لم يكن الدكتور صلاح هلال.. يكذب علي الناس.. وإنما كان يكذب علي نفسه.. دون أن يدري الصورة التي نشرتها صحيفة «الأخبار» التي بين يديك.. علي ستة أعمدة علي صدر الصفحة الرابعة يوم الثلاثاء 8 سبتمبر 2015.. هي صورة بالاشعة فوق البنفسجية لحقيقة الأمراض التي نعانيها في السنوات الأخيرة.. واطلت علينا بعدما تولت زمام أمورنا جماعة النصب والاحتيال باسم الاسلام. الصورة للدكتور صلاح هلال عندما كان وزيرا للزراعة.. وقد جلس متربعا فوق الأرض في أحد المساجد. بعد ان ارتدي الجلباب وفوقه العباءة الثقيلة بنية اللون.. وقد مد يديه وبسط أصابعه في خشوع تخر له الجبال.. وكأنه يقرأ في مصحف شريف. وتبدو علي وجهه كل إمارات الزهد وسمات العالم الذي يوغل في علوم الدين.. ويخشي امتلاك الأموال أو الضياع التي قد تلهيه عن علوم الشرع وتستدرجه إلي الخلط بين الحلال والحرام.. وبين زجاجة الويسكي وزجاجة المياه المعدنية. انها آفة التظاهر.. بالتدين.. واتقاء الله ورسوله.. والاسراف في استخدام مساحيق الأقوال المأثورة.. التي يسأل فيها الله سبحانه وتعالي بأن يسبغ عليه بنعمة الستر. والتماس اللطف عند القضاء.. وان يرسل إليه بأهل المروءة والهمة عندما يقع في مصيبة أو ملمة. وهكذا تحول النظام بالتدين إلي فن جامع شامل.. يضم تحت لدائه كل ألوان الفنون.. ابتداء من المكياج والملابس.. وحتي اللحية الكثيفة والسبحة التي تتأرجح بين الأصابع تأرجح بندول الساعة.. والتمثيل.. والاخراج.. وحتي كتابة السيناريو الذي يناسب كل موقف.. وفن الصوت الذي اتقنته جماعة من الأجانب.. جاءوا إلي مصر.. في بداية عهدنا بالسينما.. وتخصصوا في علم الصوت.. إلي أن انتقل إلينا في العصر الحديث.. كإحدي أدوات مساحيق التدين. التظاهر بالتدين.. بات بمرور الوقت مدرسة.. وحالة نفسية اقتضت في بعض الأحوال اجراء عمليات جراحية من باب اخفاء الملامح علي نحو ما جري للنائب البرلماني الأسبق انور البلكيمي الذي قام بعملية لتجميل انفه وتحسين صوته علي حد قوله. والتظاهر بالتدين ليس موجها للسماء بالطبع.. وانما هو موجه للجيران وزملاء العمل.. وشركاء الحياة.. من أجل الخداع والنصب والاحتيال.. وتلقي اشارات الاحترام.. وهو مقبل ومدبر يتهادي في مشيته.. ولذلك فلم يكن من العجيب ان يعلن الدكتور صلاح هلال فور تعيينه وزيرا للزراعة انه جاء ليحارب الفساد بالوزارة.. وان يقوم بتشكيل لجنة تحمل الاسم نفسه وهي لجنة مكافحة الفساد.. وان تقوم هذه اللجنة بالفعل باحالة ملف العشرات من المخالفات المالية والإدارية.. وتحديدا في هيئة المشروعات والتعمير إلي جهات التحقيق.. وان أغلب تصريحاته.. قبل اسبوع واحد من اعتقاله كانت تؤكد كلها علي أنه لن يتستر علي فساد. لم يكن الدكتور صلاح هلال.. يكذب علي الناس.. وإنما كان يكذب علي نفسه.. دون أن يدري.. وكان واحدا من الملايين المتكلفين المتصنعين الذين يكذبون علي أنفسهم قبل أن يكذبوا علي الناس.. بعد أن يمارسوا كافة الوان التظاهر بالتدين.. وبعد