا.. وعلي مدار التاريخ تعددت الاجابات: أهل القانون، لا أهل العلم.. الفلاسفة، الاقتصاديون.. من تجري في عروقهم الدماء الزرقاء.. لا بل النخبة السياسية.. أصحاب الياقات البيضاء.. لا بل ذوو الافرولات الزرق المدنيون، العسكريون.. الشباب، الشيوخ.. الرجال، النساء.. لماذا نُقصي اطفالنا عن الخيارات، رغم ان كتب التاريخ زاخرة بأطفال حكموا علي مر العصور، لعل اكثرهم شهرة الفرعون الاسطورة توت عنخ آمون؟ قد يقول قائل: وهل كانوا يحكمون فعلا ام ان هناك من يمارس وصايته او يحرك الاحداث من وراء ستار؟ قبل ان اجيب، قفزت من ذاكرتي البعيدة مقولة حاكم اشار لابنه الطفل ذات يوم مؤكدا انه الحاكم الحقيقي للمملكة، وحين سألته الحاشية تفسيرا، اوضح ما يعنيه فقال: - صحيح انا آمركم، لكني لا استطيع رفض رغبات الملكة، وبدورها لا تملك إلا تلبية ما يريده طفلنا العزيز، تري من يصدر لكم الاوامر حقا؟! ................................ تداعي ذلك كله إلي خاطري عندما طالعت خبرا عنوانه: «15 طفلا يحلمون بصورة العالم في 2030» وفي التفاصيل، اشارة إلي خطوة غير تقليدية علي هامش الدورة العامة رقم (70) للأمم المتحدة، باستضافة «منظمة إنقاذ الطفولة» 15 طفلا من مختلف انحاء العالم في جلسة نقاشية ينقلون عبرها رسالتهم لقادة العالم حول احلامهم وطموحاتهم لصورة العالم بعد 15 عاما من الآن. ما مغزي التوقيت؟ دورة الجمعية العامة معنية- هذه المرة- باعتماد اچندة طموح للتنمية المستدامة، بالتركيز علي الاطفال الذين يصلون لمدارك الشباب بحلول 2030، من ثم فإن مشاركتهم في رسم ملامح المستقبل تتجاوز الدلالات الرمزية إلي ما هو اوسع وأعمق، هكذا اتصور كيف يفكر من خططوا لهذه المشاركة. تغيير الواقع يحتاج إلي قرارات ومبادرات، لكنه قبل ذلك لابد ان يتوافر الخيال، والقدرة علي الحلم، ولو صدقت النوايا فإن الاحق بصياغة اي قرار يرنو للغد قريبه وبعيده هو من يشقي او يسعد بتوابع القرار، واذا كان الحكام خدام الشعوب، واذا كان المستقبل من اجل الشباب وبأيديهم، فمن الاولي ان تكون احلامهم حاضرة، وتصبح محل اعتبار من يديرون ماكينات الحكم والسياسة. ...................... ربما ثمنت المشهد من منظور لا يختلف أو يبتعد كثيرا، لكنه قد يضيف، بما يتفق مع ما عاصرناه خلال الاعوام القليلة الماضية. منذ مطلع 2010 واطفالنا في القلب مما يدور، لا بالمتابعة أو المشاهدة فقط، وانما ايضا بالمشاركة، انهم اطفال الثورة حين لوحوا بعلامة النصر، او شاركوا ذويهم الهتاف والبيات في ميادين التحرير العربية، بعضهم انسل وانطلق وحده، واخرون كتبت اسماؤهم مع الشهداء. في اماكن اخري من عالمنا الفسيح القاسي، كانت الأثمان التي دفعتها الزهور والبراعم البريئة اكثر فداحة، فالملايين دفعوا ثمن حروب وصراعات دموية اغتصبت براءتهم حينا، واختطفت حيواتهم مرات، ودفعتهم للانخراط في جيوش