ان انقطع الأمل في اصلاح ذات نفوسهم المشحونة بكل ألوان الرذائل. نحن أمام أبشع الأوبئة الاجتماعية التي استشرت بيننا بشكل مذهل في الآونة الأخيرة.. واتخذت من التظاهر بالتدين وسيلة لاهدار قيمة العمل.. واداء الواجب كما يتعين أن يكون من حيث الدقة والجودة.. وانتشار الزوايا الصغيرة في كل ربوع البلاد تهربا من الضرائب العقارية.. علاوة علي السيل الهادر من الفتاوي الجامحة التي تنطلق علي مدار الساعة فتفسد البيئة الاجتماعية.. وتنقلنا لعصور البداوة والحياة في قلب الصحراء.. التي نتورط في امتداحها واعتبارها القدوة لنا في سلوكياتنا المعاصرة.. حتي لا نتشبه بالكفار.. ونسير سيرة الاوروبيين الذين نستورد منهم الغذاء والكساء والدواء.. واجهزة التلفزة التي تنقل لنا البرامج الدينية.. وأحاديث أرباب العمائم ومعها مكبرات الصوت التي تذكرنا بمواقيت الصلاة. يضاف إلي ذلك التركة التي انتقلت إلينا.. بعد 30 سنة من حكم حسني مبارك.. وفي مقدمتها تدهور التعليم العام.. وتكدس الفصول بالتلاميذ.. والازدحام المهول الناجم عن الانفجار السكاني.. وتضخم البيروقراطية التي نشرت ثقافة الفساد في ربوع البلاد. كان المفروض.. وفقا لأحداث 25 يناير 2011.. ان تشهد البلاد ثورة تصحيح شاملة.. تطيح بمرحلة الاسترخاء والاستجمام التي استمرت 30 سنة.. وان يعاد النظر في العديد من السياسات وفي مقدمتها السياسة التعليمية وتطوير أدوات التعليم العام.. الا ان ذلك لم يحدث.. وازدادت الأوضاع الاجتماعية في ظل حكم الإخوان.. تدهورا.. صاحبته موجات متلاحقة من التظاهر بالتدين.. ابتداء من المرشد العام للجماعة الإرهابية.. وحتي اصغر موظف برئاسة الجمهورية. الكل يتسابق للتظاهر.. بأنه الأكثر تدينا والأكثر دراية بما يرضي الله ورسوله.. واولهم صفوت حجازي بتصريحه الشهير. وانني علي ثقة بأنه اذا صرخت سيدة مسلمة مصرية في أي كان وقالت «وامرساه» فسينتفض لها «مرسي» من قصر القبة أو في أي مكان كان وهو يقول لها «لبيك يا اختاه»! وتحولت أيامها مواكب كبار المسئولين والمحافظين إلي مواكب نحو المساجد لاداء الفرائض في مواعيدها.. وفي ركابهم يتدحرج المئات من ارباب المصالح والجلاليب التي تضيق عند المؤخرة.. تمحكا في السلطة بلا كد ولا تعب. السخيف في الموضوع انه علي الرغم من انتهاء حكم الإخوان الإرهابي البغيض.. الا ان جراثيم الأمراض الاجتماعية التي تركوها لا تزال علي قيد الحياة.. والدليل علي ذلك هو الصورة التي نشرتها الصحيفة التي بين يديك يوم الثلاثاء 8 سبتمبر 2015.. والتي جسدت الامراض الاجتماعية التي نعانيها.. والتي لم تكن في حقيقتها سوي واحدة من ملايين الصور التي استشرت بيننا بشكل وبائي واتخذت من مساحيق التدين وسيلة للنصب والاحتيال.. وخداع زملاء العمل.. وارتكاب كل الوان الموبقات بغطاء كثيف من مساحين التدين... ابتداء من اللحية المتعددة الدرجات والمقاسات والكثافة.. وحتي التظاهر بالوضوء من اجل ضبط ايقاع مساحيق التدين.. في دورات المياه!