امراء الحروب احيانا اخري. هنا وهناك، اطفال بالملايين حُرموا من حقهم في التعليم، وتعرضوا لانتهاكات بشعة بلا رحمة، والاخطر ان هؤلاء واولئك سوف لا ينسون معاناتهم، لترث البشرية جيلا- علي الاقل- من الاطفال ضحايا قسوة غير مسبوقة، فطحنهم الرعب، وملأ قلوبهم اليأس، بل ان بعضهم كان ضحية تجار البشر الذين باعوهم كعبيد! ...................... بعد هذا السجل الحافل من المعاناة.. هل كثير علي اصحاب الحق في المستقبل ان يُدعوا للمشاركة في حكم العالم، ورسم ملامح الغد باحلامهم؟ لعله نوع من الاعتذار تقدمه الجدة العجوز في عيد ميلادها السبعين- عمر الاممالمتحدة- او لعل بعض اصحاب النوايا الطيبة حقا ارادوا بدعوة ال 15 طفلا ان يكونوا شهودا علي تعهد قطعه المجتمعون عبر التأكيد علي عزم الاممالمتحدة علي انقاذ الاجيال المقبلة من ويلات الحروب. المثير في الامر، والداعي في ذات الوقت لاستدعاء الشك والريبة، ان رؤية الاطفال واحلامهم حظيت بنوع من التعتيم الاعلامي الغريب وغير المبرر، ربما لأن ما تخيلوه فاق بكثير توقعات الذين دعوهم، وربما أيضا تكون افكار الاطفال الذين انضجتهم قسوة الكبار اربكت من يتصورون دائما انهم يحتكرون الحكمة! دولة سوق السيارات! الجمعة : قطعة من العذاب محكوم علي سكان هذه المنطقة تجرعها مرتين اسبوعيا: الجمعة والأحد! تخال نفسك وكأنك في دولة غير الدولة، لها حكامها، وقوانينها، وطقوسها، ولا تملك إلا الانصياع او الرحيل! دولة فوق الدولة، او خارجة عنها، ولا ينقصها سوي البيان رقم «1»، لتستكمل مقوماتها، وربما يفكر اباطرتها في طلب عضوية الاممالمتحدة، ولو بصفة مراقب. الاهالي يعتبرونها دولة احتلال، وقد يطالبون بالالتجاء للقانون الدولي حتي يحظوا بما يفرضه علي المحتل من مراعاة حقوق الواقعين تحت احتلاله، وابسطها حق الحركة والانتقال السلميين من وإلي مساكنهم! وحتي لا أزيد من غموض الموقف، فإن الكيان الغاصب الذي اقصده يتمثل في «دولة سوق السيارات» التي اعتادت فرض وجودها يومين من كل اسبوع، فتحتل الحي السويسري بمدينة نصر تحت سمع وبصر كل الاجهزة المعنية، بل ربما بحمايتها، خوفاً او تواطؤاً لا استطيع ان اجزم! نجوم ونسور تضوي تحت اشعة الشمس، يتحرك من يحملونها علي اكتافهم بزهو غريب، وسرينات تعوي علي استحياء لعل الاباطرة وضيوفهم يفسحون طريقا للسيارات الرسمية التي تطلقها، ثم سرعان ما تعود ريمة لحالتها المستعصية الميئوس منها في ثوان معدودات. توسلات واتصالات لم تفلح في تغيير الواقع الأليم.. وعود تتبخر، وصبر نفد، وأمل لا تتحقق أي بارقة له توحي بقرب زوال الاحتلال، والانتقال لموقع آخر تزعم المحافظة توفيره لاسباغ الشرعية علي «دولة سوق السيارات»، بعيدا عن موقع استراتيچي بكل ما تعنيه الكلمة، لأنه يشق مدينة نصر من جهة، ثم انه الطريق الرئيسي المؤدي للقاهرة الجديدة، وقبل ذلك وبعده، فإن تحرك سيارة اطفاء او اسعاف لانقاذ من يحتاج اليها يعد من الامور المستحيلة، فإلي متي يستمر الحال هكذا؟ .............................. ليس أمامي وجيراني من خيار سوي البحث عن قريب او صديق يقبل ضيافتنا ايام الجُمع وقضاء كل أحد في باريس. أما لماذا باريس؟ ، فلأن رئيسة بلديتها قررت اخلاء وسط العاصمة والمناطق المحيطة بمعالمها كبرج ايفل والشانزليزيه من ضوضاء السيارات وادخنة العادم الاحد من كل اسبوع، حتي تتيح للمارة المشي او ركوب الدراجات او التزلج، ولاشك ان بشرا كرهوا السيارات وسيرتها وسنينها سوف يعتبرون رحلة اسبوعية إلي باريس مهما كانت كلفتها فرصة مواتية للاستمتاع بيوم خال من اي شيء يذكرهم بالسيارات، ويباعد بينهم وبين «دولة سوق السيارات» كما بين السماء والأرض أو الجنة والنار! ....................... هل يلتفت محافظ القاهرة ومدير أمنها، ومدير مرور العاصمة لصراخ رعايا دولة سوق السيارات، الذين يفتقدون مشاعر المواطنة تحت سماء الدولة المصرية يومين اسبوعيا؟! الكتابة .. وسنينها السبت: لماذا أكتب؟ السؤال الخالد الذي يداهم عقل الكاتب مهما طال امد احترافه. هل يكون الدافع ذاتيا؟ هل يهدف المرء لإفادة مجتمعه، او تنويره، او امتاعه، ام نقل بعض خبراته لقارئه؟ ربما يكون بعض ذلك او كله، او لا شيء منه، او بحسب تقلبات نفس الكاتب التي تكون مرات كالفرن الهادئ، او البركان الثائر، او كمعمل للكيمياء يضبط تفاعلاته، وكأنه بصدد اختبار معادلة. عموما، الكاتب لا يسكب من ذاته دائما، ولا كل ما يخطه تعبير عن تجارب شخصية، لأن عالمه ارحب كثيرا واوسع، فثمة قراءات، مشاهدات، متابعة، تجارب آخرين، ميديا،...، كل ذلك واكثر من مؤثرات مباشرة، وغير مباشرة تمس وجدانه وعقله، وضميره تمتزج ولا يعرف في النهاية ماذا كان الاكثر اثرا فيما يصوغه. احيانا، يثير سطر او جملة، او مقال حساسية البعض، وبينهم احبة، والكاتب بريء تماما مما ذهب اليه خيال قارئه، لأنه لم يكن يقصد- بحق- ما تبناه الثاني من تفسير! «يجوز».. بهذه الكلمة وحدها كان كاتبنا العظيم نجيب محفوظ يعقب علي تباين قراءات الجمهور او النقاد لابداعه، فصاحب القلم يكتب، وينتهي دوره، ليبدأ المتلقي في التفاعل مع ما يقرأ حسب هواه، وحالته المزاجية وخلفيته وتكوينه، وقد يري ما لم يفكر فيه الكاتب، وبالتأكيد هو حر في رؤيته وتفسيره، ولكن علي مسئوليته. ثم علي الكاتب ان يتقبل من الجميع، من يتفق معه، ومن يختلف، شرط ان يكون جمهوره اكثر تسامحا، فلا يصر علي انه يقصد كذا بالذات، او يعني كيت باليقين، لأن صاحب القلم يقول كلمته ويمضي. قد يكتب علي سبيل الفانتازيا، فيتصورها البعض منتهي الجد، وربما يحدث العكس تماما، وفي الحالتين يتحول الكاتب إلي ضحية، ويقول في سره: «لماذا أكتب.. أنا اللي جبت ده كله لنفسي».. وقد يضطر للاعتذار عما لم يقصده ابدا! «توهان» .. الذات! الأحد : أصادفهم كثيرا، ربما اكثر من المعتاد، او مما كنت أراه غير لافت للنظر، أو لا يستحق منحه اهمية استثنائية. منهم من تتصور انه يتجه بعينيه نحوك، مترصدا حركتك، او متابعا لأدائك، ثم تكتشف انه «يبحلق» في اللاشيء! آخر تظن انه يرهف سمعه تجاهك، فإذا بك تقصده بكلمات محددة، فيفاجئك غيابه عن كل ما حوله، بما في ذلك أنت! .. وثالث.. ورابع، لا يجمع بينهم سوي انهم لا يدركون العالم الذي يُفترض كونهم جزءاً منه، قد تعتقد ان بعضهم يتمركزون حول ذواتهم، او لا يهتمون بسواها، ولا يعيرون- بالتأكيد- أحدا آخر أي درجة من العناية، فما بالك ان يدخل في دائرة اهتمامهم اي قضية او رسالة، دفاعا او هجوما! الحقيقة ان هؤلاء جميعا منفصلون عن الواقع، حتي احساسهم بذواتهم، غالبا ما يغيب عنهم القريب الواضح، ويحترفون النظر للبعيد الضبابي، هناك حيث يتكثف الظلام طبقات فوق طبقات ! اذا حاولت الاقتراب- علي غير رضا من جانبهم- لفحتك سخونة مشاعرهم الباردة بكآبة تكفي المئات للاصابة بكل العلل النفسية المعروفة، وربما يكون علي الاطباء الاجتهاد في اكتشاف امراض لم يسبق لهم معرفتها! تاهت منهم- وعنهم- ذواتهم، وخطواتهم، بعد ان صاغوا حياتهم في صورة معادلة صفرية. إما كل شيء او لا شيء! يتطلعون للمستحيل، ويرفضون الممكن، ولو إلي حين! حذفوا من قاموسهم معاني الصبر، الأمل، الحلم، الإنجاز...،... استبدلوها بقاموس لا يعرف سوي القلق، الاحباط، التخبط، الضجر....،..... هل تراهم يستحقون الرثاء او الشفقة ام النصح والسعي لإفاقتهم قبل فوات الاوان؟ ثم هل هي مشكلة ذويهم واصدقائهم ام المجتمع عموما بمؤسساته المعنية بالتنشئة والصحة النفسية؟ ربما يحتاجون- وأنت وأنا معهم- إلي التغيير الذي يعيد لهم ذواتهم التي تاهت في زحام الحياة، وتحت ضغوطها الهائلة، قد نكون جميعا- وليس هم وحدهم- بحاجة إلي رسائل أمل حقيقي بريء من الزيف، ومن السوداوية والقتامة تحت شعار الواقعية! القدوة- ايضا- حين تكون طبيعية بلا ادعاء تُلهم هؤلاء، وتزرع في نفوس الحياري الحافز والثقة، وتُبعد شبح الانكسار والانطواء داخل ذواتهم. .................... النصيحة دائما ما تكون ثقيلة علي النفس، بالنسبة لمن يستمع لها بأكثر من قائلها، وقد يستوي الامران، لكنها تبقي ضرورية لاسيما اذا كانت ضمن روشتة النأي بالذات عن «التوهان». ومضات فن الهدم، وهدم الفن، تجمع بينهما المعاول. ليس كل جديد، حديثا، لأن الموضة دوارة. حين يموت الموت، تبدأ الأبدية. من لا يجد معني لحياته، لاجدوي لمعاشه! معزوفة العزوف يعزفها من اختار الاحتجاج الصامت آلية للتعبير. الصمت المطبق قد يكون صرخة مدوية عند من يجيد الإنصات، ويملك اذناً مبصرة. أن تُحِب او تُحَب ليست تلك هي المسألة، الأحب أن تتحابا. إذا غضبت لن تري سوي صورتك حتي علي الاسطح المعتمة! أكثر من يشيدون بالديمقراطية تسكنهم روح مستبدة!